اليسار واليسار « الممانع ».. من مهدي عامل إلى المهدي المنتظر – عزام محمد أمين

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 mars 2014

من وجهة نظر سياسية وفلسفية يعتبر اليسارُ الاشتراكيةَ حلٍّ للكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي نراها في المجتمعات الرأسمالية . آمن بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات كسبيل وحيد للنهوض الحضاري لأي مجتمع. لقد اعتبر نفسه في صف الفقراء ومن أجل الفقراء واتخذ موقفاً معادياً من الرأسمالية وأرباب العمل. تبنى اليسار الماركسي السوري واللبناني بشكل كامل هذه المبادئ الأساسية وذهب قسم كبير منه إلى التشكيك في وطنية البرجوازيات العربية واتّهمها بالعمل لمصالحها الاقتصادية الخاصة.

على مدى عشرات السنوات تغنّى هذا اليسار الماركسي بالثورة والحرية وحرّض الشعب على النضال من أجل رفض الاستبداد والقمع والفقر. وذات يوم ربيعي من أيام آذار عام 2011 وعندما قرر الشعب السوري المسحوق بأغلبيته (والذي أوجدت الماركسية لأجله) الانتفاض، التحق به بعض اليساريين وناضلوا معه وانخرطوا في صفوف الثورة، ولكن وفي الوقت نفسه، انتفض قسم آخر من اليساريين ليقف إلى جانب السُلطة التي تقتل وتنتهك وتدمر وتنهب منذ 40 عاماً! تارةً بحجة أن السوريين خرجوا من الجوامع وأن هذه ليست ثورة وإنما مجرد مؤامرة تُحيكها أيادٍ خارجية ضد نظام المقاومة والممانعة في دمشق، وتارةً بحجة أنها ثورة أرياف لا تشارك فيها القوى المدنية والفكرية المتمثلة بأبناء المدن، كما يقول الشاعر أدونيس وإن كان لا ينتمي إلى اليسار!

لا أحد يعرف لماذا خرج السوريون في ثورتهم من الجوامع ولم يخرجوا من عشرات الآلاف من المؤسسات الأكاديمية والمسارح ودور الأوبرا والسينما والمكتبات التي بناها نظام الأسد في كل زاوية وشارع من سوريا!؟ وهل إذا كان الفقر والاستبداد هما جزء من الممانعة أم لا؟! وهل مئات الآلاف من أبناء حماه ودير الزور وحمص ودرعا والميدان وبرزة والقابون ودوما هم أبناء مدن أم لا؟! ولا أحد يعرف إذا كان صادق جلال العظم وزكريا تامر والطيّب تيزيني وعلي وطفة ورشا عمران وسمر يزبك وبرهان غليون وعارف دليلة وسلامة كيلة وميشيل كيلو وأكرم البني وإسلام ابو شكير وجلال نوفل ومصطفى خليفة وغيرهم الكثير من المفكرين والصحفيين والكتاب السوريين يشكلون قوىً فكريةً بالنسبة لشاعرنا الكبير و المبدع أم لا؟! من المؤكد أن الرفاق من اليسار الممانع لم يحترموا ما تبقى من كرامتهم ولم يذهبوا إلى حيث أراد لهم كارل ماركس أن يذهبوا.
لماذا لا يحترم هؤلاء ما تبقى من حبر منظّريهم الذين فاقت دماء شهدائنا كل ما كتبوه في كتبهم؟ هل خافوا من حجم الفوضى والدمار والدماء التي سالت؟ أم أنها بقايا طائفية لاشعورية وطبقية مازالت مختبئة في أعماقهم؟

لعلهم لم يقرؤوا ماوتسي تونج عندما قال أنّ « الثورة ليست حفل عشاء أو كتابة مقال ولا رسم لوحة أو عمل تطريز » أم أنهم يريدونها ثورة اشتراكية؟ ألم تقل روزا لوكسمبورع أن « الاشتراكية مرهونة بالتغيير والديمقراطية »؟ فاماذا لا يشاركون بالتغير من أجل الديمقراطية ؟! وإن لم يقتنعوا أنها ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة وأنها مجرد تغيير للواقع، أليس التغيير هو ما يمهد للثورة على أرض الواقع وليس العكس؟ أوليس الحزب الثوري هو نتاج صراع الطبقات بل وصراع الطبقة العاملة مع ذاتها، وبالتالي قد يولد، في بعض الظروف، من نشاط « البروليتاريا » وليس العكس؟ ألم يقل لينين « إن من يتوقع رؤية ثورة اجتماعية « نقيّة » لن يعيش مطلقاً حتى يراها، مِثل ذلك الشخص، يتحدث بلا انقطاع عن الثورة، دون أن يفهم ما معنى الثورة »؟. ألم يقرأ هؤلاء الذين يتهمون الثورة بالفوضى لمهدي عامل عندما قال « كيف تكون الثورة نظيفة وهي التي تخرج من أحشاء الحاضر متسخة به، وتهدمه وتغتسل بوعد أنّ الانسان جميلٌ حر » ؟!

لقد شكّلت ثورة الشعب السوري، مثل غيرها من الثورات في تاريخ الأمم، محكاً حقيقياً معاصراً للفرز الثقافي والكشف عن تجليات الهوية الثقافية للمفكرين والكتاب والصحفيين والشعراء واليساريين الذين اتخذوا مواقف متباينة تأرجحت بين حدي الانتصار للثورة أو انتصاراً للاستبداد السياسي، وقد علّمنا التاريخ أن الثقافة الحقيقية واليسار الحقيقي لا يمكن أن يكونا مضادين للثورة أو للحرية. لقد اغتال رفاق الأمس من اليسار الممانع « مهدي عامل » واستحضروا بدلاً منه « المهدي المنتظر » من أعماق ذاكرتهم الجمعية.

إن هذه الثورة بنكهتها الإيمانية المسلمة[2] (والغير الايديولوجية) وبكل أخطائها وتعثّرها وشعاراتها « الله أكبر » و « يا لله مالنا غيرك يا الله » هي من أعظم الثورات على الاستبداد وتستحق بجدارة لقب « ثورة الكرامة والحرية ».
ـــــــــــــــ
[1] العنوان مقتبس وبتصرف من عبدالله أمين الحلاق.
[2] من مقال للأستاذ علي وطفة.