اللعبة الأميركية الماكيافيلية في سوريا – الدكتور خطار أبو ذياب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 15 avril 2013
 
تلتهب أرض معاوية منذ اكثر من سنتين ولم يعد من مكان لخيوط الوصل. أصبح النزاع مدمراً ومتعدد الأبعاد، وكأن ماكيافيلي حل في هذه الأرض ليحرك خطوط لصراع الداخلي الحاد وينظم لعبة الأمم الإقليمية والدولية في فصل للسياسة عن القيم وفي تغليب للمصالح وموازين القوى على الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية والمعنوية إزاء ما يشبه إبادة شعب وتدمير بلد وتهديد لمحيطه القريب والبعيد.

يصعب تقديم قراءة مستندة إلى الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية لتطور الصراع في سوريا وحولها، وذلك في ظل وجود نظام فاشي بامتياز وقوى مناهضة له غرقت في متاهات الشخصنة المفرطة والتباين الإيديولوجي العقيم، ولم تنجح في بلورة مشروع وطني جامع وإبراز شخصية قيادية قادرة على رفض الوصايات وطمأنة كل المكونات وإزالة ذرائع المترددين في العالم وبعضهم من الحماة المخفيين لنظام الأسد.

والصورة الإقليمية ليست زاهية أيضاً، فبينما نرى المعسكر المؤيد للنظام بقيادة إيران متماسكاً، ويعتبر المعركة معركته بكل معنى الكلمة من دون أي اكتراث بمستقبل سوريا ووحدة شعبها، نجد المعسكر المناصر للائتلاف الوطني المعارض مشتتاً بين محورين تركي – قطري من جهة وسعودي – إماراتي – أردني من جهة أخرى، وبين هذين المعسكرين تطل « جبهة النصرة » ممثلة للجهادية العالمية في مقابل تحالف الجهاديين الآتين من ايران و العراق ولبنان وغيره لنصرة نظام الأسد.

إزاء هذا التموضع تبدو روسيا (والصين تلقائياً) في انحياز كامل لمعسكر نظام الأسد وفي تغطية لتصرفاته أعادتنا إلى تسخين شبيه بأيام الحرب الباردة. ومقابل ذلك ينكشف أسلوب « القيادة من الخلف » ونهج « الصبر الاستراتيجي » لإدارة أوباما في الاكتفاء بالتصريحات والدعم المحدود جداً للمعارضين وترك الساحة السورية ساحة استنزاف للجميع.

أما أوروبا الغائبة عن السمع فكم كان ملفتاً ومضحكاً اهتمام ألمانيا وحلف شمال الاطلسي بحماية تركيا وتحريك منصات الباتريوت نحوها دون الاهتمام بالحد الأدنى من الإغاثة الإنسانية للشعب السوري (لم يقدم العالم سوى 400 مليون دولار من تعهدات مؤتمر الكويت… ويكاد الأردن ولبنان ينفجران تحت وطأة سيل النازحين ومخاطر امتداد الحريق السوري).

أما فرنسا وبريطانيا ففي موقفهما الكثير من الأقوال والقليل من الأفعال. وربما يكون هناك عجز وتقصير وتجاهل أو تواطؤ وربما يكون للعامل الإسرائيلي دور كبير في رسم القرار الروسي والقرار الأميركي والقرارات الأوروبية.

حيال الانسداد، لم تعد المسألة مسألة إسقاط نظام بل تتصل بكل الوضع المتعفن والتفتيت مع خطر الصعود الجهادي والنزاعات الطائفية. بالطبع، الاستقالة الدولية والحرب الباردة الجديدة وضعف الزعامة الدولية والانغماس الإيراني والضعف العربي تشكل الأسباب الرئيسية لتمديد الصراع واستكمال التدمير.

لكن ذلك لا يعفي القوى السورية من مسؤولياتها في السعي إلى الإنقاذ والحفاظ على ما تمكن من مقومات الدولة، وهذا يتطلب من قوى الثورة والمعارضة الرفض الحاسم لتحريف الصراع ولكل أحادية وتطرف يمسخان الهوية الوطنية التعددية.

من خلال إطالة أمد الصراع والتدخل الدولي والإقليمي لمصلحته (الترسانة الروسية والدعم الاقتصادي والعسكري للمحور الايراني) تمكن نظام الأسد من الوصول الى السيناريو الذي رسمه في البداية عن المؤامرة الكونية والزلزال الإقليمي وما يسمى الإرهاب.

ولعل ما ساعده في ذلك ليس حلفاؤه المباشرون فحسب، بل من يصنفون انفسهم في خانة أصدقاء الشعب السوري. وأفضل دليل ما قاله حديثاً المؤرخ الأميركي دانيال بايبس: « ينبغي على القوى الغربية توجيه الصراع إلى طريق مسدود عبر مساعدة أي طرف يخسر، فخطر قوى الشر يتقلص عندما تندلع الحرب بين أطرافها ».

هكذا يكشف بايبس بصفاقة عن اللعبة الماكيافيلية التي تقضي بترك الصراع يحتدم بين أعداء أميركا. ولذا تصبح الحرب المفتوحة خياراً غير معلن لأنه على رغم الموقع الاستراتيجي الحيوي لسوريا، تبقى فكرة التدخل الأميريكي والدولي غير جذابة، وهذا ما برز حديثاً في الجدال بين السيناتور جون ماكين والسفير روبرت فورد الذي يجسد سياسة التخلي الأوبامية عن الشعب السوري تحت ألف ذريعة وذريعة.

جرى تجاوز كل الخطوط الحمر في الصراع السوري: بعد الدبابات والطائرات وصواريخ السكود، بدأ الاستخدام المقنن للأسلحة الكيميائية .. ويزداد تورط « حزب الله » وحلفاء إيران ويتعزز وجود النصرة والجهاديين… وكل ذلك لا يُحرّك العالم ليصبح من العار تحمل المزيد من إهراق الدماء والاعتماد فقط على المناورات ومهمة الإبراهيمي وأخبار التسليح.

أمام هذا المنعطف المصيري، لا بد من حلول مبتكرة مثل التدخل الأميركي – الروسي المشترك بعد قرار من مجلس الامن الدولي يفسر اتفاق جنيف ويفرض حكومة انتقالية تجرد الأسد من صلاحياته وتضع البلاد على سكة الحل السياسي المتدرج. وفي حال فشل الترتيب الأميركي – الروسي – الأوروبي، تكون واشنطن هي الدواء (وليس الداء فقط) إذا استيقظت من غفلتها وقادت تحالف راغبين شبيه بما جرى في كوسوفو لوضع حد للمأساة.

ربما في هذا الكلام أضغاث أحلام إزاء الرقصة الدموية المنفلتة من كل قيد، لكن البديل المزيد من أنهار الدماء والتفتت والاهتراء ومخاطر تبلور بنية راديكالية متشددة ستنسي الناس أفغانستان والصومال.

المصدر: http://m.aljoumhouria.com/pages/view/67013