الرهان على الخارج في عبور الأزمة سيطيل أمدها – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 décembre 2013
سلام الكواكبي: استبعد سيناريو تقسيم سوريا (حوار)
الرهان على الخارج في عبور الأزمة سيطيل أمدها، 

إيمان عبد المنعم/ الأناضول

استبعد الباحث السوري « سلام الكواكبي » سيناريو تقسيم سوريا وإقامة دولة « علوية »، مستحضرا فشل هذا السيناريو من قبل على خلفية التداخل الديموغرافي في سوريا.

كما استبعد أستاذ العلوم السياسية والباحث في مبادرة الإصلاح العربي في فرنسا أن تقوم روسيا بإنهاء الصراع في سوريا قريبا، معللا ذلك بأن روسيا تجد في استمرار الأزمة فرصة لاستعادة مكانتها بالمنطقة خاصة بعد عودة التعاون الاقتصادي والعسكري مع مصر والعراق.

وأكد حفيد المفكر عبد الرحمن الكواكبي، صاحب كتاب « طبائع الاستبداد »، في حواره مع « الأناضول » عبر الهاتف أن ما وصفه بـ « تراجع الزخم الثوري العربي والتخبطات التي تمر بها مصر وتونس وليبيا » تؤثر سلباً على السوريين.

وإلى المقابلة..

  • في البداية كيف تقرأ الترتيبات الدولية لمؤتمر « جنيف 2″؟

هناك مشاورات وتناقضات وتجاذبات لم تصل إلى درجة وضع الترتيبات الفعلية لهذا اللقاء المرتقب، لقاءات تجري بين الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا وأطراف الأزمة.

الروس يلعبون بسوريا وبالسوريين في ظل انفرادهم التام وقبول الأميركيين بإدارتهم للملف، وروسيا تجد في استمرار الأزمة فرصة لاستعادة مكانتها بالمنطقة، خاصة بعد عودة التعاون الاقتصادي والعسكري مع مصر والعراق.

والأميركيون غائبون إرادياً عن وضع الوزن المفترض بهم نظرياً أن يستعملوه لإحلال التوازن في المعادلات المطروحة.

والأوربيون مغيّبون تماماً إلا للعب أدوارٍ ثانوية تنحصر بلقاء على الهامش هنا أو هناك، والصينيون يترقبّون بصمت.

ودول الخليج تعيد تقييم مواقفها وممارساتها متأثرةً بخيبتها من موقف أميركي لزج لم يكن يخفى على أحد سوى على السذّج، وجامعة عربية تغطي عجزها المزمن بتصريح من هنا وآخر من هناك فيما تمارس إيران دبلوماسية متواصلة منذ 10 سنوات على الأقل بخصوص النووي الذي تّعدّ له وتفاوض عليه. أما تركيا فتبدو متنبهة إلى خطر تفاقم الوضع الميداني في سوريا وتأثيراته عليها.

وأخيرا، إسرائيل تطلبٌ من الفاعلين الروسي والأميركي أن تستفيد أيا كانت سيناريوهات الحل، وفي ظل هذا كله، يستمر الموت خبزاً يومياً للسوريين.

  • ما هي الترتيبات أو الاتفاقات حتي ينعقد هذا المؤتمر؟ وهل هو السبيل الواقعي لحل الأزمة السورية؟

لكل طرف تصوّره، وداخل كل طرف هناك تصورات، ولا يوجد وسيط فاعل وحيادي يسعى إلى التوفيق بين مختلف هذه التصورات، ويبقى الغموض في النصوص مرغوباً لتمييع الحلول.

يقول المعارضون بأن اللقاء يجب أن يستند إلى نص إعلان جنيف1، ويجري الاجتهاد في تأويل هذا النص من قبل الروس تارة ومن قبل النظام تارة أخرى.

