السياسات السورية في معالجة الفقر: الفقر لم ينخفض – د. فايز سارة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 septembre 2011

لا شك أن أحد عوامل انتشار « الربيع العربي » ابتداء من تونس وانتهاء في سورية هو العجز المركب لدى السياسات الحكومية حتى من الإبطاء من انحدار معدلات الفقر. بل إن الفقر ومتعلقاته الاجتماعية والسياسية زادت تعقيداً بسبب سوء الفساد السياسي والاقتصادي الذي وصل حداً أصبح عبئاً ثقيلاً على الدولة. من هنا يجزم التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية في سورية 2010، الذي وضعته الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة بأن الفقر في سورية لم ينخفض، وبهذا الإقرار يُقيِّم التقرير نتائج سياسات الحكومة السورية الهادفة لمعالجة الفقر، والتي يمكن القول أنها لم تُحقق أهدافها المرجوة في مكافحة الفقر والحدِّ من حضوره وآثاره في الحياة السورية

 ترتبط هذه النتيجة عموماً بنتائج السياسات التي اتبعتها الحكومة السورية في الفترة الفاصلة ما بين توجهاتها لمكافحة الفقر، التي بدأت بداية العقد الماضي، ووصولاً إلى نهايته التي تم خلالها إطلاق العديد من مشاريع وخطط مكافحة الفقر في البلاد. وهي خطط ومشاريع تواصلت من الناحية الرسمية في مستويين، الأول مشاريع ذات طبيعة عامة استهدفت الفقراء في المجتمع كله، والثانية مشاريع قطاعية استهدفت قطاعات معينة من الفقراء داخل المجتمع. إن الوصول إلى سياسة مشتركة بين المجتمع المدني والحكومة الانتقالية القادمة لا بد منه للخروج من أزمة الفقر في سورية

 أولاًالبرامج الحكومية العامة لمكافحة الفقر

كان البرنامج الوطني لمكافحة البطالة أاول وأهم المشاريع الحكومية لمكافحة الفقر في سورية خلال العقد الماضي. وقد جرى رسم ملامحه الأساسية بالقانون رقم 71 للعام 2001 الخاص بالبرنامج الوطني لمكافحة البطالة، والقاضي بإحداث الهيئة العامة للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة ومدة المشروع خمس سنوات قابلة للتجديد. وحدد القانون الأهداف العامة لبرنامج مكافحة البطالة ونشاطاته وأولها دراسة وتمويل وتنفيذ مجموعة من الأنشطة الإنتاجية والخَدَمية التي من شأنها المساهمة في توليد الدخل، وتوفير فرص عمل، وإيجاد مجالات جديدة للعمل والإنتاج وتنويع هيكل القطاع الاقتصادي والخدمي، واستيعاب قوة العمل المتوفرة والداخلة إلى سوق العمل لأول مرة. وخصصت الحكومة طبقاً للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة مبلغ خمسين مليار ليرة سورية، يتم إنفاقها خلال مدة المشروع

 ثم أطلقت الحكومة الخطة الخمسية العاشرة  2005-2010، والتي كانت بمثابة خطة شاملة، أحد أهدافها الأساسية مكافحة الفقر من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي السياق الزمني لتلك الخطة، تم إطلاق البرنامج الوطني للحد من الفقر في سورية في بدايات العام 2008، والذي تضمن تشاركاً بين وزارة الشؤون الاجتماعية والاتحاد العام لنقابات العمال واتحاد غرف الصناعة السورية لسنوات 2008-2010. وكان الهدف منه المساهمة في الحد من الفقر من خلال توفير العمل اللائق للشباب والنساء، والتركيز على أولويات تحسين قدرة الشركاء الثلاثة لتنفيذ سياسات وتشريعات العمل، وتحسين أداء إدارة سوق العمل، وتفتيش العمل واحترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، وتحسين سياسات وآليات الحوار الاجتماعي، وزيادة فرص العمل من خلال استراتيجية وطنية للتشغيل، وإصلاح خدمات التشغيل للعاطلين عن العمل وفق معايير العمل الدولية، إضافة إلى تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال تحسين قدرة الحكومة والشركاء الاجتماعيين لتطوير سياسة التأمينات الاجتماعية ونظم الإدارة وتوسيع الوصول إلى الحماية الاجتماعية لكل العمال وأسرهم بما في ذلك العاملين في القطاع غير المنظم

