الفقر والفقراء في سوريا بالملايين – نعيم نصار

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 janvier 2013

حديث الفقر والفقراء في سوريا، حديث ينتمي للألم العام الذي جرى تعميمه منذ 42 عام. عندما تمكن حافظ الأسد من الانقلاب على رفاقه البعثيين واستلام الحكم في 16- تشرين الثاني عام 1970.  وقد وصف الكثير من الخبراء الاقتصاديين شكل الاقتصاد السوري بأنه اقتصاد التفقير الممنهج، أو اقتصاد الفقر. بينما كانت سوريا في منتصف الخمسينيات من أغنى بلدان الشرق الأوسط,  وسميت (المارد العربي).

تعريف الفقر
ذهبت الأمم المتحدة إلى تعريف الفقر في العام 1999 بالقول: أن الفقر (يتخذ أشكالً متنوعة تتضمن انعدام الدخل، والموارد الكافية لضمان مستوى معيشي لائق، ومظاهر الجوع وسوء التغذية وسوء الصحة، وعدم قدرة الأفراد في الوصول المحدود أو المعدوم إلى التعلم وغيره من الخدمات الأساسية، وانتشار الأمراض والوفيات, وانعدام المؤن والسكن غير المناسب، والعيش في بيئة غير آمنة, بالإضافة إلى انعدام المشاركة في صنع القرارات في الحياة المدنية والاجتماعية).
وفي الذاكرة الإحصائية السورية والتي تعاني من شح كبير في المعطيات بسبب سياسات التعتيم الإعلامي، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة تخطيط الدولة دراسة تحليلية شاملة عن الاقتصاد والفقر في سورية، غطّت الفترة ما بين 1996 و 2004 وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها، وهي ثمرة مجهود مشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وسوريا. وتبين أن نسبة الفقر في سورية تصل إلى 11.4 في المائة استناداً إلى خط الفقر الأدنى. وتزداد هذه النسبة لتصل إلى 30.1% من عدد السكان عندما يتم استخدام خط الفقر الأعلى حيث يمثلون 5.3ملايين شخص.

