الفيتو الروسي.. حماية للقاتل أم انتصارا للمبدأ؟ – عبد الحميد صيام

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 février 2012

لماذا إستخدمت روسيا الفيتو يوم السبت الرابع من شباط (فبراير) لوأد مشروع القرار الذي تقدمت به الجامعة العربية لمجلس الأمن حول المأساة السورية؟ هذا الفيتو أتاح فرصة للصين أن تختبئ وراء الموقف الروسي وتستند إليه وتستخدم الفيتو هي الأخرى للمرة الثانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي علما أن الصين لم تستخدم الفيتو منذ دخولها مجلس الأمن عضوا دائما عام 1971 بعد طرد الصين الوطنية (تايوان) إلا سبع مرات، إلى ما قبل الأزمة السورية ليصبح العدد الآن تسعة، بينما إستخدمت الولايات المتحدة الفيتو 80 مرة معظمها لحماية جرائم إسرائيل والاتحاد السوفييتي ووريثته روسيا 127 مرة معظمها إستخدم أيام الحرب الباردة وفرنسا 31 مرة وبريطانيا 17 مرة
السيد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، تحدث عن موقف مبدئي فيه انتصار للحق والوقوف مع شرعية النظام والالتزام بالقانون الدولي كما ينص على ذلك البند 7 من الفصل الثاني من ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يجيز للأمم المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لكن وزير الخارجية الروسي والذي عمل سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة أكثر من عشر سنوات نسي أو تناسى الوثيقة الدولية التي وقعتها روسيا وسورية بالإضافة إلى 190 دولة عام 2005 وتدعى ‘مسؤولية الحماية الدولية للمدنيين’ والتي تنص على أن واجب أية حكومة حماية شعبها من المذابح وإذا ما فشلت الحكومة في القيام بهذه المهمة أو تورطت بقتل المدنيين فيصبح لزاما على المجتمع الدولي القيام بمهمة حماية المدنيين الأبرياء من هذه المجازر بعد تفويض من مجلس الأمن. ومن الواضح أن النظام السوري إستغل هذا الفيتو المزدوج لاستبدال الحل الأمني بالحل العسكري والإيغال في دم الشعب السوري، حيث إرتفعت نسبة القتل لتصل إلى أكثر من 120 يوميا

روسيا وغياب المواقف المبدئية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي

