الحل السياسي المستحيل أحمد الشامي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 mai 2013

يجمع « أعداء » الشعب السوري من « بكين » حتى « واشنطن » مرورا بطهران وموسكو وحتى القاهرة وبرلين على « ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية ».
الكثير من « أصدقاء سوريا » قام بطرح مبادرات تهدف ٳلى الوصول ٳلى الحل السياسي العتيد، لكن لا حياة لمن تنادي. الملايين من السوريين المهجرين ومن هم تحت القصف وحتى من لم يطلهم رذاذ الموت بعد يرغبون في « أي حل » حتى لو كان سياسياً… حتى بعض أطياف المعارضة السورية داخل الائتلاف الوطني أعلنت قبولها بحل سياسي، دون جدوى.
فما الذي جعل هذا الحل مستعصياً ؟
هل المشكلة هي في بقاء بشار في الحكم ؟ في بداية الثورة كان وارداً بقاء بشار في ظل حل سياسي مع ٳصلاح تجميلي للنظام. تدريجياً ومع انفضاح بربرية العصابة اﻷسدية، أصبح عنف النظام هو السبب في رفض السوريين له.
لنفترض جدلاً أن بشار أصابه مس من اﻹنسانية وقرر الفرار فهل تنتهي اﻷزمة دون سقوط النظام ؟ فرضية أخرى لٳنهاء المأساة هي أن يتفق مريدو الحل السياسي على التخلص من عقدة بشار كما تم التخلص من عقد كثيرة قبله والتاريخ يحفل باغتيالات أتت في الوقت المناسب، مثل « جون كينيدي » و »اسحق رابين » و »أنور السادات »..
هل يتحقق الحل السياسي مع ذهاب بشار، على قدميه أو في تابوت ؟ لو كان رحيل بشار مرغوباً فعلاً من قبل كل هؤلاء لكان الرجل الآن في عداد الموتى ولكان « الحل السياسي » على اﻷبواب.
الجميع أدرك أن « بشار » تحول ٳلى مجرد واجهة وعنوان لنظام العصابة وأنه « لايحل ولايربط » بعدما دخل قادة القطعات العسكرية ٳلى المعمعة وأصبح مصير الجميع مرهوناً بمصير بشار.
أي حل سياسي يحفظ أجهزة النظام اﻷسدي، ولو دون اﻷسد، هو وصفة لاستمرار نزف الدم فدموية النظام التي منعته من التقدم ولو لخطوة خجولة في اتجاه مطالب الشعب، سوف توصل البلاد ٳلى سيناريو « كمبودي » مع مجازر تضاهي ماحصل في ظل الخمير الحمر. بقاء النظام هو ٳبادة للشعب السوري، دون الحاجة لكيماوي. انتصار العصابة بعد كل هذه المجازر يعني تحول سوريا ٳلى قاعدة انطلاق لمحور الشر الروسي اﻹيراني الصيني. فقط المالكي و »نصر الله » هم من سيستفيد من بقاء النظام.
يبدو أن العالم قادر على التعايش مع انتصار النظام بدلالة قبوله بكل مجازر اﻷسد من مجزرة الساعة في حمص وحتى السلاح الكيماوي. هناك حلم مشترك بين السيد « أوباما » و »بوتين » هو ذاته حلم الولي الفقيه وبشار، أن يصحو هؤلاء يوما ويجدوا أن الشعب السوري قرر رمي نفسه في البحر أوالخضوع لعصابة اﻷسد.
لا أحد يريد حلاً سياسيا يؤدي ٳلى انتصار الثورة السورية بدلالة تكالب العالم شرقا وغربا ضدها.
المشكلة التي يواجهها أصدقاء النظام الكثر أن هذا اﻷخير لم ينتصر بعد رغم كل الدعم الخارجي له ورغم فداحة التآمر الشرقي والغربي على السوريين وثورتهم. الثورة السورية تقاتل الميغ والسكود بالعصي والأسلحة الخفيفة وبالقطارة. الثوار هم جماعات متفرقة لاتجمعها لا قيادة موحدة ولا رأي واحد. كل العوامل الموضوعية هي في صالح النظام منذ البداية ومع ذلك لم ينتصر النظام ولم يتمكن من فرض « حله السياسي » كما فعل اﻷسد اﻷب في الثمانينات. وقتها تمكن الرئيس المؤسس للعصابة من فرض « حل سياسي » دموي والانتصار على « الطليعة المقاتلة » واﻹخوان عبر التوجه ٳلى الداخل والخارج بدهاء وعبر تحضير اﻷرض لممارسة عنف منفلت من كل عقال، لكن دون شهود وفي منطقة محدودة ومعزولة.