الحديث عن حل واقعي في ظل هذه التجاذبات يبقى في حيّز الوهم إلا في حالة حصول توافق دولي واضح ومؤثّر يأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب السوري المعلنة منذ بدء الحركات الاحتجاجية مروراً بتحوّلها إلى ثورة سلمية ووصولاً إلى عسكرتها وتطرّف بعض المكونات الدخيلة عليها.

  • لماذا تستبعد سيناريو التقسيم وقيام دولة علوية على الساحل السوري في ظل أنه أحد السيناريوهات المطروحة على الساحة؟

طرح هذا السيناريو بدأ به الروس مع مطلع التحركات السلمية لإخافة السوريين ولوضع الغرب أمام سيناريوهات تدميرية، ولكن السيناريو بدأ الآن في التأثير على أنماط تفكير بعض اللاعبين من غير الروس، ويعتبره كسالى الدبلوماسية الدولية بأنه حلٌ مناسب ربما في إطار افتقارهم لاجتراع الحلول أو مجرد التفكير بإيجادها.

من الناحية الفعلية، لتحقيق مثل هذا السيناريو، والذي يستبعده مبدئياً حتى النظام الذي يسعى للحفاظ على سيطرته على سوريا الكاملة، هناك حاجة إلى القيام بعمليات تطهير عرقي مروّعة كما في يوغسلافيا السابقة.

وقد جرت في السابق عمليات تطهير ولكن بمقاييس محدودة وغير كافية لتحقيق مثل هذا التصوّر، فالتداخل الديموغرافي شديد في سوريا وقد اشتد أكثر مع نزوح أكثر من 7 ملايين سوري من إثنيات وطوائف مختلفة إلى الداخل السوري بمختلف تكويناته الغالبة، وأصبح الأمر بالفعل أشد تعقيداً وأبعد احتمالاً.

  • بعد حادثة استخدام السلاح الكيماوي في « الغوطة » توقع الكثيرون أنها الجريمة التي ستطيح ببشار إلا أن الدفة انقلبت لصالحة لماذا؟

ربما يدرس أولادنا في المستقبل بأن هذه الحادثة كان مخططا لها لكي تعطي ما أعطته من نتائج، فتسليط الضوء على السلاح الكيميائي أتى أكله، ولم يعتقد أحد ممن فهموا عقلية النظام واستراتيجيات حلفاءه بأن هذه الحادثة ستؤدي حتما إلى رد فعل عسكري.

من أراد أن تكون أحلامه واقعاً، خاب ظنه وبدا أنه من الضروري أن يعيد النظر في طريقة تحليله للسياسات الدولية.

  • من وجهة نظرك متى سينتهي الصراع في سوريا وما المطلوب لذلك؟

لم يقرر الفاعلون إنهاء المسألة السورية حتى الآن، وما دامت المقتلة السورية لا تؤثّر إلا في نطاق جغرافي محدد، ففي العجلة في وقفها ندامة استراتيجية تصيب أكثر من طرف.

المطلوب لوقف هذا التلاعب الشيطاني بمصائر السوريين أن يعوا هم أولاً، بنخبهم وبعامتهم، بأن البلد قد دُمّر، وبأنه في إطار الانتظار والاعتماد على الآخر، فالموت سيستمر.

على قياداتهم السياسية الفاعلة، بعيداً عن الشخصيات الكاريكاتورية المتعلّقة بأدواتها الذاتية، أن تحيط أكثر في أمور السياسة قبل أن ترسّخ جلّ جهدها في الهروب من السياسة عبر الصدامات الجانبية.

عليها أن تستيقظ من وهمها المستند إلى حلٍ سيسقط من السماء وأن تسمي الأمور بمسمياتها وتدين كل من دمّر ويستمر في تدمير تطلعات السوريين إلى بناء دولة ديمقراطية من قوى ظلامية ومن معارضات هلامية أضاعت الجهد في مهاجمة الآخرين وبالنتيجة، أساءت لنفسها قبل أن تسيء لأحد.