إن المراقب للمواقف الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي داخل مجلس الأمن وخارجه والمتابع لعينات التصويت في الأمم المتحدة يستنتج أن الموقف الروسي لا ينضبط لا لمبدأ ولا يحتكم لموقف ثابت بل يتقلب حسب هوى النظام ومصالحه الآنية. وقد تابعت رزمة من مواقف روسيا والتي يعرفها أي متتــــبع لتطــــورات الصراعات بعد نهاية الحرب الباردة فوجدتها متذبذبة متغيرة لا تدوم على حال، يمانع في البداية ثم يعود غالبا في آخر لحظة لينتظم مع السرب الذي تقوده الولايات المتحدة
روسيا مثلا إعترضت في البداية على كل القرارات التي فرضت عقوبات على إيران ثم تراجعت وأيدت القرارات. إعترضت على ملف السودان في مجلس الأمن وفرض عقوبات على نظام البشير وإحالة ملفه إلى المحكمة الجنائية الدولية ثم عادت وأيدت القرارات تحت حجة توفير الإجماع الدولي داخل مجلس الأمن. روسيا تصدت للشيشان بالحديد والنار والموت عندما طالبوا بحقوقهم كبقية الشعوب التي كانت منضوية تحت عباءة الإتحاد السوفييتي ثم إنفرط عقدها في نهاية 1991 وشكلت دولا مستقلة، وتم تدمير العاصمة غروزني تماما بين عامي 1994 و 1996 بينما انتصرت لحركة الانفصاليين في جمهورية جورجيا من إقليم أبخازيا وأوسيتا الجنوبية ودخلت بالدبابات لتضرب بيد من حديد قوات الدولة المركزية وتحمي بنيرانها الحركتين الانفصاليتين عام 2008. فكيف لمن يسحق الإنفصاليين في بلده ينتصر لهم في البلد المجاور؟
روسيا كانت تعتبر الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش حليفا إستراتيجيا ولكنها تخلت عنه بعد إدانته عام 1999 بارتكاب جرائم حرب في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو. ومع أول مظاهرات خرجت ضده من الشعب الصربي في انتخابات أيلول/سبتمبر 2000 تخلى عنه الجميع بمن في ذلك الروس وتم بعد ذلك إعتقاله وتسليمه لمحكمة الجنيات الدولية الخاصة بيوغسلافيا. لقد وقفت روسيا خارج الإجماع الدولي في مذابح كوسوفو عندما شنت قوات ميلوسوفيتش الصربية عام 1999 حرب إبادة وتطهيرعرقي أدت إلى تهجير كافة سكان الإقليم البالغ عددهم نحو تسعمائة ألف مواطن إلى ألبانيا والدول المجاورة وبقيت روسيا بالمرصاد لمنع المجلس أي تفويض لحماية المدنيين فاضطرت دول أوروبا والولايات المتحدة مدعومة من الدول الإسلامية وخاصة تركيا أن تتصدى لقوات ميلوسوفيتش وتهزمها وتعيد سكان البلاد إلى ديارهم. عاد مجلس الأمن وشرعن الوجود الدولي بإصدار القرار 1244 (حزيران /يونيو 1999) الذي دعا إلى عودة المهجرين وإقامة نظام حماية في كوسوفو حيث صوتت مع القرار روسيا بينما امتنعت الصين عن التصويت. وبناء على القرار المذكورإعطيت روسيا دورا في الحماية الأممية لكوسوفو والتي ظلت مستمرة إلى أن استقرت الأوضاع تماما وجرت إنتخابات حرة في الإقليم وأعلنت الأمم المتحدة عام 2007 أن الإقليم أصبح جاهزا للاستقلال. وعندما أعلن الإقليم استقلاله فعلا في آب (أغسطس) 2008 رحب المجتمع الدولي بهذا الاستقلال إلا روسيا التي حاولت وما زالت تحاول إبتزاز المجتمع الدولي في موضوع استقلال أبخازيا وأوسيتا الجنوبية في جمهورية جورجيا مقابل إستقلال كوسوفو وشتان بين الحالتين
أما موقف روسيا داخل اللجنة الرباعية التي تشرف على عملية السلام في الشرق الأوسط فهو أقرب لدور ‘شاهد ما شافش حاجـــة’. موجودة وغير موجودة دون تأثير يذكر حتى دعوتها لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في موسكو لم يأخذها أحد على مأخذ الجد بينما ظلت أمريكا تلعب الدور كله مستخدمة شماعة الأمم المتحدة وممثلها الأكثر خدمة لمصالح إسرائيل توني بلير، كي تعطي إسرائيل الفرص اللازمة لتهويد القدس وإبتلاع أراضي الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان واستكمال بناء جدار الفصل العنصري وإغلاق آخر فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
ويمكننا كذلك أن نراجع مواقف روسيا عندما قام الرئيس الأمريكي جورج بوش من خارج إطار مجلس الأمن بغزو العراق واحتلالها عام 2003. صحيح أنها وقفت إلى جانب الدول التي عارضت الحرب مثل فرنسا وألمانيا وباكستان وتشيلي والكاميرون لكنها عادت بعد الاحتلال وصوتت لصالح القرارات المتعلقة بالعراق ولم نسمع يوما أنها تجرأت وأدانت الممارسات التي أدت إلى مقتل أكثر من مليون عراقي. أما في الحالة الليبية فقد صوت المندوب الروسي لصالح القرار 1970 الذي فرض العقوبات على نظام القذافي لكنه آثر الامتناع عن التصويت على القرار 1973 الذي أعلن ليبيا منطقة حظر جوي من أجل حماية المدنيين مما أعطى فرصة للناتو ليدمر ما يشاء ويقتل من يشاء
إذن أين هي المبادئ التي يتغنى بها لافروف؟ وهل روسيا حقيقة تتصدى للهيمنة الأمريكية الأوروبية كما يدعي أنصار الدكتاتورية الكاسرة في سورية؟

