المسيح السوري بين الصلب وحمل السلاح – د. دليلة أحمد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 14 décembre 2011

يقول أيرك هوفر مؤلف كتاب « المؤمن الصادق »:(عندما يكون الناس جاهزين لثورة جماعية فهم غالباً سينظمون ثورة فعّالة حتى وإن لم يكن لها برنامج واضح ومعلن). وهكذا كانت الثورة السورية حيث كان غالبية الشعب السوري جاهزا لها بحكم 40 سنة من قمع عائلة الأسد وإذلالها للناس وبحكم تأثير الثورات العربية التي سبقتها أو رافقتها وتكللت بالنجاح.

عبارة « ثورة فعالة » لاتفي الثورة السورية حقها، هي برأيي ومنذ البداية ثورة مقدسة لأنها تعيد للإنسان حريته التي هي فطرته وأصالته، وقد أطلقت هذه التسمية « مقدسة » عليها منذ الجمعة العظيمة حيث شاهدنا من عظمة شعبنا السوري بل ومن روح القداسة فيه ماجعلنا نحني هاماتنا أمام تضحياته، ولايغيب عن الذاكرة منظر والد المعتز بالله الشعار الذي استشهد في تلك الجمعة وكيف وقف محاذيا لجثمان ابنه يقص كيف منع من إسعاف ابنه وكيف ضُرب وعذِّب وكيف تم اعتقال ولدين آخرين له، وهذا أحد مواقف العظمة التي تكررت في الثورة السورية المقدسة، تلك المواقف المحفورة في ذاكرتنا إضافة إلى دماء الشهداء التي روت أرض بلدنا وتضحيات الأحرار وعذاباتهم، كل ذلك يدفع أي مخلص أن يقف ليقول الحقيقة؛ وإن لم تكن الحقيقة فلتكن تعبيرا عن المخاوف التي تشكل هاجسا لكثير من الشباب الذين يخشون على مصير الثورة أن يكون كمصير المسيح عليه السلام، حينما سلمه أحد حوارييه لأعدائه كي يصلب حسب الرواية المسيحية أو يرفع من الأرض حسب الرواية القرآنية، وليس هذا التشبيه بقصد إثارة الخلاف بين المسيحيين والمسلمين كما قد يفعل بعض ذوي القراءة السطحية أو بعض من يحب الاصطياد في المياه العكرة، بل القصد منه استحضار عظمة المعجزة السورية والخشية أن يكون مصيرها الفناء على يد المتآمرين عليها كما كان المسيح معجزة وقد خلق من رحم مريم عليها السلام بغير أب، ثم كانت نهايته الأرضية بسبب المؤامرات والخيانات
تشبه الثورة السورية المقدسة المسيح أيضا في إصرارها على السلمية حتى الستة شهور الأولى منها على الأقل، وبدأت بالتحول إلى حمل السلاح عندما تشكل الجيش السوري الحر في نهاية شهر أيلول، وبعده بحوالي أسبوعين تشكلت نواة مجلس معارض جديد أعلن في بداية تشرين الأول عنه باسم المجلس الوطني السوري، حيث انضم إليه البروفسور برهان غليون الذي كان له قبل ذلك محاولات في قطر لتشكيل مجلس لكنه فشل والسبب أنه أعلن رفضه للتدخل الأجنبي في سوريا، وأما في المجلس المسمى الوطني فقد اختلفت الرؤى وتضاربت التصريحات، وكنت قد ذكرت ذلك في 4 مقالات منها رسالة موجهة لغليون نفسه، فلست هنا في وارد إعادة ماكتبته
أو الإصرار عليه، بل على العكس أتمنى أن تكون مخاوفي مجرد فوبيا لاأساس لها من الصحة، وأن تكون الحقيقة في النصف المليء من الكأس
كنت كتبت أن الأحداث تتسارع في الفترة الأخيرة وقبل انعقاد جلسة الجامعة العربية سمعت تصريحا لوزير خارجية قطر منحني شيئا من التفاؤل بالدعم العربي ثم كان قرار تعليق مشاركة سوريا بالجامعة العربية حتى تنفذ بنود المبادرة العربية والتي فهمنا أنها تحث النظام على الحوار مع المعارضة، وإذا كانت كتلتها الكبرى موجودة في المجلس المسمى الوطني فلا موقف موحد لدى أعضائه من الحوار إذ هو لدى بعضهم مرفوض كليا ولدى بعضهم الآخر ممكن إذا تم إلغاء كل المظاهر العسكرية والأمنية بما فيها سحب الدبابات وإطلاق سراح المعتقلين
