السر الثوري في التحيّز للنظام السوري!-مالك التريكي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 mai 2013

لنظام آل الأسد في تونس ومصر مؤيدون متحمسون يهللون لكل تقدم عسكري يحرزه ‘الجيش العربي السوري’. بل إن بعضهم يكاد لا يفعل شيئا آخر، على شبكات التواصل الاجتماعي، سوى تناقل أخبار انتصارات النظام وفظاعات ‘الإرهابيين’، إضافة إلى زف البشرى تلو البشرى بعودة روسيا لاعبا قويا على الساحة الدولية تناكف أمريكا وتحيي سياسة ‘نييت’ (لا) التي صنعت مجد أندري غروميكو طيلة عقود من عمر الاتحاد السوفييتي.
الاستنتاج المنطقي هو أن أنصار النظام السوري هؤلاء لا بد أنهم كانوا من أنصار النظامين التونسي والمصري اللذين أسقطتهما الثورة الشعبية. إلا أن الغريب أن هؤلاء قد أيدوا الثورة في تونس ومصر إبان اندلاعها، كما أنهم لا يزالون يطالبون السلطات الجديدة في تونس والقاهرة بتحقيق المطالب الشعبية وعدم التنكر لأهداف الثورة. فكيف يجتمع المتناقضان: الفرحة بسقوط نظام بن علي ونظام مبارك، مقابل الخوف على نظام الأسد والابتهاج باحتمال بقائه؟
السر في هذا الانفصام في ‘الشخصية الثورية’، إن جاز التعبير، بين مناهضة دكتاتورية عربية وتأييد دكتاتورية عربية أخرى هو سر علني مكشوف. وربما يكون هذا سبب عدم اكتراث أحد بالإشارة إليه. إنه الكراهية. السر هو في الكراهية المطلقة التي أصبحت مستفحلة في تونس ومصر بين الفريقين: فريق ‘الإسلاميين’ ومن لف لفهم، والفريق الآخر ومن نحا نحوهم. السر هو في الكراهية، ولكن الخطاب المتداول يقوم بتذويب المسألة في محلول ‘الاصطفاف’ و’ثنائية الاستقطاب’، وغيرهما من التعابير المكرسة.
ذلك أن المتحيزين للنظام السوري من التونسيين والمصريين لا ينظرون إلى الثورة الشعبية السورية (التي ليست في عرفهم سوى حرب أهلية ناجمة عن مؤامرة خارجية) إلا من زاوية وحيدة: زاوية أن هنالك ضمن الأطراف التي تعارض النظام وتقاتله جماعات أصولية متشددة. وهذا المعطى الوحيد كاف، في نظرهم، لإسقاط جميع الاعتبارات الأخرى. أي أن ركوب هذه الجماعات الأصولية (بتأخر زمني ملحوظ) موجة الثورة السورية، التي ظلت ثورة سلمية طيلة الأشهر الأولى، هو سبب موجب لتأييد نظام آل الأسد! وما هي فضيلة النظام الكبرى عند هؤلاء؟ الجواب أنه ليس نظاما أصوليا. أي أنه النقيض الشكلي لجبهة النصرة. أما ما عدا ذلك فلا قيمة له ولا اعتبار (ودعك من نكتة المقاومة والممانعة، الخ).
لو كان هذا الانفصام مقتصرا على عموم المواطنين ممن أصابهم الإحباط من عدم كفاءة حكومتي النهضة والإخوان (فصاروا يمقتون كل ما يمت إلى الحركات الدينية، السياسي منها والخوارجي، بصلة) لهان الأمر. ولكن العجيب أن من المثقفين التونسيين والمصريين أيضا من هو مؤيد للثورة في بلاده، ضنين بها على سوريا. كأن شعبه هو الوحيد القادر على خوض غمار الثورة والتصدي لما يواكبها أو يعقبها من مخاطر، بما فيها خطر الجهالة الخوارجية، أما الشعب السوري فإنه غير قادر على ذلك ولا جدير به!
إن هذا موقف متهافت لا أثر فيه للمبادىء ولا حتى الأفكار. إنه مجرد انسياق خلف الأهواء السياسية (الكراهية، التعصب، ‘عدو عدوي صديقي’، الخ). ولهذا فإن المتحيزين لنظام آل الأسد من التونسيين والمصريين هم بالضبط أولئك الذين يؤيدون عودة الجيش للحكم في الحالة المصرية وعودة حزب التجمع للحكم، متنكرا باسم ‘النداء’، في الحالة التونسية.