المجلس الوطني السوري وتحدياته الملحّة – ياسين الحاج صالح

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 octobre 2011

من شأن تشكل المجلس الوطني السوري الذي أُعلن الأحد الماضي في إسطنبول أن يكون خطوة إلى أمام في مسار الثورة السورية إذا تلته خطوات أخرى مهمة.

أولاها إقامة صلات وثيقة وكثيفة مع الثورة في الداخل، بما يتيح للمجلس أن يكون على بيّنة من التطورات الميدانية والسياسية والنفسية الجارية على الأرض من جهة، وأن يكون أقدر على التأثير على سير هذه التطورات في الاتجاهات الموافقة للمصلحة العامة للثورة من جهة ثانية، وبما يتيح له كذلك تقدير أشكال الدعم اللازمة للثورة. هذا واجب أول لا يعلوه واجب. وهو يقتضي شبكة مأمونة من التواصل، المباشر والشخصي بقدر الإمكان، من دون الاكتفاء بالتواصل عبر النت. ينبغي أن تكون عين المجلس على الداخل السوري

في المقام الثاني تمس الحاجة إلى بلورة رؤية واضحة ومفصلة عن سورية الجديدة التي يتطلع إليها المجلس. تفجرت الثورة السورية من أجل الحرية والكرامة والعدل. هذا كلام يتعين أن يترجم إلى تصورات واضحة في شأن مستقبل سورية. لا بد مثلاً من بيان أسس الدولة المدنية الديموقراطية التي تكلم عليها بيان تأسيس المجلس، وكذلك المقتضيات السياسية والدستورية والقانونية والمؤسسية للمواطنة المتساوية التي أشار إليها البيان أيضاً. الثورة محتاجة إلى تنظيم فكري وقيمي لا يقل أهمية عن تنظيمها السياسي الذي يشكل المجلس، بعد تأخير مديد، تجسيداً له، ولا عن التنظيم الميداني الذي تكفل به خلال نحو سبعة شهور الناشطون الشباب وهيئات التنسيق المتنوعة

وسيكون حيوياً أن يوفر المجلس للعاملين في إطاره وللرأي العام في البلد سجلاً وافياً، غير ملزم بالضرورة لجميع قواه، من المعلومات والدراسات والتحليلات والخطط عن مختلف جوانب الحياة العامة في البلد

والمجلس مدعو لأن يكون مركز مبادرات عملية وسياسية تخاطب السوريين في الداخل والخارج، وتعمل على تنظيم قواهم وطاقاتهم بأفضل صورة ممكنة، واقتراح سبل مقاومة اجتماعية ومدنية مساندة أو مكملة أو بديلة وفق الحالات والمدن والبؤر الاحتجاجية، من الإضرابات إلى المقاطعة إلى العصيان المدني. وقد يلزم أن توجه بعض هذه المبادرات إلى قطاعات بعينها من المجتمع السوري، مدن محددة، أو قطاعات اجتماعية محددة (تجار، موظفين، طلاب جامعات، مدارس، الجيش، النساء…). ومن شأن تقدم يتحقق على هذه المستويات أن يعظِّم طاقات السوريين ويفتح لهم دروباً مقاومة فعالة قد تكون أقل كلفة لهم، وأعلى كلفة للنظام، وتحرر النقاش في شأن الثورة من التوجه المفرط نحو الخارج

من القضايا المربكة اليوم ما يتصل بالحماية الدولية للمدنيين والتدخل الدولي والحدود بينهما. وعدا أنه لا يبدو أن القوى الدولية المعنية بالأمر في وارده اليوم من قريب أو بعيد، فإن من شأن تجريب أشكال مقاومة إضافية والعمل على أقصى تفعيل لطاقات الداخل أن يتيح كسب مزيد من الوقت في مواجهة النظام. المسألة مسألة وقت وعض أصابع، وحسن سياسة المجلس الوطني السوري قد يعيد كسب الوقت إلى صف الثورة. وهذا كله لا يقتضي سحب فكرة الحماية الدولية للمدنيين. ستكون الفكرة أقوى تأثيراً إذا صدرت عن المجلس بعد استنفاد خيارات أخرى

