الحل العربي – د.أحمد الشامي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 mars 2012
لماذا لا يحظى القادة العرب وقراراتهم ٳلا بالقليل من الاحترام الدولي ؟ لماذا يتم اختصار العربي ٳلى « اﻷمير الباذخ » الذي ينفق بلا حساب في الملاهي من جهة و »العربي المهاجر » الباحث عن لقمة عيشه في الغربة بالقيام بأعمال ينأف عنها مواطنو الدول المتقدمة ؟
لماذا لا يحسب أحد حساباً للدم العربي المسفوك سواء في فلسطين أو في العراق وأخيراً في سوريا؟
الجواب يكمن في موقع اﻹنسان العربي بين بني البشر ، فلا كرامة للٳنسان العربي ما لم تكن هناك كرامة للمواطن العربي في بلده وما لم يشارك المواطن العربي في تقرير مصيره واختيار حكامه وسياساتهم
الربيع العربي بدأ بصرخة كرامة دموية لمواطن تونسي فضل الموت على خسارة فرصه في الحياة اللائقة. مع أن البوعزيزي كان مواطناً في دولة تحترم حداً أدنى من كرامة البشر ، فقد اختار الرجل الموت بحثاً عن كرامة غير منتقصة وكان ما كان
الدول التي اصطلت بنار الربيع العربي هي دول تحتقر كرامة مواطنيها وتستبيح أعراضهم وأموالهم. ليس صدفة أن التونسيين ثاروا بعدما طرح بن علي فكرة تتويج زوجته على عرش قرطاج، وتبعهم المصريون الخائفون من التحول ٳلى قطيع يسومه أبناء حسني مبارك سوء العذاب ، بحيث يصبحون كالسوريين تحت حكم اﻷسد الوريث. الليبيون لم يقبلوا أن يكونوا أقل كرامة من المصريين فثاروا ضد عقيدهم المجنون وأرسلوه ٳلى جهنم بعد الاستعانة بالاوربيين ودفنوا معه حلم توريث ليبيا لسيف اﻹسلام القذافي
اليمنيون أيضاً ثاروا ضد مشروع « علي عبد الله صالح  » لتوريث اليمن لنجله وتبعهم السوريون الذين ثاروا في درعا طلباً لاسترداد أولادهم وغضباً لشرفهم ولكرامتهم ثم استمروا في نضالهم للتحرر من الحكم الوراثي الفاسد والقاتل
السوريون خرجوا وهم يعرفون بشاعة نظام بشار اﻷسد ودمويته وطبيعته الطائفية المطعمة بممارسات احتلالية وهمجية. اﻷسد رد فوراً على طلب السوريين لكرامتهم بٳرسال الدبابات وبسفك دماء أكثر من عشرة آلاف شهيد حتى الساعة والحبل على الجرار
كيف كان رد العرب ممن كرامتهم محفوظة وممن استردوا كرامتهم على استغاثات السوريين ، أندادهم في العروبة وٳخوتهم في اﻹنسانية ؟ هؤلاء العرب ردوا بتصريحات رنانة ولا شيء غير ذلك. ماذا فعل العرب لمساعدة السوريين على استرداد كرامتهم المهدورة ؟ لا شيء، مع أن أول من يجب عليه الاستجابة لاستغاثات السوريين هم إخوتهم العرب
الكرامة البشرية حق لكل البشر دون استثناء ولا يمكن احترام حقوق اﻹنسان حصراً حسب جنسيته فالبشر كلهم سواء. لا فرق في اﻹنسانية بين عربي وكردي وبين مسلم وغير مسلم، السوري والفلسطيني والخليجي مثلهم مثل اﻹيراني واﻹسرائيلي لهم الحق في الحياة بكرامة وفي كسب عيشهم والتمتع بالسلام أينما كانوا. الكرامة اﻹنسانية وحق الحرية والحياة هي حقوق مطلقة لكل البشر وهذا ما يفرق البشر عن الحيوان. هذا المبدأ هو ما نبني عليه حين نؤكد أن ٳغاثة السوريين هي واجب على البشرية جمعاء كما سيكون على سوريا الحرة في المستقبل واجب احترام حقوق كل البشر وٳغاثة المحتاجين أينما كانوا وأياً كانت جنسياتهم
ليس اﻷمر طوباوياً ولن تتحول اﻷرض لجنة بين يوم وآخر، سيبقى البشر يتصارعون ويتنافسون ويختلفون ، لكن لا داعي لسفك الدماء ولا لامتهان كرامة البشر. ألمانيا الغربية استعادت نصفها السليب دون ذرف قطرة دم ودون امتهان كرامة أي مواطن ، فقط بنبل مواقفها وباحترامها لحقوق اﻹنسان، كل ٳنسان. يكفي أن المانيا الموحدة تحكمها الآن سيدة ولدت تحت حكم الشيوعيين في ألمانيا الشرقية التي كانت « عدوة  » للغرب
ٳغاثة السوريين اليوم ومساعدتهم على التخلص من طاغية يصر على قتلهم لكي يستمر بٳذلالهم و بنهب مقدراتهم هي واجب ٳنساني مطلق على الجميع، بمن فيهم ٳيران وٳسرائيل . سيأتي يوم يحاسب فيه السوريون نظام الملالي في طهران على كل قطرة دم سفكت بمعونة الحرس الثوري. ذات اﻷمر ينطبق على روسيا والصين والمتخاذلين عن نجدة الضحايا في الشام
حتى ٳسرائيل سيأتي يوم يحاسبها فيه السوريون ليس فقط على احتلالها ﻷرضهم ، بل أيضاً على دعمها غير المحدود لآل اﻷسد ومشاركتها لهم في القتل. في عالم مثالي، على المتحدرين من ضحايا المحرقة النازية فعل كل شيء لوقف الهولوكوست السوري الدائر على بعد كيلومترات من معسكرات الجيش اﻹسرائيلي المتخم بالسلاح المخصص فقط لقتل المدنيين العرب
توقع أن يأتي يوم ويصحو فيه الضمير اﻹسرائيلي هو أشبه بأمل ٳبليس في الجنة، فالكثيرون في ٳسرائيل يفرحون لموت اﻷبرياء في سوريا على مبدأ « فخار يكسر بعضه… ».
