الديموقراطية أولاً.. والباقي تفاصيل – سعيد ناشيد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 septembre 2011

ليس من عادة الشعوب العربية الخروج على الإمام الجائر أو الفاجر أو المستهتر، إلا في حالة واحدة: أن يكون الإمام أعجمياً. ليس من عادتها أن تهبّ في ثورات شعبية لطرد الطاغية عن السلطة أو عن السلطة والبلد، إلا في حالة محددة: أن يكون الطاغية غازياً أو محتلا أجنبياً
هو ما سـبق أن حدث بالتــمام والكمال أثناء الثورة العــربية الكــبرى ضد الاحتلال العثماني، وأثناء حركات التحرّر الوطني ضد الاستعمار الغربي. وهو أيضا ما حدث قديما في معركة ذي قار التي خاضها العرب ضد كسرى الفرس، قبيل ظهور الإسلام
هكذا كان، وأما الآن، فلعلها المرة الأولى، منذ عهد عاد وثمود، حيث قررت الشعوب العربية أن تهب قاطبة للثورة على حكامها العرب ومطالبتهم بالرحيل عن السلطة. ولأول مرّة يكون المطلب الشعبي هو إسقاط الاستبداد السياسي، بدءاً برحيل الحاكم المستبد وانتهاء بمحاكمته ومحاكمة أزلامه
بالاستنتاج الواضح والصــريح، فقد طرأ انقــلاب جذري وغــير مسـبوق في الوعي العربي، وأصبحنا أمام منطلقات نود أن نعرضها هنا من باب تنبيه بعض الغافلين
ـ ما عاد بالإمكان اليوم تحقيق أي نمو دائم أو تنمية مستدامة داخل أي بلد عربي، على حساب حرية المواطن وكرامته. وهذا هو درس الثورة التونسية
ـ ما عاد بالإمكان قيام أي أمن أو هدنة أو سلام على حساب حرية المواطن وكرامته. وقد كان هذا درس الثورة المصرية
ـ ما عاد بالإمكان ضمان الوحدة الترابية لأي بلد عربي على حساب حرية المواطن وكرامته. وهكذا كان درس الثورة في اليمن
ـ لكن، أيضاً وصدقاً، ما عاد بالإمكان دعم المقاومة أو الممانعة على حساب حرية المواطن العربي وكرامته. ولعله درس الثورة السورية
ليس هذا هو الدرس الأخير، فلثورات الشارع العربي دروس أخرى كثيرة، هي في الغالب دروس للجميع: فقد اعتقدت إسرائيل طويلا، ومعها أصدقاؤها في الغرب، أن استبدادا عربيا يكون صديقا حليفا لها، مثلما كان عليه حال مصر حسني مبارك، خير من صداقة مع ديموقراطية عربية غير مضمونة النتائج، مثلما هو الحال مع تركيا. لكن في المقابل، كثيرا ما اعتقدت المقاومة أن دعمها من طرف نظام عربي مستبد، يضمن استقرارا في المواقف، مثلما هو الحال في سوريا الأسد، خير من دعمها من قبل نظام ديموقراطي قد تتغير أحواله بين انتخابات وأخرى، مثلما قد يحدث في إيران تبعا للحراك الانتخابي. وبالجملة كانت كل الحسابات السياسية خاطئة؛ ما دامت قد أهملت الأساس، والأساس هو حرية الفرد وحقوق المواطن وكرامة الإنسان. وهذا درس للجميع
من الآن فصاعدا، ستحتاج كل المشاريع والرهانــات والمواقف والخيارات، سواء كانت تنموية أو تحرّرية أو وحدوية، إلى المشروعية الديموقراطــية. ومن الآن فصاعدا، ستكون الديموقراطية أساس كل مشروعية سياسية في العــالم العربي. بل لعلها ستكون أساس كل تأسيس أخلاقي للسيـاسة. لأن السياســة ما لم تقم على مسؤوليات سلوكية والتزامات أخلاقية واختيارات قيمية تحـظى بقدر من الموافقة، فإنها تصبح مجرد مكر يمارسه الـساسة، ودسائس تنــفذها الأجهزة، وحيل يقترحها النصحاء. وتلك هي أزمة الفكر السياسي الإسلامي منذ القدم إلى اليوم
وبالمحصلة، كأوراق الخريف تتساقط الأنظمة العربية الدينية والعلمانية، المعتدلة والممانعة، الغنية والفقيرة، ما دامت تفتقد في الغالب الأساس. والأساس هو حرية المواطن العربي وكرامته
انتهت أهم الدروس الآن. وآخر القول ما سنقول
الذين يقولون التنمية أو معدلات النمو أولا، والذين يقولون الأمن أو الأمان أولا، والذين يقولون المساومة أو التسوية أو السلام أولا، والذين يقولون المقاومة أو الممانعة أو التحرير أولا، والذين يقولون الإصلاح الثقافي أو الديني أولا، لكل هؤلاء نقول: الديموقراطية أولا والباقي تفاصيل. أليس كذلك؟

كاتب وأكاديمي مغربي

السفير – ٣ أيلول ٢٠١١

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1936&ChannelId=45713&ArticleId=149&Author=سعيد+ناشيد#.TmLVoDk8mD0.facebook