انفصام! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 décembre 2016

ربما تختزل اللوحة التي أظهرتها الصور، بعد سيطرة تنظيم « داعش » على تدمر، المفارقات السورية المركّبة؛ إذ كُتبت على اللوحة اتجاهات الطرق بأربع لغات رئيسة؛
الفارسية والعربية والروسية والإنجليزية. وفي المساجد، عرض عناصر « داعش » صوراً لأعلام ذات رمزية شيعية، وكُتباً في السياق نفسه.
لا تختلف الحال في المفاوضات التي جرت لاتفاق الهدنة في حلب عن دلالات ما سبق. فمن توصل إلى الاتفاق، مبدئياً، هم الروس والأتراك، ومن عرقل تطبيق الاتفاق هم الإيرانيون وحزب الله، إلى أنّ تمّ ضم موضوع إخلاء جرحى (القريتين الشيعيتين) الفوعا وكفريا إلى بنوده؛ أي إنّ من يقرّر عملياً هم الروس والإيرانيون والأتراك.
أمّا الزعيم المنتصر، بشار الأسد، فخارج دائرة القرار، كذلك الدول العربية التي أعلنت سعيها إلى إسقاطه، ثم تركت المشهد للآخرين!
بعد ذلك أتمنّى أن أفهم، فعلاً، لأيّ سبب يحتفل الرفاق اليساريون الأردنيون والقوميون العرب وأنصار الأسد بقتل الناس وسحلهم وحرقهم أحياء في الشوارع؟!
هل كل هؤلاء دواعش وظلاميون؟!
عشرة ملايين سوري هُجّروا ونزحوا، وقرابة 500 ألف قتلوا، وعشرات الآلاف في السجون (في مصير مجهول)، وقرابة مليون مصاب؛ أي إنّ أغلبية الشعب السوري منكوبة اليوم، فهل كل هؤلاء إرهابيون وداعشيون وظلاميون؟!
وعلى جدل أنّ الطرف المعارض ظلاميٌّ وإرهابيٌّ (وبالطبع هناك فصائل متطرفة وتمثّل اتجاهاً فاشياً دينياً وسياسياً)، فهل الطرف الآخر، الفصائل الشيعية التي جاءت تقاتل إلى جوار النظام السوري والعراقي، هي طرف مدني ديمقراطي تعددي؟!
وإذا كان تنظيم « داعش » يتشكّل من جنسيات مختلفة، فإنّ الباحث البريطاني تشارلز ليستر (من مركز بروكينغز في الدوحة) توصل إلى تحديد 66 ميليشا تقاتل إلى جانب النظام السوري، على أساس طائفي، أعضاؤها من 44 دولة، نسبة ضئيلة فقط منهم من السوريين.
هل القصة أنّ « داعش » متطرف دينياً، وقد أعلن الخلافة؟ إنّ إحدى أبرز نقاط السجال بين مليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية كانت بشأن الرايات والرموز المستخدمة في الحرب على التنظيم؛ وما نراه من صور من سورية والعراق لتلك الحشود أو خسائرها يُظهر بوضوح الحضور المكثف للرمزية الدينية الشيعية فيها!
لا، الموضوع بعيد تماماً عن كل ذلك! فانتصار الأسد هو تثبيت لأركان الدولة الوطنية السورية، ومهما كان الأمر فإنّ الجيش العربي السوري سيبقى عربياً في مواجهة إسرائيل والإمبريالية الأميركية والغربية، بدلاً من تلك العصابات التي صنعتها أميركا في أفغانستان؟
ياه! فمن يقاتل في العراق؛ أليست الطائرات الأميركية هي التي تعطي الأفضلية للمليشيات المؤيدة لإيران هناك، فمن يتعاون مع الإمبريالية؟! ومن يعقد اتفاقيات مع إسرائيل في سورية، أليست روسيا، وبتنسيق دولي لضمان عدم التعارض في الأهداف بين هذه الأطراف؟!
وساطات دولية وتفاهمات روسية- تركية فقط لإجلاء مصابين سوريين في كفريا والفوعا مقابل إجلاء المدنيين المحاصرين في حلب، أيّ إنّ كلا الطرفين المسحوقين المحاصرين المدمّرين سوريّان!
القضية ليست كل ما سبق، فقط هي حماية « الثقافة العلمانية » من الوحشية الأصولية، حتى لو بقيت سورية تحت رحمة الاستبداد والوصاية الدولية، فالفاشية الأولى أرحم بكثير من الفاشية الثانية؟
قد تكون هذه الجملة الأكثر منطقية، وبعداً عن الانفصام والشيزوفرينيا الثقافية العربية. لكن من قال إنّ ثقافة السوريين لن تتغير، أو لم تتغير؟ وأين هم السوريون، إذا كان نصف الشعب اليوم مشرّدا، والنصف الآخر مرعوبا؟!
أعود بالسؤال إلى أولئك الساخرين الفرحين بالانتصار، من رفاقنا اليساريين: هل كان هذا هو السيناريو الأفضل لسورية؛ بقاء الأسد وإحراق البلد؟ ألم يكن أمامه خيارات أخرى أفضل لسورية وللسوريين وتمثل حقّاً انتصاراً إنسانياً وحضارياً وأخلاقياً؟!