السوري أخو الفلسطيني – نادر رنتيسي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 14 septembre 2013

 هما الآن أكثر من شقيقين في « العروبة »، فقرابة « الدم الحار »، أمر شائعٌ بين أبناء الشمال والجنوب، ونسب « نابلس » إلى « الشام »، حكايةٌ قديمة، وفيها شيءٌ كثيرٌ من المجاز. السوريُّ والفلسطينيُّ يتشابهان اليومَ في مصادفات القدر، ووجهات السفر، و »المسمَّى الإنسانيِّ » في اللجوء، وأماكن الإقامة « الواقعية » و »الافتراضية »؛ لهما ملامح واحدة في صورتين متباعدتين، وإنْ أردتَ مطابقتهما، ما عليكَ سوى أنْ تضيفَ الألوانَ إلى صورةٍ بالأبيض والأسود!
الطفلُ السوريُّ الذي أنجَبَتْه أمُّه قبل يومين على حصى ملوَّنٍ، وهو صافنٌ في أمرٍ ما، سيكونُ العجوز الفلسطينيَّ الذي ولد على رمالٍ متحرِّكة قبلَ نكبةٍ، وهو الآن صافنٌ فيما سيكتبه من شعر العودة على شاهدة القبر. والعجوز السورية التي حمَلتْ إلى اللجوء لونَ الأرض في كفِّها المصابة بألمٍ ما، كانت قبل نكسةٍ فتاةً فلسطينيَّةً لم تثنها الغارة عن رسم « الخريطة » بالحنَّاء على كفَّها المصابة بسلكٍ مشوِّكٍ على « السنسلة » حاولَ استبقاءَها!
شريكان هما، في شبابهما الطويل، في الاعتقاد أنَّ بناء الدول يبدأ بإنارة « الخيام الطارئة »؛ « خيمة » تفرقُ عن « خيمةٍ »، فيصيرُ المجموعُ مخيَّم، وكلماً ترسَّخَ الاعتقادُ في ذهنيهما، وآمن فيه الجيلُ التالي بحكم الإيمان بالأغاني، تعدَّدت المخيَّمات، وأصبحَ لها أسماءٌ ليست سهلة المغزى، كالرُّموز في الشعر الحرِّ، وفي زمنٍ لاحقٍ سينشب خلافٌ وطنيٌ بين الشتات والداخل، عن « العربة » و »الحصان »، و »الدولة » و »المخيم »، وسيخرجُ شاعرٌ في منتصف الحكمة ليحسمَ الجدَلَ: « انتظرْ.. لا فرقَ بين الرَّايَتَيْن »!
نامَ أحدهما، كما سينامُ كلاهما، على الجنب الذي لا يرتاحُ إليه، بين طوبٍ متراصٍ لا يوحي بشكل البيت، ولا يعطي فكرةً واحدةً عن فكرته، وأظهرَ عبوساً زائداً أمام عدسات السائحين، الذين يُدهشهم أنَّ هناك ألماً أوجعَ من لسعة الحساء الساخن. سيزرعُ الآخر منهما النباتات الوطنية على إسفلت المخيَّم، وقد تضربُ جذورها في مدن مجاورة؛ تماماً كما حدثَ مع زرعٍ سابقٍ « ملأ الحقلَ سنابل ».
أربعونَ شبهاً بينهما، ولا اختلافَ جوهرياً، سوى في « شامةٍ » تميِّزُ أخاً عن أخيه التوأم: تذمُّر من الماء الملوَّث، وشكوى من حصة الهواء التي لا تكفي للتنفس الحر، إضافة فوائد جديدة للطعام التراثيِّ، استخدامٌ مفرطٌ لـ « كان » بمعيَّة أخواتها، تشجيعُ الأبناءِ على كتابة شعرٍ رديءٍ يُمجِّدُ المَوْتَ، إقبالٌ على تسمية الذكور بمترادفات الحروب، والإناث بأسماء المدن الضائعة أو التي تضيع، تحريمُ الغناء إذا لم يكن وطنياً أو في سبيل الوطن، ادخارُ حكايات البطولة غير الواقعية لمخرج الأفلام الوثائقية، وخيط دمعٍ يسيلُ من العين اليُمْنى لجدَّةٍ تشاهد مسلسل المساء الفلسطيني: « التغريبة السورية »!
للسوريِّ الآن « ممثلون » « شرعيون » و »وحيدون »، يتحدَّثونَ لغاتٍ عالميَّةٍ، ويعبسونَ بأداءٍ جيِّدٍ أمامَ الكاميرات، ويكتفون بتصريح مقتضبٍ، وتلويحة اعتذارٍ لصحافيين فضوليين. ينامُ السوريُّ نصفَ نومٍ على الحقائب في المطارات، ولديه ثقة زائدة في الغيب والغائبين، وطفلٌ لحوحٌ يسأل أمه إنْ كان مفتاح البيت الضائع يفتح « الفرَجْ »، ويتألمُ ألماً ضرورياً للصورة الشعرية، ويبتسمُ فقط لأنَّ شاعراً فلسطينياً قال: « على هذه الأرض ما يستحق الحياة »!
« السوريُّ أخو الفلسطينيُّ »، وأكثر ما يخشاه الأخُ مصيرَ الأخِ؛ فهو مكتوبٌ أمامه، ولا مفرَّ منه كالمرض الوراثيِّ، وبعد « عامين وجيل »، سيدركُ أنَّه أصيبَ بداء الملل، وأصبحَ كائناً مثيراً للضجر، يُردِّدُ كلاماً مملاً، محدود المفردات عن « الحق » و »العودة » و »التحرير » و »تقرير المصير »، والرغبة بحياة يملأها الملل. سيجلسُ على عتبة، في جهة من جهات الريح، يؤنِّبُ نفسه أو يعاتبُ أخاه: « لماذا تركتَ الحصانَ وحيداً »!