الخارج والداخل في سوري – فايز سارة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 juillet 2011

لا يحتاج الى تأكيد قول، ان العالم لم يعد بامكانه ان يغمض عيونه عما يجري في أي مكان فيه، حتى لو كان ذلك المكان قصياً وبعيداً، أو انه لا يحتل اهمية استراتيجية، ولا يؤثر في جملة علاقات سياسية واقتصادية في محيطه القريب. فكيف اذا كان الامر يتعلق ببلد مثل سوريا، التي يمكن القول انها بمثابة قلب الشرق الاوسط، والنواة التي تدور حولها مختلف القضايا المهمة في محيطها الاقليمي، والتي لا شك انها قوة مؤثرة في تلك القضايا على نحو ما هي عليه موضوعات القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الاسرائيلي والوضع في لبنان والعراق، والوضع في ايران ودور تركيا في المنطقة، وكلها موضوعات هي في صلب الاهتمام الدولي بعامة، وفي محور الدول الكبرى في عالم اليوم 

ما تقدم يجعل سوريا في صلب الاهتمام الاقليمي والدولي، ويتضاعف الاهتمام في ظل الازمة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من اربعة اشهر، حيث تتواصل فيها حركة الاحتجاج والتظاهر ضد النظام، والتي وصلت حد المطالبة باسقاط النظام، فيما تتواصل مسارات المعالجة الامنية من جانب السلطات السورية للازمة ومن اجل وضع حد للتظاهرات، واعادة تأمين النظام في سوريا وفقاً لمعطيات ومعايير مناسبة لرؤية النظام
غير انه وقبل الذهاب في عمق البعد الاقليمي والدولي للازمة في سوريا، لا بد من تأكيد ان اساس الازمة، هو داخلي يتعلق بالسياسات والممارسات التي ترسخت في البلاد طوال نحو خمسين عاماً من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، بما رسم من ملامح سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، دفعت الى تراكم، ادى الى ولادة هذا القدر الهائل من الانفجار، وبدلا من ان يقوم النظام بمعالجة عوامل التفجير بالاساليب السياسية، لجأ الى استخدام القوة والعنف، وكلاهما كان في عوامل التفجير، مما فاقم الاحتجاجات واجج حركة التظاهر ووسع حدودها الجغرافية والمطلبية، وجعل الشق يتسع بين الشارع والنظام لدرجة بلغت حدود عدم اللقاء
ان ابتعاد النظام عن التوجه الى معالجة سياسية للازمة، جعله اكثر غرقاً في مسار الحل الامني الذي كان من ثماره المرة سقوط نحو الفي قتيل، وأكثر من عشرة آلاف جريح بينهم آلاف ممن اصيبوا باعاقات دائمة، وثمة عشرات آلاف من الذين اعتقلوا او ما زالوا معتقلين او مطلوبين بسبب احداث الشهور الاربعة الماضية، وهناك ما يقارب العشرين الفاً من النازحين الذي فروا الى الدول المجاورة وخاصة الى تركيا ولبنان
ومما لا شك فيه، ان هذه الفاتورة ساهمت في بلورة بعد اقليمي ودولي للازمة السورية. ذلك انه رغم غياب الاعلام المحايد والمستقل عن تغطية الاحداث، فقد وصلت تفاصيل من التطورات السورية الى الخارج، وجرت نقاشات وحوارات حولها في المستويات الدولية الرسمية والحقوقية، وترتب على ذلك حراك اقليمي ودولي للضغط على النظام، وهو ضغط لابد وانه تأثر بمواقف وسياسات تتصل بسوابق مواقف اصحابها من النظام الحاكم في مراحل سابقة
وقد تبلور في البعد الاقليمي والدولي من الازمة السورية موقفان، موقف أيد سياسات النظام في معالجة الازمة، مع طلب متفاوت في الدعوة الى اصلاحات تستجيب لمطالب المتظاهرين او لعموم الشعب، وكان الاهم في هذا الموقف حلفاء سوريا والقريبون من مواقفها وسياساتها الاقليمية والدولية وبينهم ايران وحزب الله اللبناني، ودول لها مصالح مباشرة مع سوريا بينها روسيا والصين. وفي المقابل كانت مواقف التشدد والادانة لمواقف السلطات السورية من الازمة وخيارها في استخدام القوة، وهذا الموقف كسابقه لم يكن في مستوى واحد، لكنه ربط في الاغلب استمرار النظام باجراء الاصلاحات التي تستجيب لمطالب المحتجين، وكانت الدول الغربية وتركيا هي الابرز من اصحاب هذا الاتجاه

وخارج الموقفين السابقين، فان موقفاً صامتاَ ساد في المحيط الرسمي العربي والاسلامي، واساسه، اما معارضة تلك الدول لفكرة التظاهر من اجل الاصلاح والتغيير، او انها لا تريد الدخول في خط تماس مع السياسة السورية، وهذا نهج معروف على الساحتين العربية والاسلامية
لقد قابلت السياسة السورية، التي ارتأت الاستمرار في الخيار الامني
لمواجهة الازمة، تلك المواقف بما ينبغي ان يكون. فاشادت بالمواقف القريبة ولا سيما بالموقفين الروسي والصيني اللذين منعا اتخاذ قرارات دولية ضد سوريا في المستوى الدولي، وتوجهت بالاتهام المباشر او غير المباشر للمواقف الناقدة لتلك السياسات، خاصة مواقف دول مثل تركيا جارة سوريا في الشمال التي اتهمت انها مررت اسلحة ومسلحين الى الاراضي السورية، ومثل الولايات المتحدة وفرنسا اللتين اتهمتا بالتدخل في الشأن السوري وتقديم مساعدة لمناهضي النظام وغير ذلك بعد زيارة سفيري البلدين الى مدينة حماه
ان البعد الاقليمي والدولي في الازمة السورية الحالية امر حاضر، غير انه قليل الفاعلية والتأثير في الازمة، التي اساسها ومكوناتها واطرافها الاساسية داخلية، وهـي التي يمكن ان يشكل توافقها واتفاقها اساســاً لحل المشكلة ومعالجة تداعياتها، لكن لايمـكن القول، ان العوامل الخـارجية ســتظل محدودة التأثير رغم اعلان حركة الاحتجاج والمعارضة السورية رفضـها التـدخل الخارجي، بل العوامل الخارجية يمكن ان تصعد في ظل حدوث امرين اولهما تغييرات في مواقف كل من روسيا والصين، وفي ظل تصعيد خطير في مواقف التشدد المناهض لسياسة دمشق ومنها مواقف تركيا واروبا والولايات المتحد
والثاني ذهاب الحل الامني الى حدود بعيدة لايمكن للمحيط الاقليمي والدولي السكوت عنها او تجاهلها

 فايز سارة – كاتب وناشط سوري
السفير – ٣١ تموز ٢٠١١

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1909&ChannelId=45038&ArticleId=3349&Author=فايز+سارة#.TjSahGx_fJA.facebook