  • من وجهة نظرك هل نجح الائتلاف السوري في التعبير عن الثورة وهل قادر علي ادارة المرحلة القادمة؟

لم تنجح أي هيئة سياسية في التعبير عن الثورة، وتعددت الهياكل والفشل واحد، ولكن في إطار الموجود يعتبر الائتلاف أكثرها تمثيلاً لمختلف المكونات السياسية للحراك الوطني السوري، وبُذلت جهود هائلة للطعن به لو صرف جزء يسيرٌ منها في التفكير البنّاء لما وصلنا إلى ما نحن عليه.

لكن في المقابل لم يُحقق الائتلاف الأداء السياسي المنتظر منه وكانت إدارته غير حكيمة لأمور الثورة من كافة الجوانب، وأهم ما يمكن أن ينتقد به هذا الكيان الجامع هو تردده في إدانة سارقي الثورة من مجموعات ظلامية إرهابية، وكذلك، عجزه عن إيجاد إطار سياسي فاعل للكتائب المسلحة المؤمنة بسوريا موحدة لجميع مواطنيها.

  • كيف ترى مستقبل الكتائب المسلحة في سوريا وهل تمثل بعض تلك الكتائب عبئا على الثورة؟

لن أرجع إلى أسباب التوجه العسكري للثورة السلمية، وإن اعتقد البعض بأنه فخ وقع فيه السلميون، فلا أظن بأن طبيعة النظام والمجتمع والظروف المعقدة المحيطة به كانت ستذهب في اتجاه مختلف مهما طال التمسك بالمبادئ السلمية.

تشتت العمل العسكري وبروز فصائل تخريبية وذات ميولة إجرامية تحت مسميات متعددة يعود إلى تكتيكات مدروسة وليس محط صدفة أو تطوّر غير محسوب.

وفي المحصلة، هناك قوى غريبة عن المجتمع وعن الوطن وتحارب الحرية وتقتل الإبداع والثورة، ستخرج بصعوبة طالما ظلّ الرهان الغبي من قبل البعض، دولاً وأفراد وجماعات، على دور لها في تحرير الإنسان وبناء المستقبل.

أما الغالبية، فمهما يكن، ستحتاج إلى سياسات مدروسة في عملية إعادة إدماجها إما عسكرياً إن كانت من أصولٍ عسكرية أو مدنياً وشرطياً إن كانت من أصول مدنية.

  •  ذهب الفيلسوف الفرنسي « إدغار موران » إلى أن الربيع العربي لم ينجح لغياب الروية المستقبلية للثورات، فهل ترى أن الشعب السوري يدفع فاتورة الربيع العربي؟

لست فيلسوفاً ولكنني أسمح لنفسي أولاً بالاعتقاد بأن الثورات العربية لم تفشل بعد وبأن العديد من الثورات لم تحمل في بذورها تعريفاً واضحاً لرؤاها المستقبلية سوى السعي إلى التحرر من مستعمر أو من مستبد.

واستطاعت أن تنبثق عن هذه الثورات قيادات ميدانية تحمل كاريزما مناسبة لتضع أطر واضحة للتفكير في مثل هذه الرؤى، والشعب السوري يدفع فواتير عديدة ومتراكمة منذ عقود، يعود الكثير منها إلى عملية الاستقلال وبناء الدولة الوطنية وتعاقب الانقلابات.

وأيضا، فأثر الموقع الجغرافي كان في مراحل من تاريخها ذو أثر إيجابي اقتصادياً وثقافياً ولكنه في مراحل أخرى أساء لها وأوقعها في براثن المصالح المتقاطعة او المتناقضة للقوى الاقليمية والدولية.

بنية الاستبداد التي تحرم الإنسان من حقوقه، تفسح المجال واسعاً للتدخلات الأجنبية من كل حدب وصوب، وسوريا تقبع تحت سلطة استبدادية منذ عقود، وبالتأكيد، فتراجع الزخم الثوري العربي والتخبطات التي تمر بها مصر وتونس إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني الواضح في ليبيا، كلها عوامل تؤثر سلباً على السوريين.