وتؤكد الدراسة على أهمية مراعاة الأثر السلبي لتفاوت الدخل، حيث أن أدنى 20 في المائة من شريحة الدخل تنفق بنسبة 7 في المائة فقط من إجمالي النفقات في سورية, بينما أعلى 20 في المائة تنفق 45 في المائة. بالمحصلة 30% من السكان فقراء، و2 مليون يعيشون تحت خط الفقر، إضافة لوجود 5،3 مليون فقير.
ورغم أهمية هذه الخلاصات  التي توصلت إليها الدراسة في أعوام سابقة, فإن نسب الفقر في سوريا أكبر من ذلك, وزادت في السنوات اللاحقة كثيراً.
مع أن سوريا من أكثر الدول العربية غنى بالموارد الطبيعية، ومرت مرحلة كان لديها إنتاج نفطي وصل إلى 660 ألف برميل يومياً، أي 141 مليون برميل سنوياً، أي بما يعادل ثلث إنتاج الكويت، وفي سوريا فوسفات بلغ انتاجه عام 2011 (355 )ألف طن. وفي سوريا غاز وملح والكثير من المعادن الأخرى.
إضافة لمواردها الطبيعية، سوريا بلد زراعي ومساحات الأراضي الزراعية البعلية والمروية، تشغل نسبة كبيرة من العمالة السورية، وفي سوريا تجارة وصناعة وآثار وسياحة, وآثار سوريا لوحدها  لو استثمرت سياحياً ربما تكون اهم من آبار النفط، وعندها عقول وطاقات وكفاءات علمية وإبداعية ومهنية. ونستطيع أن نضيف إلى كل هذه الموارد (البيئة الطبيعية) التي تجعل مناخ القطر من أفضل البيئات للعمل والإنتاج والسياحة. ورغم كل هذه الثروات، يتحدث بعض المفكرين عن فقر وصل إلى نسبةال67% لاسيما في السنتين الأخيرتين ، أي بعد انطلاق الثورة السورية في 15- آذار 2011.
بكلام آخر يمكننا القول رغم أن الثورة السورية فجّرها الذل والاستعباد العام للبشر والعباد, حتى صحّ اعتبارها ثورة كرامة، لكن الفقر كان أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تشكيل مناخ الغضب والاحتقان والإهانة ومن ثم الثورة، فنحن بلد غني وشعبه فقير.
سياسات الإفقار والتفقير
يذكر عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد) أن المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي, فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته. وكتب أيضاً الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة، وأخي الغدر وأختي المسكنة، وعمي الضر وخالي الذل وابني الفقر وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي فالمال المال المال).
وكلام الكواكبي ينطبق على السياسات الاقتصادية التي مورست على الشعب السوري طوال ال 42 سنة من حكم آل الأسد، فكان الفقر والإفقار سياسة ممنهجة، الغاية منها إبعاد المجتمع عن كل أشكال الحياة الإنسانية وإبقائه مرهوناً ومشغولاً بلقمة عيشه, ولأن الفقر فساد وإفساد, يصبح من الطبيعي غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة، وبعيداً عن الأرقام الإحصائية فإن الفقر والفقراء يمكن رؤيتهم مباشرة وبدون مناظير إحصائية، وزيارة واحدة إلى أي قرية  أو منطقة أو حتى زيارة إلى واحدة من عشوائيات دمشق التي لم يشملها القصف، كافية لمعرفة الفقر الذي ترزح تحته الناس. وحين يقول أحد المفكرين أن نسبة الفقر في سوريا قد وصلت إلى 67% فهذا يعني كارثة بالمعنى الإنساني والأخلاقي.
فهذه الأرقام والحقائق عن الفقراء كانت الخميرة والقاعدة التي ساهمت في تحريك السوريين من دائرة الصبر والصمت والخوف نحو الثورة، وبعد سياسة القتل والتدمير التي اتبعها النظام من اللحظة الأولى، تشير الكثير من التقارير إلى وجود 5 ملايين سوري نزحوا من بيوتهم هرباً من الموت, نحو مناطق سورية شبه آمنة، وهؤلاء الملايين يمكن اعتبارهم فقراء، لأن معظمهم ترك  عمله وشغله وانتقل باحثاً عن أمان نسبي, أو أقل خطراً.
ويمكن القول أن مظاهر عمالة الأطفال في سوريا من أكثر مظاهر الفقر  في سوريا  كما ذكر التقرير الوطني الأول لحالة السكان في سوريا 2008 , وفي غياب الإحصاءات لا مفر من اللجوء إلى التحليل بواسطة الملاحظة، حيث يمكن لأي  ملاحظ في سورية أن يجد هؤلاء الأطفال في ورشات القطاع غير المنظم، أو حتى في حرفه المنظمة وشبه المنظمة التي تشغل الأطفال بشكل غير نظامي بدعوى اكسابهم مهارات الحرفة.
ويخضع هؤلاء في سياق تعلمهم إلى التكليف بأعمال الخدمة وشبه السخرة كأمر « طبيعي » يعد اجتماعياً جزءاً من طبيعة تدربهم على المهنة، ويتعرضون في هذا السياق إلى العنف والتعنيف.
كما تنتشر عمالة الأطفال فيما نسمًيه « اقتصاد الظل » نراهم في الشارع والرصيف وعلى إشارات المرور وفي شتى مجالات القطاع غير المنظم. ويكتسب هؤلاء الأطفال معرفتهم بالحياة من خلال السوق المشوهة والظالمة التي تسودها أشكال العنف الاقتصادي وشروط البؤس والحرمان، وهم بذلك يتعرضون إلى السلوك المحفوف بالمخاطر، حيث ترتبط حالات جنوح الأحداث إلى حد كبير بالتسرب من التعليم وبعمالة الأطفال).
وهناك من قدر عدد  الأطفال المشتغلين بأعمال مختلفة 650ألف طفل وذلك في عام 2004 ، وزادت هذه الأرقام بالضرورة بعد سياسة القتل والتصفيات والتدمير المتبعة حتى اللحظة من قبل النظام السوري رداً على الثورة المستمرة والثوار .
ونضيف إلى النازحين في الداخل السوري المهجرين في خارج الحدود والذين توزعوا في  لبنان والأردن وتركيا والعراق ووصل الرقم أكثر من نصف مليون سوري. هؤلاء أيضاً يمكن اعتبارهم فقراء لأن بيوتهم دمرت وأموالهم وممتلكاتهم نهبت من قبل قوات النظام السوري وشبيحته.
وباختصار قامت الثورة السورية لتدافع عن قيم الحق والكرامة والعدالة الاجتماعية، ونعتقد أن قضية الفقر لن تحل نهائياً إلا بعد سقوط النظام وقيام نظام ديمقراطي  مدني تعددي، تتنافس فيه الأحزاب على خدمة الناس وحل قضاياهم المزمنة ومن أهمها الفقر.

 (الألم الناشئ عن الفقر يلوّث النفس ويقتل الروح)- أوسكار وايلد

source : http://www.hurrriya.com

جريدة حرية – العدد الثاني عشر

date : 07/01/2013