العلويون والثورة السورية: بعيداً عن الطائفية – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 février 2012
ثمة فكرة أساسية تتكرر في أدبيات عديدة لتيارات علوية منخرطة في الجهد الوطني والثورة السورية وهي أن أحد أهم استراتيجيات النظام الاسدي في السيطرة والحفاظ على ما يوصف في تلك الادبيات بأنه « حكم المزرعة » هو تحشيد الطائفة العلوية خلف النظام وخلق تماهٍ تام بين الحكم والعلويين في سورية. وهذه بطبيعة الحال هي الاستراتيجية المركزية لنظام الاب والابن من خلفه للبقاء في الحكم، حيث تم زرع خوف مقيم في اوساط الطائفة اساسه ان النظام هو حاميهم ودرعهم الواقي امام رغبة عارمة من قبل الاغلبية لإبادتهم. اشتغل النظام على تكريس العداء بين كل مكونات الشعب السوري والعلويين للوصول إلى هذه الحالة، بحيث يضمن التفاف الطائفة حوله لحمايته ولتكون يده الضاربة في حكم الاستبداد والنهب الذي اخضع سورية له. ليس هناك اية عبقرية مميزة في مثل هذا النمط من الانحطاط السياسي، فهو ممارسة مشتهرة في طول وعرض تاريخ الطغاة الذين يبحثون حولهم عن فئة تناصرهم من منطق الخوف والرعب من الفئات الاخرى. وفي حال ساد التعايش بين مكونات المجتمع وانتفى الخوف المسبب للتحشيد المؤدي للاحتماء بالطاغية، فإن استراتيجية الطاغية هذا تركز على استزراع ذلك الخوف وبث اسبابه، بما في ذلك افتعال عمليات القتل والاغتصاب والسرقة بين الفئة المُستهدفة وبقية المجتمع. اليوم نرى تلك العمليات وهي تصل احدى ذراها البشعة في سورية، حيث يعمد النظام الى التقتيل الطائفي والاغتصاب الطائفي والترحيل الطائفي بين العلويين والسنة، مورطا الشرائح الغاضبة والمتوترة من الطرفين في ممارسات ثأرية تبدأ ولا تنته
احد اهم مهمات الثورة السورية وكل المنخرطين فيها وكل مؤيديها يتمثل في إبطال مفعول تلك الاستراتيجية اللئيمة والمنحطة التي ينتهجها النظام، ويريد بها ومن خلالها حرف مسار التغيير في سوريا. الثورة في سورية انتفاضة وطنية هدفها تغيير نظام مُستبد وفاسد بآخر وطني وتمثيلي ويعبر عن كل السوريين. نظام الاسد لا يمثل الطائفة العلوية ويجب ان لا تقع الثورة السورية ومن يؤيدها في شرك الخطاب الطائفي الذي يروجه النظام سرا في اوساط الطائفة العلوية من أنه حاميهم وممثلهم. النظام ما عاد يمثل إلا شريحة ضيقة من المنتفعين والفاسدين والتجار الذين دينهم وطائفتهم الاهم هي الفساد ومناصرة النظام واقتسام الكعكة معه. هؤلاء يأتون من كل الخلفيات والطوائف والقوميات. فيهم من السنة والمسيحيين والاكراد كما فيهم من العلويين. الفساد والاستبداد لا يحصر بطائفة أو اثنية او قومية معينة. لهذا فإن الضرورة الاجتماعية والوطنية الكبرى تتمثل الآن في محاربة كل نزعة طائفية تريد إحالة كل جرائم النظام إلى الطائفة العلوية. لا يعني هذا تبرئة جماعية لأي أحد، لكن الاهم هنا هو عدم التعسف بإطلاق تهم جماعية ضد طائفة برمتها. المتعاونون مع النظام والذين يرتكبون جرائم بحق السوريين حاليا وارتكبوها سابقا يجب ان يخضعوا لحكم القانون ووفق محاكمات عادلة تحاكمهم على جرائمهم وليس على انتمائهم لأية طائفة. وسورية ما بعد سقوط نظام « حكم المزرعة » يجب ان تقدم نموذجا جديدا يكون بعيدا، وبعيدا جدا، عن اي شبه مع النظام الاسدي إن لجهة استراتيجياته الطائفية، او سياساته الثأرية