الآن هناك تحركات على المستوى السوري الداخلي وهي تأتي انطلاقا من تصريحات وليد المعلم اليوم بأن سوريا ترحب بدخول وفد من الجامعة العربية، وقد بدأت من يوم أمس فبركات طلاء المركبات العسكرية باللون الأزرق ليوحي بأنها خاصة بقوات حفظ النظام، إلى آخر ذلك من التزوير المتوقع، وقد رأينا شيئا من هذا عندما دخل وفد من الأمم المتحدة إلى درعا وحمص، وكذلك عندما سمح لوسائل إعلام معينة بالوصول إلى جسر الشغور ليريهم مقبرة جماعية كانت بيد « العصابات المسلحة ». وهنا يطل سؤال مشروع: هل سوف تقتنع الجامعة العربية بحكاية النظام وتعطيه مهلة جديدة للإصلاحات؟
وهناك أيضا تحركات على المستوى الدولي الإقليمي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية، لتكون ملاذا للجيش السوري الحر لكن هناك كذلك سوف يكون مقر للمجلس المسمى الوطني، واللافت في الأمر أن د.غليون في حواره للسفير اللبنانية تم سؤاله عن هذا الجيش وإذا كان ثمة تنسيق بينهما فكان جوابه:(لا أحد في المعارضة، لا في المجلس الوطني أو غيره، يرغب بامتلاك ذراع مسلحة. لا أحد يستطيع الإدعاء بالسيطرة على الأحداث أو قيادة هذه العناصر، وهذا ليس مشروعنا. لا ننوي إنشاء أي ذراع مسلحة، نريد فقط إقناع – قائد الجيش الحر- رياض الأسعد والجيش الحر المنتشر في المدن، بالاكتفاء بحماية التظاهرات السلمية). وهنا أيضا يقدح في الذهن سؤال مشروع آخر: هل يعني كلام د.غليون أن هؤلاء المنشقين سوف يكونون بحكم اللاجئين المدنيين في المنطقة العازلة؟ وهل سوف يقبل الجيش السوري الحر بتحجيم « عناصره » بحيث يبقى دورها مقصورا على حماية المتظاهرين؟ أم أن العمليات التي تقوم بها الكتائب المنشقة ضد الجيش الأسدي هي مايثلج صدورنا ويجعلنا متأكدين أن أرواح شهدائنا تهدأ بالثأر لها؟ في حواره أيضا ذكر غليون أنه يقول للجيش السوري الحر أن إخوانكم في الجيش لن يخذلوكم, والسؤال: ماذا عن الفرقة الرابعة التي قوامها 40 ألف عسكري والتي تأتمر بإشارة من ماهر؟ أضع في نهاية المقالة روابط حوار للعقيد عقيل الهاشم في برنامج استوديو بيروت لعله يصل إلى د.غليون ليعلم عن أي جيش يتكلم!
هناك كذلك تحرك على المستوى الدولي باتجاه إيران وسلاحها النووي، والسؤال هنا: هل استنتاج الأستاذ بسام جعارة صحيح وهو أن اسرائيل قد حركت الملف النووي الإيراني لتلفت انتباه العالم عن الثورة السورية كي تطيل في عمر النظام الذي يحمي حدودها الشمالية؟
إذا جمعنا هذه المعطيات الثلاثة معاً يمكننا أن نقول أن هناك مؤامرة على الثورة السورية المقدسة، أطرافها الجامعة العربية التي تريد أن تطيل عمر النظام حتى عام 2014 على الأقل، ويشترك في هذه المؤامرة المجلس المسمى الوطني، حتى لو لم يكن يعلم أنه طرف فيها وأنه ليس سوى مجرد أداة للتنفيذ، مادام يصر على رؤيته السلمية الوردية للثورة السورية، إضافة إلى أن تأخر العالم كله عن مناصرة الثورة السورية كما ناصر الثورات العربية الأخرى ينبع من حرص العالم المنافق على أمن اسرائيل، وأي تدخل أجنبي في سوريا سوف يذهب بالمنطقة باتجاه حرب إقليمية لأن إيران لايمكن أن تترك حليفها الاستراتيجي الأسد في مهب الريح
