السوريون والتدخّل المتأخّر ونحن – سليم البيك

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 septembre 2013

ليست هي لحظة مفصلية في كيفية فهم الثورة السورية، ولا هي حالة بغاية التعقيد تضطر أحدنا للتردد في اتخاذ موقف مما حصل أو سيحصل، هذا ما أراه على الأقل وإن عمّت فوضى الآراء والمواقف في ما قرأته وشاهدته وسمعته بخصوص التهديدات بالضربة أو الضربة التي لا ندري إن كانت ستحصل فعلاً.
وبالكلام عن نفسي بالحد الأدنى الذي أستطيعه من التعقيد، أقول أيّدت الثورة السورية منذ اليوم الأول، مؤمناً بأن لدى السوريين كل الأسباب ليثوروا، كنتُ معتقداً ومنذ الأيام الأولى أن مسار الثورة يرسمه صانعوها، من تحمّلوا الاستبداد لأربعين عاماً، وتحديداً يرسمه من جرّب بعد مرحلة الاستبداد والقمع، الحربَ الوحشية التي يشنّها نظام الأسد على السوريين والفلسطينيين، هؤلاء من خرجوا إلى شوارع سورية ليصنعوا في كل بيت شهداء ويكملوا ثورتهم حاملين نعوش أحبائهم، هؤلاء فقط من يحق لهم رسم مسار ثورتهم، وهؤلاء أنفسهم خرجوا مراراً منادين بتدخّل دولي لحمايتهم، أسماء أيام الجمعة ولافتات الثورة التأريخية، إن لم تكن صرخات السوريين، تشي بذلك.
للتوضيح أقول انني أعتقد فعلاً أن الدول الرأسمالية في الغرب والشرق لا تريد من سورية غير ما ترى فيه مصلحتها، ليس هنالك ما يمكن تسميته بتدخّل إنساني، الإنساني لديهم هو ما يضمن مصلحتهم وفقط. أقول بأنها دول تسعى لتشكيل حالات جديدة من الإمبريالية، قد لا تستلزم وجوداً عسكرياً مباشراً فلا تؤلّب الرأي العام في بلدانها ضدها، نعم هذا الغرب الإمبريالي يعير (للأسف) اعتباراً لدافع الضرائب، الذي يعيش في حالة ديمقراطية (للأسف مرة أخرى) يحتاج أي نظام ‘شيوعي’ مرّ على هذا الكوكب خمسين مراجعة لممارساته وبعض أفكاره للوصول إليها. أقول بأن أمريكا لم ولن تكون حامية لأي حريات ولا أي ديمقراطيات يمكن لأيٍّ من شعوبنا العربية أن يحلم بها ويثور من أجلها.
لكن بالحديث دائماً عن الثورة السورية ومساراتها، روسيا أيضا قوة إمبريالية رأسمالية مافيوية، ولها مصالحها في سورية إن خسرتها خسرت كل ما لها في المنطقة، إيران كذلك قوة إمبريالية ثيوقراطية طائفية تسعى عبر النظام السوري وقوى طائفية، كحزب الله وبعض جماعاتها في العراق، لترسيخ نفوذها طائفياً والتسيّد على العرب. وهؤلاء هم التدخّل الخارجي الأول والأكثر فداحة ودمويّة مما يمكن أن تشهده سورية، تدخّلوا بالمال والسلاح والرجال والفيتو.
الثورة التي انطلقت مدنية، شبابية، سلمية، استمرّت كذلك لأشهر، واجهها النظام بالنار والحديد، وزادت وحشيّته تباعاً، تحمّلوا إلى أن نادوا بتدخّل خارجي، من دون أن يستمع إليهم أحد، نادوا بتدخّل عربي قبل ذلك، لكن الأنظمة العربية كذلك دكتاتوريات رأسمالية رجعيّة، تابعة اقتصادياً وسياسياً للغرب الرأسمالي عينه. للأنظمة الخليجية (وهي المؤثرة سياسياً وإعلامياً) مصالحها في إسقاط سورية كدولة مرشّحة بقوّة لقيادة المنطقة، إن نالت حريتها وديمقراطيتها، فلم تعط السوريين غير بيانات فارغة وإعلام مُفرّغ. الأنظمة العربية الأخرى مشغولة بشؤونها الداخلية ولا تملك من المال ما يؤهّلها لأن تستطلع مصالحها، مما يحصل في سورية وتدفع لذلك، أقول هذا وفي مواقف معظم الدول الخليجية بالمناسبة ما يتوافق في الظاهر فقط مع تأييدي المبدئي للثورة السورية، ولكلٍّ منطقه.
الدول الغربية الرأسمالية (أو قل الصناعية) التي تسعى لمصالحها، وأمن إسرائيل من بينها، كل ما تريده هو إنهاك الدولة السورية، أقول الدولة لا النظام، إنهاك الاقتصاد والمجتمع والعمارة والتاريخ، لا يكون ذلك إلا بإطالة زمن الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب قدر الإمكان، إطالتها إلى الحد الذي تحتاج فيه سورية عشرات السنين لاستعادة المكانة الجديرة بها كدولة حرة مستقلّة من الاحتلال الداخلي والخارجي. ودخول الجماعات الإسلامية المتطرفة المسلّحة على الخط سرّع من تحقيق رغبات الدول الغربية في تخريب البلد الذي يمكن أن يكون، بحرية شعبه، دولة تشكّل الخطر الأكبر على محمية الرأسمال العالمي غرباً وشرقاً، إسرائيل.
