الشجرة التي لا تعجبهم – ياسر عطا الله

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 janvier 2013

يتلعثم كثير من المعارضين عندما يصل الحديث إلى (المقاتلين العرب والأجانب المنخرطين في صفوف الثورة السورية)، ولا يجد هؤلاء مخرجاً من (مأزقهم) إلا بتكرار ثلاث محفوظات:

« لا معلومات مؤكدة عن وجود مثل هؤلاء المقاتلين، ولا إحصائيات دقيقة لأعدادهم، وأماكن توزعهم »؛ و »إنهم، في حال وجودهم، ليسوا جزءاً أصيلاً من الثورة السورية. إنهم طرف ثالث وبالتالي فالثورة ليست مسؤولة عن سلوكهم وتوجهاتهم وشعاراتهم »؛ و »النظام هو الذي يتحمل كامل المسؤولية عن تسرب أي مسلحين من الخارج، فضبط الحدود من صلاحياته ومسؤولياته ».

ورغم أن هذه (الدفوع) تمتلك قدراً كبيراً من الصحة، غير أن الاقتصار عليها يهدر مقاربة أخرى ربما تكون أكثر وجاهة..

قلائل (من المعارضين) هم الذين يذهبون أبعد، للقول إن وجود مقاتلين عرب وأجانب هو ظاهرة طبيعية، بل هو أمر يحسب للثورة السورية لا عليها، وإن هذه الثورة، بقضيتها العادلة وأهدافها النبيلة وبالصمود الأسطوري لصناعها، وبالبطش غير المسبوق الذي أُلحق بها.. قد صارت نقطة جذب لكثير من الأحرار وذوي الضمائر الحية في العالم.

منذ اليوم الأول للثورة، وقبل أن يوجد مسلح واحد (سوري أو غير سوري) في صفوفها، سارع النظام إلى اختراع خرافة « الآلاف المؤلفة من الإرهابيين الذين يزحفون إلى سورية من كل حدب وصوب ». وقد وجدت هذه الرواية من يتلقفها، وإن لأسباب ودوافع مختلفة، ذلك أن شخصيات وتيارات وأحزاب محسوبة على اليسار العلماني، قد ترددت في تأييد الثورة السورية، أو أيدتها لكن مع عشرات الاستدراكات، التي حولت هذا التأييد إلى ضرب من المجاز، بل جعلته إلى الخصومة أقرب.

ولأن الثورة مفردة مقدسة في أدبيات هؤلاء، فقد سعوا إلى التخلص من حرجهم هذا عبر تفريغ الثورة السورية من محتواها الثوري.. ببساطة عبر محاولة الإثبات أنها ليست ثورة، فـ « الثورة لا تُستورد، ولا تقوم على أيدي مرتزقة قادمين من الخارج ».

وإذا كان النظام، في روايته هذه، يبدو منسجماً مع نفسه (علماً أنه لا يعبأ بأي انسجام ولا يحتاجه)، فإن موقف هؤلاء ينطوي على مفارقة فاقعة:

لقد طالت مراجعات اليسار الكثير من أفكاره وأهدافه وتوجهاته.. وذكرياته كذلك، غير أن اثنتين من هذه الذكريات قد ظلتا بمنأى عن أي مراجعة، بل إنهما لا تزالان أيقونتين محصنتين: الحرب الأهلية الإسبانية، وتشي غيفارا.

في الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ 1939) تقاطر الثوار من مختلف أنحاء العالم إلى إسبانيا، لنصرة الجمهوريين في صراعهم ضد الطاغية فرانكو، وقد كان هؤلاء خليطاً متنوعاً من جنسيات وانتماءات وتيارات كثيرة: فرنسيون؛ إنكليز؛ أمريكيون شماليون؛ أمريكيون جنوبيون.. يساريون؛ ليبراليون؛ ديمقراطيون.. شعراء؛ كتاب؛ عسكريون؛ حالمون؛ مغامرون.. وقد صنع هؤلاء حدثاً ملحمياً لا يزال اليسار يمجده ويتغنى به.

وكذلك فذات يوم من خمسينيات القرن العشرين، انطلق شاب أرجنتيني على دراجته، ليجوب بلدان لاتينية (وأفريقية في وقت لاحق)، مساهماً في إشعال الانتفاضات، وتفجير الثورات، ومتوجاً واحدة منها (الثورة الكوبية) بحكم شيوعي لا يزال قائماً إلى الآن..

لا أحد من اليسار (ولا حتى اليمين) يجرؤ اليوم على وصف تشي غيفارا بأنه واحد من المرتزقة، أو إدانته لأنه اجتاز، بطريقة غير شرعية، حدود بلدان عديدة، ليحشر نفسه في شؤون داخلية لشعوب أخرى!

لنتذكر أنه عندما اشتعلت الثورة المصرية، وبعيدها الثورة الليبية، تجمع المئات من السوريين أمام سفارتي البلدين، وهتفوا لنصرة الشعبين (الشقيقين)، ولا شك أن كثيراً من هؤلاء قد حلموا بطائرة تقلهم إلى ميدان التحرير، بل وحتى إلى بنغازي..

الصورة نفسها تتكرر اليوم، وإن بشكل معكوس، فالآلاف من العرب (وما المشكلة في أن نضيف: والمسلمين؟) يشاطرون السوريين مأساتهم وأحلامهم، ورغبتهم بالإطاحة بنظام ديكتاتوري، هو جزء من منظومة أكبر، جثمت على صدور العرب طويلاً.. وربما نجح مئات من هؤلاء في الوصول إلى ميدان الثورة السورية، وربما هم يقاتلون اليوم ضد النظام، وإذا كان بعضهم جاء تحت إمرة (بعض مشتقات القاعدة)، فإن بعضهم الآخر جاء، فقط، ليقاتل نصرة لشعب مظلوم ضد حكم ظالم وفاسد..

ولكن ربما يجب أن تكون الثورة في إسبانيا حصراً، وضد فرانكو تحديداً، ويجب أن يملك الثوري، ليكون ثورياً، طاقية غيفارا ودراجته النارية!

لنلاحظ أن كل الحديث يدور حول بضع مئات من المقاتلين (أو بضعة آلاف وفق أكثر التقديرات تهويلاً) من أصل عشرات الآلاف من الثوار السوريين..

ولكن ماذا نقول لمن يصر على حجب الغابة بشجرة، بل يريد إحراق الغابة برمتها لأن شجرة واحدة فيها لا تروق له؟!

Revue Hurriya n° 19

Date : 14/01/2013

source : www.hurrriya.com