الصمت المعيب:حماس وأحداث سورية – علي صادق

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 août 2011

 

منذ يوم التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في القاهرة، حرص الفقير الى الله (كاتب هذه السطور) على أن يتجنب التعليق على تفوهات بعض الحمساويين، وحتى على بعض ممارساتهم المستفزة، حفاظاً على مُناخ المصالحة. كان الاستثناء، هو تعرضنا بالنقد لمن يحاول من الجانب الحمساوي إفساد هذا المناخ، وإعادة الأمور الى حال التراشق. غير أن الحدث السوري الفاجع، يقتضينا اليوم، توجيه النقد، لموقف حماس الانتهازي وغير الإسلامي والمتذاكي بغباء، من سفك دماء أبناء شعبنا العربي السوري (الذي لطالما ضحى من أجل فلسطين) واستباحة مدنه العتيقة الراسخة في التاريخ كأيقونات غالية، بأيدي « زعران » ومخمورين، وقتلة من جنود الأسرة الأسدية و »شبيحتها » الذين لا شرف لهم ولا دين ولا أخلاق. إن ذلك كله، ما زال يجري بطرق إجرامية بشعة، شملت البيوت والممتلكات ودور العبادة. ويبدو من خلال الصمت الحمساوي، على جرائم هؤلاء الكفرة والفجرة والنصابين، أدعياء الممانعة والمقاومة ومجابهة إسرائيل؛ أن قيادة حماس في الخارج، خالفت مشاعر الشعب الفلسطيني ومشاعر قاعدتها الشبابية والاجتماعية، ورغبت في الحفاظ على شعرة معاوية التي قطعها مع الحاكمين في دمشق، معظم أصدقائهم بل معظم الناطقين باسم فسطاط الطنين نفسه، بدءاً من عزمي بشارة وفهمي هويدي، مروراً بصديقي عبد الباري عطوان، وطلال سلمان، وصولاً الى الزعاترة المنقطع لمهمة إزاحة العقبة الاخيرة أما استعادة فلسطين ومعها الأندلس، وهي السلطة الفلسطينية. فهؤلاء الكتّاب والإعلاميون، أصحاب وجهات نظر، تحاملوا على « فتح » وعلى السلطة الفلسطينية، وعابوا عليها خطها السياسي، وظنوا أن هناك بدائل قتالية أو « جهادية » يدعمها النظام السوري ويضمن فاعليتها وانتصارها. ولكن عندما بدأت ثورة السوريين، طلباً للانعتاق والتحرر من الأصفاد، بعد طول قيود وعذاب وصبر، لم يقبل هؤلاء الكتاب والمعلقون على أنفسهم خذلان هذه الثورة. أما الذين تجاهلوا سفك دماء السوريين فإنهم المصنّفون ضمن فئة الانتهازيين الغوغائيين، عبدة الأصنام، كأمثال الفتى علوش في الأردن، الذي شكل هيئة لمقاومة ما سماه « المؤامرة على القيادة السورية » وزار مراكز النظام الغارق في دم السوريين، ثم عاد يثرثر بكلام فارغ، يضعه في موقف لا يتمناه له ألد أعدائه!

* * *

نحن لا نستهين بوزن حماس الإقليمي على الصعيد الشعبي، وننطلق من التقدير بأن مساندة حماس المعنوية للشعب السوري، من شأنها أن تساعد في استكمال مناخ الإدانة والعزل، لنظام يقترف الكبائر، لا سيما وأن من يحاولون الدفاع عن سياق الجرائم، يزعمون أن النظام السوري هو صنو « المقاومة » وأنه أبوها وأمها، ولأجل ذلك بات مستهدفاً. كأن الجماهير السورية الثائرة على الفجور والاستبداد والفساد وإدامة صمت الجبهات، هي عدوة المقاومة. لقد كان المؤمل أن تسهم حماس قبل سواها، من منطلق عقائدي وتنظيمي، ومن منطلق حسابات التساند مع الحلقات الإخوانية « الشقيقة »؛ في دحض التدليس ونُصرة قضية العدالة في سورية المختطفة. بالتالي فإن هناك بعض الأسئلة غير المُحيّرة التي نعرف إجاباتها: على ماذا يراهن الحمساويون بصمتهم على ما يجري في سورية؟ لقد فتح لهم النظام السوري مجال التواجد تحت لافتة مكاتب إعلامية، مثلما وصفوها بأنفسهم. ويمكن لمشعل ومن معه من « المجاهدين » أن ينتقلوا الى بلدان أخرى يعرفونها. فليس لحماس في سورية مراكز تجنيد وتدريب، ولا مخازن سلاح، إذ لم يغامر الحاكمون في دمشق، بأكثر من السماح بوجود مكاتب مرصودة ومعرضة لتفجيرات الموساد، أي بما يكفي لذر الرماد في العيون، ويساعد على الاحتواء بالاستفادة من « المساندة » اللفظية!

فلو كان صمت الحمساويين، يتعلق بجرائم يقترفها النظام الإيراني ضد شعبه، لفهمنا أن الصمت مبرر وأن الرهان سيكون على استمرار الدعم المالي والتدريبي واللوجستي. أما الصمت على كواسر النظام السوري الذين لا يطيقون مفردات الإسلام والمجابهة والحرية والتحرر، فلا مبرر له سوى التذاكي بغباء والانتهازية الخائبة. ونؤكد على هذا الوصف الأخير، لأن النظام الحاكم في دمشق، يعتبر الصمت الحمساوي، تخلياً عنه في اللحظات الحرجة، وبالتالي فإن له موقفه الذي سيظهر تباعاً منذ الآن، حتى وصول رؤوس النظام الى القفص بإذن الله. لقد كان للصمت الحمساوي أثره في التبدل المفاجىء، أثناء الثورة، على صعيد منهج التعاطي الرسمي السوري مع الموضوع الفلسطيني، إذ أعلنت دمشق عن الاعتراف بدولة فلسطين بعد طول نكران، وهذا يعني التصالح مع المسار السياسي، الذي احتمعوا مع حماس على مجافاته، وتكريس رمزياته الديبلوماسية، ومعهم الأتباع الصغار من الأرزقية والمرتهنين لمصالح الأمن.

معنى ذلك أن الصمت الحمساوي لن يفيد، لأن الحاكمين في دمشق، كانوا يريدون للحركة الإسلامية الفلسطينية، أن تصبح أداة يستخدمونها لمواجهة مثيلاتها وفي المقدمة منها، الحلقة الإخوانية السورية، على اعتبار أن الأولى ترمز الى المقاومة، أما الثانية فإنها ـ كما يزعمون ـ وافدة من الملاجىء المترفة في الغرب وبالتالي هي مشبوهة. ولكن عندما تتخلف حماس عن نصرة أصدقائها الأسديين، فيما هم يقصفون بالدبابات طرابيش المآذن؛ يصبح صمتها بحد ذاته، موقفاً عدائياً في تقديرات هؤلاء الأسديين. فلماذا، والحالة هذه، تتعمد حماس حرمان شعب سورية من المؤازرة الواجبة شرعاً ومنطقاً وانحيازاً للعدالة والحقيقة، ولفلسطين بالمحصلة؟!

المصدر: www.adlisadek.net

adlishaban@hotmail.com