السوريون الجدد … فايز سارة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 juillet 2011
لا شك أن تعبير «السوريون الجدد»، يرتبط بما شهدته سورية في الأشهر الأربعة الماضية من حراك شعبي تواصل وتنامى في حجمه وانتشاره، وبما واجه هذا الحراك الشعبي من تحديات المعالجة الأمنية لتحرك في أساسه تعبير سلمي عن أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، أصابت سورية والسوريين واستفحلت، وباتت معالجتها ضرورية على أن تتم المعالجة بطريقة سياسية لا أمنية على نحو ما غلب طابع المعالجة التي تقوم بها السلطات باستخدام القوة العارية بمواجهة الحراك الشعبي

والسوريون الجدد، هم أبناء الحراك الشعبي، وغالبيتهم من الشباب، وقسم كبير منهم من المتعلمين الموزعين على سلم قاعدته الأساسية التعليم الأساسي ثم المتوسط الى التعليم العالي، وعلى رغم أن أكثرهم من الرجال، فإن قسماً مهماً منهم من النساء، ويتركز وجود هؤلاء جغرافياً بصورة أساسية في الأرياف وفي المدن المتوسطة وعلى حواف المدن الكبرى، ولهذا الانتشار الجغرافي ما يبرره. ففي غالبية هذه المناطق كان السكان مهملين أو على هامش الحياة العامة بمناحيها وأنشطتها، حيث لا أنشطة ولا مشاركة سياسية، وإن حضرت فإنها أنشطة ومشاركات للتسبيح بحمد وشكران السلطة وحزبها، في وقت لا تتوافر فيه الفرصة لأنشطة من ألوان سياسية وأيديولوجية أخرى، كما لا تتوافر الفرصة لأنشطة عامة في إطار المجتمع المحلي أو منظمات المجتمع المدني ومنها الجمعيات التي تهتم بالبيئة أو التنمية وحقوق الإنسان وغيرها

ويترافق التهميش السياسي في الحيز الجغرافي للسوريين الجدد، مع سوء في الواقع الاقتصادي، وغالبية هذه المناطق شهدت تهميشاً من خلال تدمير أو تحجيم غالبية بناها التقليدية، وهو ما ترافق مع غياب المشاريع التنموية والاستثمارات الجدية، وبالتالي عدم وجود أية مجالات عمل منظمة وحديثة، وإن توافرت فرص العمل فهي تقليدية أو خدمية وشخصية، تعيش حالات من المنافسة الحادة، بحيث يصعب عليها، أن تصير فرصة عمل توفر حياة كريمة ومناسبة للأفراد وللأسر، الأمر الذي جعل الفقر شائعاً في تلك المناطق، والبطالة صارت طارداً للشباب نحو المدن، وتحويلهم الى فئات هامشية وهشة هناك، وهو تحول اجتماعي خطير أساسه الفارق بين ما كان عليه، وما صار إليه المهاجرون باتجاه المراكز الأكثر نمواً وتحضراً

وبطبيعة الحال، فإن الوقائع السياسية والاقتصادية، التي عاشها الحيز الجغرافي للسوريين الجدد، اشتدت، وزادت قسوتها بما رافقها من وقــائع طبيــعية اجتاحت عموم سورية في السنوات العشر الأخيرة، والتي غلب عليها الجفاف وقلة الأمطار في بلد تعتمد فيه الزراعة عـــلى الأمطار، ويعيش نحو نصف السوريين على الزراعة وملحقاتها، وهذا كله لم يؤدِّ الى الفقر والبطالة والهجرة الداخلية والخارجية فحسب، بل الى أمراض وظواهر اجتماعية سلبية الطابع، فرضت مع سابقاتها تبدلاً في العادات والتقاليد وفي المفاهيم، التي تحكم سلوكيات وحياة الناس

إن تأثير الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحيز الجغرافي للسوريين الجدد، فرض ملامح خاصة لثقافة هذه المنطقة. إذ دفع بأكثرية السكان للابتعاد عن الثقافة بمعناها العميق، وهو سلوك يقارب المسار العام للثقافة الذي ترسخ في سورية في ظل نمط الاستهلاك والاستسهال الشائع والمعتمد بصورة رسمية، ما جعل الثقافة هشة وسطحية، بل إن بعض الأوساط صار يجاهر باحتقار الثقافة والمثقفين

لقد خلفت تلك البيئة بكل تردياتها حالة من رفض الواقع في أوساط بعض سكان المناطق الريفية والمدن المتوسطة وعلى حواف المدن الكبرى، وترافق رفض الواقع مع نمو في الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي، وهو ما جعل هؤلاء أقدر على القيام بالدور الذي نراه، ليس من خلال ما يقومون به في إطار الحراك الشعبي وعبر حركة التظاهر والاحتجاج وغيرهما، بل من خلال ما رفعـــوه من شعـــارات، أكـــدت ســـلمية حــركة التــظاهر والاحتجاج، وتحديدها مطالب أساسية وضرورية، جعلت النــظام يقرّ بأحقيتها وضــرورة الاســتجابة لها، وفي تركيز المــتظاهرين على وحدة السوريين من دون تمييز عــرقـي أو دينــي أو طــائفي

لقد عكست تلك الوقائع روحاً وشخصية جديدة للسوريين، تتجاوز ما هو شائع من صورة نمطية شاعت في السنوات الأخيرة للسوريين. وعلى رغم أن تلك الشخصية والروح، كانتا واضحتين في حيز جغرافي معين بين تعبيراته درعا وريفها، وفي أرياف كل من دمشق وإدلب والحسكة واللاذقية، وفي مدن حمص وحماه وإدلب، فإن ذلك لم يمنع ظهور روح السوريين الجديدة في مدن ومناطق، ما زالت خارج إطار حركة الاحتجاج الشعبي كما هو حال مدن من بينها طرطوس والرقة وحلب ودمشق بصورة جزئية، وبالتالي خارج حدود التعبير عن السوريين الجدد الذين يمكن القول، إن صورتهم فاجأت العالم من حولهم

  فايز سارة – كاتب سوري

الحياة – السبت،16 يوليو2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/288373