 وجاء في سياق السياسات الحكومة قيام الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات في سورية في العام2009 ، التي حلَّت مكان هيئة مكافحة البطالة. وقد اتُّخذت مبادرة إجرائية في سياق سعيها لمكافحة الفقر بأن وقعت اتفاقيات مع عدد من المصارف الحكومية والخاصة العاملة في سورية لتمويل مشروعات صغيرة ومتوسطة للراغبين بالاستفادة من خدمات الهيئة في إطار مساعيها إلى تشجيع وتسهيل تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة في مختلف أنحاء سورية، وتوليد فرص عمل جديدة في مناطق إقامة هذه المشاريع بعد قيام الهيئة باختيار رواد الأعمال الراغبين بالاستفادة من خدماتها وتأهيلهم، وتنظيم دورات تدريبية تتناسب مع طبيعة عملهم، وتقييم دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقدمة من قبل الرواد لإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة خاصة بهم، ومساعدة المستفيدين بتقديم ضمانة مصرفية واستكمال دراسات الجدوى الاقتصادية

 وكانت خاتمة المبادرات السورية في مكافحة الفقر في نهاية العقد الماضي الإعلان عن إحداث صندوق المعونة الاجتماعية بهدف تقديم مساعدات مالية اجتماعية للأُسَر الفقيرة في مناطق البلاد المختلفة. وقد بلغ مجموع الأموال المخصصة للصندوق مبلغ 250 مليون دولار. وقد أطلق الصندوق أول خطواته العملية في هذا المجال في شباط 2011 لتوزيع الإعانات المالية على نحو 420  الف من العائلات ذات الدخل المتدني عبر 170 مركزاً في أنحاء سورية

 ثانياًالبرامج القطاعية

وقد تناولت هذه البرامج قطاعات معينة من السكان في سورية، شاملة السوريين والفلسطينيين المقيمين فيها. كما تناولت مناطق ريفية وأُخرى في المدن، وشملت قطاعات اجتماعية مختلفة، لكنها ركَّزت على النساء والشباب والأطفال. وكان بين أول هذه البرامج مشروع تنمية المجتمع الريفي في جبل الحص، وهو مشروع تنموي بدأ في عام 2000 ولنهاية العام2007. وتشاركت فيه الحكومتان اليابانية والسورية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف محاربة الفقر وتحسين دخل الأسرة من خلال ترسيخ نظام وطني للتمويل الصغير وتفعيل مشاركة المرأة في التنمية وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً. وأعقب هذا المشروع برنامج القروض التشغيلية الصغيرة، وتم تدشين هذا البرنامج في تموز عام 2003 من جانب الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في دمشق. وجرى خلاله تقديم مبالغ نقدية صغيرة لمواطنين سوريين وفلسطينين من الساعين إلى تأسيس أعمال صغيرة، أو تنمية الأعمال القائمة بُغية تحسين ظروفهم المعشية والحد من الفقر

 وفي العام 2004 تم إاطلاق برنامج القرى الصحية من جانب وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي بالتعاون مع اليونسيف بهدف دعم مشروع بناء القدرات للمرأة الريفية في الشمال الشرقي من سورية، وذلك لدمج المرأة في التنمية والنهوض بواقع المرأة الريفية وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً وصحياً، كما يهدف المشروع إلى خلق فرص عمل للمرأة الريفية وتحسين المستوى المعيشي لها ولعائلتها وخاصة الأطفال. والمشروع جزء من مشروع وطني أكبر هو « برنامج القرى الصحية » الذي يركز على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للريف السوري. وقد تم تنفيذه في خمس محافظات هي الحسكة، والرقة، ودير الزور وحلب وإدلب، وجرى فيها تدريب نحو ألفي سيدة ريفية في العام2004. وشهد العام  2007انطلاق البرنامج الوطني‮ ‬لتمكين المرأة السورية من الفقر، وتم تخصيص مبلغ مليار ليرة سورية في إطار هذا البرنامج الذي أشرفت على تنفيذه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مستعينة بخبرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وجاءت في آخر الحملات القطاعية لمكافحة الفقر في سورية في العقد الماضي حملة الأمم المتحدة لمكافحة الجفاف للعام 2009، والتي شملت توزيع المساعدات الغذائية للعائلات المتضررة من الجفاف في مناطق شمال شرق سورية، حيث تم توزيع سلال غذائية من الحبوب والزيوت ومواد أُخرى في إطار مساعدة سكان تلك المناطق للتغلب على الظروف الناجمة عن الجفاف وخراب المحاصيل الزراعية وتدهور أعداد الثروة الحيوانية.