اﻷسد اﻷب قايض مذبحة حماة بالتعاون مع ٳسرائيل في غزوها للبنان عام 1982 ، قبل أن يحاول التحرش بها حين وصلت قواتها ٳلى البقاع، واستفاد من مجازر « شارون » لتغطية مجازره.
اﻷسد اﻷب استفاد أيضاً من ظروف الحرب العراقية اﻹيرانية ومن مناخ الحرب الباردة و من غرق السوفييت في المستنقع اﻷفغاني.
لكن نجاح اﻷسد اﻷب اﻷكبر كان في ٳعطاء بعد سياسي لممارسات العصابة اﻷسدية في الداخل السوري، حيث تمكن من اجتذاب طبقة التجار في المدن السورية. هؤلاء ضحوا بمدينة حماة مقابل مكاسب اقتصادية وفي ظل جهل السوريين بما حصل فعلاً في حماة.
هل هذه الظروف متوافرة الآن للأسد الوريث ؟
من سوء حظ بشار أن الزمن قد تغير، فٳسرائيل التي أزاحت من وجهها كل « المقاومات » لا تبدو راغبة في اقتراف مجازر كبرى جديدة و »نتنياهو » عنصري ومتطرف لكنه ليس « شارون ». « بوتين » ليس « بريجنيف » وهو أقرب ٳلى أن يكون « شبيحاً » فاسداً منه ٳلى أن يكون شبيهاً بآخر قياصرة « السوفييت ». بالمقابل، من حسن طالع الرئيس الوريث أن يكون قاطن البيت اﻷبيض هو الرئيس اﻷسمر الذي يجعجع دون أن يطحن…
لا مجال ٳذا لمقارنة العامل الخارجي في اﻷزمة السورية الراهنة بالظروف التي سمحت للأسد اﻷب بفرض انتصاره الدموي والحصول على مباركة دولية لاستمرار نظامه. هذا اﻹجماع لم يعد موجوداً، بعدما عجز النظام عن الانتصار، وحل مكانه ٳجماع آخر على استمرار استنزاف النظام والشعب السوري ﻹنهاك داعمي الطرفين ولصالح استجرار الحركات الجهادية لكي لا تزدهر في موسكو ولا في واشنطن.
بكلمة أخرى، العالم الذي أجمع على نفخ الروح في جسد نظام العصابة في دمشق في الثمانينات، يجمع الآن على تقاسم جثة هذا النظام الفاشل ويريد استمرار احتضاره ﻷطول وقت ممكن.
يبقى العامل الداخلي والذي كان في ٳمكان النظام الاعتماد عليه لفرض حل سياسي يناسبه وهنا تكمن خطايا بشار القاتلة.
الرئيس الوريث تصرف بشكل أخرق وأظهر انعدام شعوره بالمسؤولية حين لم يصغ لنصيحة « علي مملوك » الذي رجاه أن يعزل « عاطف نجيب » فوراً ويبدي بعض الانفتاح على شعبه. بشار الذي كان قادراً وقتها على نزع فتيل اﻷزمة بدد كل رصيده ورصيد نظامه بسرعة قياسية حين لم يدرك طبيعة التحديات التي تواجهه معتبراً أن ارتهاناته الخارجية تكفي وحدها لضمان انتصاره.
بضعة أشهر كانت كافية لرفع الغطاء عن النظام وٳظهاره على حقيقته كنظام احتلال داعر يقوم بتجيير سوريا لحساب الخارج ولاهم له سوى النهب بغير حدود.
النظام عجز عن ممارسة أي نوع من السياسة في اتجاه الداخل، باستثناء طائفته وقاعدته الاقتصادية والاجتماعية الضيقة، وانحصرت أحلامه في تحقيق أهداف سادته الخارجيين. ٳسرائيل تريد جولاناً آمناً، ٳيران تريد نشر امبراطوريتها حتى مياه المتوسط والروس يريدون تعكير صفو اﻷمريكان وقاعدة بحرية في المتوسط.
من الواضح أن هذه اﻷهداف الاستراتيجية تتجاوز النظام اﻷسدي وتتعامل مع السوريين كبهائم لاحول لها ولاقوة وكعبيد عليهم الخضوع لسادتهم الآتين من وراء الحدود. الحل السياسي من وجهة نظر هؤلاء هو استسلام السوريين بالكامل ومهمة النظام الوحيدة هي تغليف هذا الاحتلال الخارجي لا أكثر ولا أقل.
حتى لو استسلم السوريون، فالنظام الدموي لن يتوقف عن القتل ﻷن لاشيء لديه غير القتل ليعطيه للسوريين. نظام اﻷسد ليس له في السياسة شروى نقير، فهو مجرد عصابة تمارس العهر السياسي منذ أربعة عقود، هل هناك حل سياسي مع عصابة ؟
بكلمة أخرى فالحل السياسي، دون سقوط النظام وأجهزته القمعية، يعادل بكل بساطة دعوة السوريين للانتحار بملء ٳرادتهم.

https://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=3389

11/5/2013