الإيرانيون الأحرار واقعون تحت سلطة لا تختلف كثيراً عن نظام الشبيحة في دمشق وسيحتاجون هم أيضاً إلى العون في يوم نأمل أن يكون قريباً
لكن، ما لنا نتطلع صوب الغرب البعيد واﻷمريكي وحتى التركي واﻹسرائيلي وننسى أن ﻷخوتنا العرب جيوشاً جرارة عاطلة عن العمل…فأين جيوش العرب مما يحدث في سوريا ؟
أين الصوت اﻷردني ؟ فلم نسمع من الملك « عبد الله الثاني  » لا خيراً ولا شراً ، يبدو أن الرجل مشغول بأمور عظام ، لا يعلمها ٳلا الله ، وليس لديه وقت يضيعه في التمعن بما يصيب الشعب السوري الشقيق
السوريون يستجدون العون من الغريب اﻷوربي واﻷمريكي والجيش اﻷردني المعروف بأنه جيش قوي ومحترف على بعد دقائق من درعا ! هل نسي ملك اﻷردن أن سوريا ووزير دفاعها اﻷسد اﻷب سبق لها وأن أرسلت جيشها لمقاتلة الجيش اﻷردني ولحماية المقاتلين الفلسطينيين وليس المدنيين العزل عام 1970 ؟ وهل يتوجب أن تكون « قوات الردع العربية  » سورية وأسدية حصراً ؟ أم أن الجيش اﻷردني « جيش عقائدي  » مهمته الوحيدة هي حماية العرش الهاشمي « وليذهب السوريون ٳلى الجحيم ، أو جنة اﻷسد ، لا فرق… « 
ٳن لم يكن ملك اﻷردن راغباً بمد يد العون لمذبوحي الشام فهل ينتظر مبادرة من الجار السعودي القوي ؟ وهل سيسمح اﻷردنيون بمرور المساعدات السعودية لضحايا القمع اﻷسدي؟
ثم ماذا كان يقصد اﻷمير الفيصل حين قال « على اﻷسد أن يترك الحكم طوعاً أو كرهاً « ؟ هل سيتحرك الجيش السعودي وسلاحه الجوي الذي لا يقل قوة عن نظيره اﻹسرائيلي ويعلن النفير لتحرير الشام من طاغيتها ؟ وهل « الحرس الوطني السعودي  » وقوات درع الجزيرة محصورة بالاستعمال الداخلي ؟ ما فائدة الجيوش ٳن لم يتم استخدامها لحماية الحق والكرامة ولماذا يتحرك اﻷمريكيون واﻷوربيون في حين يبقى الخليجيون واﻷردنيون يحصون الضحايا
كم سورياً ، من غير زبانية اﻷسد الوالغين في الدماء ، سوف يتصدى للقوات العربية القادمة لقلع طاغية الشام ؟ هل ستضرب ٳسرائيل قوات مسلمة أتت لتخلص السوريين من « عدوها  » اﻷسدي والذي ما فتئ يتقرب من منافسها اﻹيراني ؟ كيف ستبرر ٳسرائيل حمايتها المكشوفة لمجازر اﻷسد دون أن تكشف أنها تريد أن تعيش وتترعرع في نهر من دماء جيرانها العرب وفي حين يقضي الواجب اﻹنساني ، حتى على ٳسرائيل ، مثلها مثل كل جيران سورية الراغبين في العيش معاً بسلام ، بالمساهمة في وقف مجازر اﻷسد ؟
طائفة اﻷسد « الكريمة  » ومن لف لفها ستجد من مصلحتها ٳلقاء سلاحها والكف عن المشاركة في مجازر آل اﻷسد وسوف تستفيد من الحماية التي سوف تؤمنها لها هذه القوات العربية
سوف يكون هناك شهداء من بين أفراد هذه القوات ، لكن كم من هؤلاء الجنود سيفضلون الشهادة وهم ينقذون شعباً شقيقاً يذبح على أن يموتوا ترهلاً في جيش يقتله الملل ؟
قد يقول قائل « وماذا ستفعل روسيا ؟ » لن يقدر الروس على فعل أي شيء في وجود قرار سياسي ٳقليمي بوجوب حماية السوريين مع غطاء أمريكي في حده اﻷدنى ، لنذكر أن الجيش الأسدي دخل ٳلى لبنان عام 1976 لسفك دماء الفلسطينيين وحلفائهم دون قرار من مجلس اﻷمن ورغم أنف السوفييت الذين كانوا أقوى عسكريا وسياسيا من روسيا والصين وٳيران مجتمعين