وكما هو واضح فإن السنوات العشر الماضية شهدت إطلاق كثير من برامج مكافحة الفقر سواء في المستوى العام أو في المستويات القطاعية. وقد توفرت لكثير من هذه المشاريع إمكانات مادية وتقنية كبيرة، كما توفرت لها قاعدة من المعلومات، كان الأهم فيها دراسة الفقر في سورية (1996-2004)، التي تم إعداها بالتعاون بين الأمم المتحدة وهيئة تخطيط الدولة وصدرت في عام 2005. يضاف إليها خصوصاً منشورات المكتب المركزي للإحصاء من جهة والتقارير السنوية والنوعية، التي أخذت تظهر في سورية من جانب أجهزة ومؤسسات الدولة ومن جانب جمعيات أهلية ومدنية

 غير أن هذه الوفرة المساعدة في محاربة الفقر، لم تجد لها تفاعلاً إيجابياً بصورة عملية من جانب الحكومة عموماً ومن جانب الرسميين السوريين المعنيين بملف الفقر، وكانت تعبيرات ذلك واضحة في ثلاثة جوانب أساسية. أول هذه الجوانب التقلبات التي تحيط بالسياسة السورية حيال موضوع الفقر والتي مَردُّها خلافات بين المؤثرين. وكان الأبرز في التعبير عن ذلك إلغاء هيئة مكافحة البطالة والاستعاضة عنها بالهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، والتي عكست تحولاً جوهرياً بانتقال معالجة الفقر من الأفقر حسب خطط هيئة مكافحة البطالة إلى الأقل فقراً ممن صاروا بين المستهدفين بنشاطات الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات

 والجانب الثاني، تمثله السياسات العملية المتناقضة مع إعلانات الحكومة في مكافحة الفقر. ذلك أنه وفي ظل الكلام عن مكافحة الفقر كانت السياسات الرسمية تغرق في سياسات نقيضة، بينها ثلاثة نقاط: أهمها زيادة الضرائب والرسوم، والتي أثقلت كاهل الفئات الوسطى والدنيا، التي ليس لديها مال يكفي لدفع المزيد من الضرائب بخلاف الفئات العليا التي لديها المال الكافي للدفع من جهة، وهي أقدر على التهرب من الضرائب والرسوم من جهة أخرى

 والنقطة الثانية في تناقض سياسات الحكومة مع مكافحة الفقر، كان اللجوء إلى رفع الدعم عن مواد وسلع رئيسية، ولا سيما الوقود، التي وإن تم دفع بدلات عنها للعاملين في الدولة، فإن آثار ارتفاعها على السلع والخدمات المختلفة، لم يكن يعوضه أي تعويض ممكن. والنقطة الثالثة كان يجسدها استمرار الحكومة في التغاضي عن الأنشطة السوداء في الاقتصاد السوري وعدم سيادة القانون على الجميع، والذي كرس طرقاً ملتوية في الكسب ومراكمة للثروات من خلال الرشاوي والفساد ونهب المال العام

لقد بدا من الطبيعي في ضوء السياسات السورية العامة، ألاَّ تحقق خطط الحكومة السورية الحالية ومشروعاتها لمكافحة الفقر النجاح المطلوب، مما يبقي هذا الهدف في مقدمة الأهداف التي ينبغي على الحكومة السورية الانتقالية الاشتغال عليها في الفترة القادمة. غير أنه وبرغم عدم تقدم الحكومة السورية على خط مكافحة الفقر، فإنه لابد من قول أن ثمار السنوات العشر الماضية بما تركته من خبرات وجهود وتحشيد اجتماعي في مواجهة الفقر، ستكون أمور مساعدة في حال وفرت الحكومة السورية إرادة سياسية، وقررت فعلاً المضي على طريق مكافحة الفقر أو التخفيف منه على الأقل.

لقراءة الملف كاملاً اضغط على الرابط التالي الفقر في سورية

١٥ آب/أغسطس ٢٠١١

المصدر:http://www.strescom.org/