حاليا، هناك ضرورة ملحة تستوجب تنقية كثير من الخطاب الاعلامي المرتبط بالثورة السورية او المؤيد لها، والذي يعزز البعد الطائفي للنظام ويقوم بخدمته بشكل غير مباشر. التعبيرات والخطابات والاوصاف الاعلامية من مثل « النظام العلوي في دمشق »، أو « حكم العلويين »، أو « جرائم العلويين ضد السنة »، وكل ما هو قريب من ذلك يقع في خانة الجرائم الاعلامية والسياسية. وإلى ذات الخانة تنتمي اي تعميمات عن « جرائم السنة »، و »حكم السنة القادم »، وسوى ذلك. هذه الاوصاف يجب ان تكون مرفوضة ومرذولة تماما من ناحية مبدئية صرفة، لأنها تقسم المجتمع، وتضع طوائفه ضد بعضها البعض، في حين ان المعركة الحقيقية هي معركة كل هذه الطوائف مجتمعة ضد الاستبداد وتفرد اية شريحة مهما كانت اقلية او اغلبية في التحكم في الآخرين. سورية الجديدة وبلدان عرب ما بعد الثورات يجب أن تتأسس وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي تتراجع فيها الولاءات الاثنية والطائفية إلى الخلف، ويتقدم الولاء لدولة القانون والدستور الذي يساوي بين الافراد في الحقوق والواجبات. إن استبدلنا طائفة بأخرى، حتى لو كانت اكبر منها وتمثل غالبية، فنحن لا نتقدم نحو الامام، بل نعيد اجترار الكوارث ذاتها. إضافة إلى ذلك فإن هذه الاوصاف وتكريسها واستمرار استخدامها هو بالضبط ما يريد أن يصل إليه النظام ويحافظ عليه. يريد النظام وبكل الجهد الممكن إبقاء الرعب مسيطرا على الطائفة العلوية في سورية، ولذلك فإن أي تعميم ضد الطائفة، ونسبة جرائم النظام لها، يحقق ذلك الهدف
بيد أن الايجابي في الصورة الراهنة هو ان وعي السوريين يتعمق إزاء تفادي الوقوع في شرك مخططات النظام المنهار. والشرائح والمناطق العلوية المنخرطة في الثورة ومعارضة النظام والخروج على الطاعة القسرية المفروضة عليهم هي في تزايد يوما إثر يوم، حتى في أشد معاقل النظام سيطرة وتحكما، اللاذقية وما جاورها. وما يعزز المنحى الايجابي هذا هو استمرار تأكيد قيادات الثورة على عدم طائفيتها، وعلى توفير كل التطمينات الممكنة للعلويين بأنهم كأفراد وجماعات سوف يكونون مواطنين كاملي الاهلية والمساواة مع بقية افراد وشرائح وجماعات الشعب السوري. ومرة اخرى هناك كثيرون اقترفوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة العلوية، وكثيرون ارتكبوا جرائم وينتسبون الى الطائفة السنية او غيرها، وهؤلاء جميعا يجب أن يحاسب كل منهم تبعا لما اقترفه، وليس بناء على انتسابه الطائفي. امام سورية الجديدة القادمة والسوريين تحد كبير وهائل يتمثل في بناء دولة حديثة تتجاوز القبلية والطائفية والانحطاط السياسي الذي حشر النظام الاسدي البلد فيه. وامامهم جميعا نماذج في الجوار بعضها جذاب وناجح مثل التجربة التركية، وبعضها طائفي وبشع مثل التجربة العراقية. إنها مهمة السوريين، عندما يرتقون فوق كل الاعتبارات ويكونون سوريين اولا وأخيرا

الأيام – الاثنين 20 شباط 2011

http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=185818&date