هذه النظرة التشاؤمية يقابلها النظرة التفاؤلية التي ترى أن تصعيد الجامعة العربية لهجتها ضد النظام وإنشاء منطقة عازلة وحتى تحريك الملف النووي الإيراني هو يصب في خانة واحدة وهي إعلان الحرب على النظام الأسدي، بحيث يتم التفاوض مع إيران قبلها على تأخير العقوبات عليها أو تخفيفها مقابل التزامها بالحياد إذا حدث أي تحرك عسكري دولي فعال في سوريا, لكن هذه النظرة يحدها سؤال هام: إذا كانت الجامعة العربية جادة في مساندة الثورة السورية فلماذا لاتذهب بالملف السوري إلى مجلس الأمن مباشرة كما دعاها إلى ذلك عضو البرلمان الكويتي مسلم البراك في حديثه لقناة العربية اليوم؟ لماذا تعطي النظام المزيد من الوقت للقتل بينما كل زعماء العالم يصرحون أنه فقد شرعيته وأنه لايمكن الوثوق به؟
أخشى مانخشاه أنه لأجل عيون اسرائيل واستقرار المنطقة أن يتم التضحية بالثورة السورية المقدسة وأن يكون المجلس المسمى الوطني هو يهوذا الثورة، الذي سوف يسلم رقبتها إلى أعدائها، حتى لو لم يكن يريد ذلك، والسبب أن هناك بعض أعضائه، وهم ممن لايمكن الشك بنواياهم المخلصة، يعتقدون أن السياسة هي فن الممكن فلما عرضوا المعضلة السورية على القوى العظمى أعادتهم إلى المربع العربي، ليس لأنها تريد غطاء عربيا للتدخل الأجنبي كما كان الوضع في ليبيا، بل لأن هذه القوى تريد رافعة عربية للنظام الأسدي، بحيث ينطبق المثل:(لايموت الديب ولايفنى الغنم)، لكن الغنم لم يعد غنما والشعوب العربية لم تعد خرفاناً كما كان لقب العرب في الغرب قبل الربيع العربي
لو لاحظتم ماقاله وائل مرزا في حواره لبرنامج في العمق اليوم: نحن نتكلم سياسة ياجماعة، ومرزا هو برأيي من أفضل رؤوس المجلس، لكن دكتوراة السياسة التي يحملها جعلته ينسى أنه إذا كانت السياسة فن الممكن فإن الثورة فن المستحيل، فأي رؤية سوف يكون لها الغلبة: ممكن المعارضة أم مستحيل الثورة؟
أما المعارضة التي ركبها النظام باسم معارضة الداخل وهي التي نعلم أنها لطالما كانت مشرذمة وممنوعة من التعبير كجسد معارض واحد، ثم منحها القدرة على التحرك داخليا وخارجيا ثم تنافست مع المجلس الوطني – وهو الذي طالما انتقدناه – على الاجتماع مع الأمين العام للجامعة العربية، فقد مثلها اليوم أفضل تمثيل ميشيل كيلو عندما وصف الثورة السورية بتمرد فئات اجتماعية على النظام، وصحيح أنه ختم: ليذهب النظام إلى الزبالة، لكنه لم يشرح لنا الكيفية التي يمكن أن نرمي فيها النظام بالزبالة
جميل أننا قرأنا عن تشكيل الجيش السوري الحر لمجلس عسكري لكن أتمنى ألا يكون حاله كحال المجلس المسمى الوطني بحيث يختلف فيه على عدد الممثلين من الداخل ومن الخارج، فالعمليات على أرض سوريا يقوم بها من في الداخل وهؤلاء لايبالون بما يحدث في الخارج فحتى تصريحات العقيد الأسعد بإيقاف العمليات لم تكن صحيحة لأن الكتائب تحارب دفاعا عن الثورة ودفاعا عن وجودها هي أيضا وقولها فعل فلم توفف عملياتها ولله الحمد؛ والخلاصة أن الحل الوحيد أمام الثورة السورية المقدسة أن تمضي في طريقها وأن يتحول خطها إلى الالتقاء مع الكتائب الحرة بحيث ينضم القادرون على حمل السلاح إليه، مع الاستمرار بالمطالبة بالحماية الدولية والحظر الجوي، فإن تحقق هذا المطلب فنِعم وبها، وإلا فالأحرار قد قالوها: الموت ولاالمذلة، والأيام القادمة حبلى وسوف يتوضح لنا قريبا مصير المسيح السوري: هل يسلم نفسه لأعدائه ليصلبوه أم يتجه نحو حمل السلاح وإعلان الكفاح؟

بقلم د. دليلة أحمد – 12/13/2011

http://www.syrianreality.com/content/142?utm_source=Syrian_Reality&utm_campaign=ceb7284320-Newsletter13_12_212_13_2011&utm_medium=email