اليوم وبعد أن قصف نظام الأسد الشعب بالأسلحة الكيماوية، وهو ما استدعى تدخّلاً دولياً، والأهم بعد أن وصلت سورية الدولة والمجتمع إلى دمار لا يؤهلها لأن تشكّل خطراً على إسرائيل لعشرات السنين، واليوم بعد أن تفشّت الجماعات الإسلامية المتطرفة في عموم البلاد، قرّر هذا الغرب، تمكيناً لمصالحه المرتقبة في سورية بعد إسقاط النظام، أن يضرب أهدافاً عسكرية تابعة للنظام السوري تحت عنوان التدخّل الإنساني.
الشعب السوري طالب بحماية دولية منذ ما يقارب السنتين، النظام قتل إلى الآن ما يزيد عن المئة ألف، وهجّر ما يزيد عن المليون، أيّ تدخّل استطاع أن يأتي باكراً ثمّ انتظر وانتظر إلى أن يتدمّر الشعب والبلد، ليس فيه من الإنسانية من شيء، لو أنه تدخّل منذ طالبه الشعب بالتّدخل، يوم كانت الثورة سلمية وحسب، يوم كانت سورية دولة ومجتمعاً وعمارة، ما تزال سالمة، لقلنا ان فيها شيئا من الإنسانية. لو أن التدخّل كان بحظر الطيران في سماء سورية فلا يقصف السلاح الجوي للأسد المدنَ والقرى، لو كان بمنع تزويد النظام بالسلاح الروسي والإيراني، لو كان بتسليح الجيش الحر للحد من سطوة الجماعات الإسلامية وتمكينه من مواجهة جيش النظام، لكان في ذلك مساعدة إنسانية للشعب السوري، لكن متى كان ذلك متوقّعاً من دول يحكمها رأس المال وتتحرّك وفق مصالحها وحسب؟
للشعب السوري على العالم أجمع، شعوباً ودولا ومنظّمات، الحق في إنقاذه من حرب تشنّه عليه روسيا وإيران وحزب الله، والنظام السوري بكامل قواته المسلحة. للشعب السوري على العالم أجمع الحق في تخليصه من الجحيم الذي انفرد به فيه نظام بشار الأسد، والشعب السوري ذاته طالب ويطالب بتدخّل دولي يضرب مكامن القوّة في جيش النظام وحسب، ضربات جويّة لأهداف عسكريّة تخفّف ما يمكن أن يصل هذا الشعب من صواريخ النظام وبراميله، كما تُمكّن الجيش الحر من إحراز تقدّم في مسار الثورة التي أشعلها الشعب قبل عامين ونصف العام، الشعب ذاته الذي شكّل جيشه الحر وكان وما يزال حاضنة شعبية له.
لن أحكي عمّن يزاود على السوريين ويطالبهم برفض الضربات الجويّة التي لا ندري إن كانت ستحصل أم لا، هؤلاء هم إما أيّدوا النظام علناً ومن دون خجل ويستمرّون في عهر تبرير القتل الذي يرتكبه النظام والآن يخوّنون السوريين، أو أنهم لم يكونوا مبالين لما يحصل للسوريين طوال عمر الثورة، والآن استسهلوا اتخاذ موقف دوغمائي تعوزه الأخلاق ومعرفة أوّلية في السياسة، يتخذونه من دون أي اعتبار للسوريين ولتضحياتهم. لن أحكي عن هؤلاء بقدر ما حكيت وأحكي عن الشعب هناك في سورية، الثائر بقدر ما تحمل ثورته من شهداء، بقدر ما تحمل تلك البلاد على أرضها من أحياء.
لا يملك أحد أن يزاود على السوريين، إن كان لا بدّ من ذلك فليقدّم البديل، ليقل لهم: تحتاج حريتكم الى المزيد من القتلى، موتوا أكثر، إلى الجحيم أنتم وبلدكم. أي بديل يمكن لأحدنا أن يقدّمه للسوريين؟ لا أتمنى أي ضربة، لا أتمنى أي تدخّل خارجي في مؤازرة مريبة للثورة، لكن الإنهاك هو الإنهاك، نحن نتكلم عن شعب يقاوم أنظمة هي الأكثر وحشية في العالم كالإيرانية والسورية، يقاوم تنظيمات تقتل على الطائفة كحزب الله، وفي جميع هؤلاء كل الكراهية التي يمكن أن تمارسها بنادقهم وصواريخهم وسكاكينهم على رقاب وفي قلوب الناس في سورية، أي بديل يمكن لأحدنا، ونحن خارج تلك البلاد، أن يجرؤ على البوح به للقتلى وأهاليهم؟
أنا شخصياً لا أجرؤ. هم من عانوا وحشية الحرب التي يقبعون تحت سمائها، هم فقط يرسمون مسار ثورة هم أطلقوها وهم من قدّموا لها الشهيد تلو الشهيد، وقد تُركوا لوحدهم.
العالم كلّه ترك السوريين يُذبحون على مدار اليوم، على مدار الثورة، العالم كلّه لم يسمع أنينهم، وإن كان لا بدّ من تدخّل خارجي فليكن عربياً، إن لم يكن كذلك فليكن دولياً بضربات جويّة، أليس هذا ما طالبت به صرخات الشعب هناك؟ فليكن إذن. ومن كان له رأي آخر فليعش يومين ونصف اليوم مما عاشه هؤلاء لسنتين ونصف السنة، لأضع رأيه على الرأس والعين.
لكن أخيراً، وأولاً، أليس نظام بشار الأسد هو المسؤول الأساسي عن هذا التدخل الخارجي؟ ألا تشكّل الدكتاتوريات تاريخياً المبرّر الأفضل لأي تدخلات خارجية، وإن كانت ضربات سريعة؟ أليس بشار نفسه، هو الوحيد القادر الآن على منع هذا التدخل’بأن يُسقط نفسه عن رأس النظام على الأقل، ليكمل الشعب مسيرته في إسقاط النظام بأكمله، ومن دون جَميل الغرب؟