ومن جهة نظر عملية، لا نرى صائباً أن تكون اليوم القضية الأولى للمجلس. هو محتاج إلى وقت كي يتحرك ويبادر، فلا ينبغي أن يستنفد طاقاته في قضية على هذه الدرجة من التعقيد منذ البداية. المسألة أعقد مما توحي به الانفعالات المحتدمة والتفضيلات الإيديولوجية على كل حال، ومن المهم أن يتدارسها المجلس الوطني وتكون له رؤية واضحة في شأنها

ليس من الصعب بناء ملف كامل وحَسَن التوثيق عن جرائم النظام، منذ بداية الثورة، من أجل تقديمه للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وكل الحكومات في العالم، على أن يتم تحديثه وإغناؤه بصورة مستمرة. هذا نشاط شبابي، يمكن أن يتولاه بكفاءة شبان في الداخل والخارج. من المهم في هذا السياق أن يعتمد المجلس مبدأ التخصص. فبدل أن نقوم كلنا بالشيء نفسه في كل وقت، يتعين أن نستفيد من مزايا تقسيم العمل وفق قدرات الأشخاص ومؤهلاتهم. وهو ما يفترض أن يتجسد في المكاتب المرتبطة بالمجلس، التي ينتظر منها تواصل أكثف مع الثورة واستثمار أفضل للطاقات الموجودة. ومن شأن ذلك أيضاً أن يكون تدريباً لملاكات وكوادر لإدارة الدولة بعد سقوط النظام. وكلما كانت نسبة الشباب أعلى في مكاتب المجلس، كانت أعماله أكثر فاعلية ونشاطه أكثر ديناميكية، ومثّل استثماراً مهماً للمستقبل. كانت مشكلة المعارضة التقليدية السورية أنها مكتهلة وإيقاعها بطيء جداً، وتقسيم العمل منعدم فيها بفعل الحجم الضئيل لكل من تنظيماتها

من المهم أيضاً أن تكون للمجلس أداة إعلامية موثوقة، جريدة جدية وموقع إنترنت يجري تحديثه باستمرار، وربما قناة فضائية تعمل وفق الأصول المهنية. هذا يقتضي من قوى المجلس ألا تتعامل معه كقطاع عام، تسخر أفضل جهودها ومواردها لمنظماتها الخاصة، بينما هي تسدد قسطها للعلى بأن تتمثل فيه

ويتصل بهذا وجوب الحفاظ على وحدة التوجهات العامة داخل المجلس، وتجنب التشويش الذي قد تتسبب فيه المواقف المتضاربة. الجمهور السوري اليوم شديد التنبه وواع لما يجري حوله وفي شأنه المشترك، والملايين من السوريين على بيّنة اليوم من الفوارق الدقيقة في المواقف والتعابير، وحتى النبرات، ولن «تمشي عليه» تمويهات لفظية للمواقف والتفضيلات الفعلية. وهو يراقب الجميع وجاهز لسحب الثقة من أي شخص أو تيار لا ينضبط سلوكه بمصلحة الثورة التحررية

وأخيراً التواضع في العمل والتعامل والكلام. بعض المتكلمين لديهم إجابة عن كل سؤال. هذا ليس غير ممكن فقط، وإنما هو غير لازم

في المحصلة، تشكيل المجلس الوطني السوري، السيد، بداية عمل طويل وكبير، أكثر مشقة من تشكيل المجلس ذاته

يظهر السوريون، والعرب عموماً، طاقات كبيرة كأفراد، ونسبة الأفراد الأذكياء قد تكون مميزة. لكن ذكاءنا الجمعي متواضع، وقد يكون من الأشد تواضعاً في العالم. لا يكاد يجتمع اثنان منا إلا وشيطان التنافس السلبي ثالثهما. هذه مشكلة عريقة، لا تعالج بين ليلة وضحاها. وهي إحدى ركائز الاستبداد في حياتنا السياسية والاجتماعية. لذلك سيكون امتحاناً مهماً للمجلس الوطني السوري وللمعارضة السورية أن تعمل للتغلب على هذا المرض الاجتماعي في صفوفها أولاً. نحن اليوم في ثورة، وينبغي ألا يكون تطلباً شاقاً من أحد إصلاح مألوفه الفكري والسياسي، واللغوي، إن لم يكن الثورة عليه

الحياة – الأحد، 09 أكتوبر 2011

http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/316221