الأسباب الحقيقية للموقف الروسي في حماية الطغاة

من المعروف أن روسيا فقدت هيبتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية عام 1991 وما لبثت أن تحولت في أواخر أيام ميخائيل غورباتشوف وفترة رئاسة بوريس يلتسين إلى ‘ملطشة’ للولايات المتحدة وحلفائها كالأسد الهرم الذي خسر أنيابه ومخالبه. ومنذ أن تسلم السلطة فلاديمير بوتين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات :كي جي بي، ونائبه ديمتري ميدفيدف في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999 وحتى الآن، وبعد تبادل الأدوار بينهما في فترة الرئاسة الثانية، وهما يحاولان أن يعيدا الهيبة لروسيا التي كانت مجسدة في ما مضى في الدولة العظمى الثانية في العالم حتى ولو كان ذلك على حساب دم الأبرياء في سورية. يستند الرجلان على مجموعة عوامل أهمها تورط الولايات المتحدة في حروب خاسرة في العراق وأفغانستان، وتحسن الاقتصاد الروسي بعد إرتفاع أسعار النفط بينما يعاني الاقتصاد الأمريكي من أزمة خانقة.
لقد جاء الربيع العربي مفاجأة للعالم وخاصة الولايات المتحدة وروسيا. ففي الوقت الذي تعددت فيه مواقف الولايات المتحدة من هذه الثورات بين مؤيد وصامت ومتحفظ، ظلت روسيا على الهامش غير سعيدة بهذه الثورات خاصة وأن بوادر ربيع روسي ظهرت واضحة ومرشحة للتصاعد مع إقتراب الانتخابات الرئاسية في آذار (مارس) القادم وهو ما يلقى معارضة حقيقية لدى قطاعات واسعة من الشعب الروسي لدرجة أن بوتين صرح أن ‘الانتخابات القادمة ستكون قذرة’
يريد الثنائي بوتين- ميدفيدف أن يظهرا بمظهر المتصدي للغطـــــرسة الأمريكية الأوروبية ليثيرا في نفوس الروس ذكريات القــوة والعظــــمة التي كان يمثلها يوما الاتحاد السوفييتي لتأمين بطاقة جديدة للرئاسة حيث يستمرالرجلان في لعبة تبادل الكراسي وكأن روسيا لا يوجد بها رجلان يحميان مصالحها إلا بوتين وميدفيدف
وأكاد أجزم أن هذه القيادة البراغماتية في روسيا ستعيد مراجعة حساباتها بعد الانتخابات القادمة وتتخلى عن نظام الأسد كما تخلت عن الفلسطينيين وعن ميلوسوفيتش من قبل، وكما تخلت الصين عن نظام البشير وكما تخلت الولايات المتحدة عن حليفها وشريكها حسني مبارك لأن هذه الدول التي تـتبع مصالحها تعرف أن الشعوب إذا ما قررت أن تنتفض لكراماتها وتثور لاسترداد حريتها فلا قوة في الأرض تستطيع أن تهزمها. وسيأتي يوم، ليس ببعيد، سنرى فيه روسيا تعيد حساباتها وتباعد بنفسها عن نظام آيل للسقوط بفعل ثورة شعب شجاع مصمم على إستعادة حقوقه في الحرية والكرامة رغم حجم التضحيات. وعندما ستعود روسيا وتفتح ذراعيها للثورة السورية المنتصرة سنكتشف أن الصين قد جاءت معها على متن نفس الطائرة دون إعلان

 أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

القدس العربي – 2012-02-21

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\21qpt477.htm&arc=data\201222-21\21qpt477.htm