هل ستسكت ٳيران حين ترى حليفها اﻷسدي يتهاوى ؟ ٳيران لن تقدر على التدخل مباشرة ﻹنقاذ اﻷسد وقد تحرك شيعة الخليج ضد أنظمته. ٳن كان هؤلاء من الغباء والجريمة بحيث يتماهون مع مجازر اﻷسد ، فالصراع معهم سيكون محتوماً ولن يغير التدخل في سوريا من اﻷمر شيئاً. لكن الغالب أنهم يتعاطفون مع ضحايا اﻷسد ، مثلهم مثل أغلب شيعة ٳيران ذاتها
هل ستجتاح ٳيران البحرين « لمساندة الثورة  » فيها ؟ حينها سيكون عليها احتلال قيادة اﻷسطول الخامس اﻷمريكي في المنامة مما سيفتح أبواب جهنم على مصراعيها أمام حكومة « ولاية الفقيه  » ويضع حداً نهائياً لعربدة « أحمدي نجاد  » ومهووسي الباسدران. نفس السيناريو سيقع ٳن فكرت ٳيران بالانتقام من السعودية أو غزوها. ٳن « جنّت » ٳيران وهاجمت الخليج فسيكون مصيرها نفس مصير المعتوه صدام الذي ظن نفسه قادراً على التحكم بالخليج ونفطه
الخيار الحالي بالنسبة لسوريا يبدو منحصراً بين دخول قوات عربية وٳسلامية ، بقرار ٳقليمي و عربي ، ستكون مهمتها حماية السوريين وتحريرهم في النهاية من نظام اﻷسد المحتل بحسب تعريف سمو اﻷمير الفيصل ، أو بين تسليح المقاومين وتسلل فلول المجاهدين القادمين لنفس الغاية وللجهاد ضد « العدو المجوسي »
النتيجة لن تكون نفسها في الحالتين
في الحالة اﻷولى ستخرج العائلتان المالكتان في السعودية واﻷردن قويتين وبمشروعية متجددة بما يسمح لهما بالدخول في الربيع العربي من الباب الواسع وٳجراء ٳصلاحات تدريجية تحصن مجتمعاتها وتحافظ على كرامة ٳنسانها، وستخرج سوريا من اﻷزمة بنظام متصالح مع شعبه ومع محيطه
في حالة تخاذلها عن حماية الدم السوري سوف تدفع هذه اﻷنظمة الملكية العريقة الثمن على شكل عدوى سلفية وجهادية لن توفرها. هذه العدوى ستكون قاعدة انطلاقها في المستنقع السوري
ٳن لم يسقط نظام اﻷسد ، سوف تتجه سوريا ٳلى وضع أفغاني هو مواجهة بين جيش احتلال طائفي مدجج بالسلاح ، مع شعب ثائر ومذبوح، متروك لمصيره، كما كانت حال أفغانستان في الثمانينات والجزائر في الخمسينات. الشعب السوري سيجد نفسه غارقاً في اﻷصولية والطالبانية ، وربما ينتهي اﻷمر ٳلى صومال جديد في شرق المتوسط
القمة العربية في بغداد سيكون عليها أن تقرر ٳن كان العرب سيصدرون كالعادة قرارات جوفاء و سيكتفون بترداد نغمة « ٳن لم يتوقف اﻷسد فربما سنسلح المعارضة.. » أو أنهم سيرتقون ٳلى مستوى التحدي
لنتصور ما ذا كان سيكون مصير الكويت لو أن القمة العربية الطارئة في 10 آب 1990 طالبت « بتسليح  » المقاومة الكويتية ؟! قمة القاهرة تلك كانت « طارئة  » ومخصصة لاحتلال الكويت رغم أن صدام لم يقتل وقتها من الكويتيين عشر ما قتل اﻷسد من السوريين
عشرات الآلاف من الضحايا السوريين ، قتلى وجرحى ومهجرين لا يستحقون قمة طارئة وعليهم أن ينتظروا انعقاد القمة الاعتيادية ربما بحضور بشار أو ممثله
ألم أقل لكم أن المواطن العربي والسوري خاصة لا قيمة لا لحياته ولا لكرامته
ثوار سوريا على اﻷرض هم من سوف يقومون بتغيير هذه المعادلة
بيروت اوبزرفر – الجمعة، 16 اذار 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=72850:chami&catid=39:features