بالروح بالدم نفديك يا بوتين – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 15 juin 2012

بالروح بالدم نفديك يا بوتين – عيسى الشعيبي 

كلما استعصى عليّ تقبل الموقف الروسي إزاء الثورة السورية، ورغبت في التعليق على أخطائه الفادحة، حتى لا أقول خطاياه البالغة، ساورتني الرغبة في غض البصر والتعلل بالأمنيات العصية، واستبد بي الحذر من مغبّة الانخراط في جوقة المنشدين تاريخيا ضد موسكو، حتى بعد أن كفت هذه عن تعريف نفسها كعاصمة سوفيتية مثيرة للخيالات الثورية؛ كملاذ قاعدي أول لحركات التحرر الوطني العالمية وصديق عتيد للشعوب العربية.
وهكذا، فقد أكرهت نفسي قبل عدة أشهر على تناول تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي بدا كعضو من الحرس القديم في القيادة القطرية للحزب الحاكم في قلب العروبة النابض؛ إذ أعربت حينها عن مشاعر خيبة الأمل ليس إلا، وعالجت مظاهر الانحياز الروسي لصف قاتل الأطفال في دمشق، بإبداء الأسف وعدم التفهّم، فضلا عن الأمل في مراجعة الموقف الصادم للمشاعر العربية.
غير أنه مع مرور الوقت، وتدفق المزيد من الدم، ووقوع الكثير من المذابح، خصوصا ضد الأطفال، بدت موسكو أكثر انجرافاً في سياساتها السورية العمياء، وأشد تماهياً مع رواية نظام العائلة المافياوية حول نظرية المؤامرة الخارجية، إلى الحد الذي بدا فيه لافروف وكأنه وزير خارجية الأسد، لاسيما بعد أن أحكم الحصار السياسي، العربي والدولي، على دمشق، وانزوى وليد المعلم في محبسه الدبلوماسي، صائماً عن الكلام المباح حتى قبل صياح الديك.
ومع الاعتراف بحقيقة أن لروسيا مصالح قليلة متبقية لها من العهد السوفيتي في العالم العربي، وموانئ (وليس قواعد) في المياه الدافئة لم يتبق منها سوى مرفأ طرطوس، ينبغي التمسك به والتحسب جيداً من عقابيل فقده، إلا أن تعاطي موسكو مع تطورات أزمة تحولت إلى تمرد شامل، بدا كسلسلة من الأخطاء المميتة، أساسها التماثل الشديد مع النظام الفاقد لشرعيته، سواء أكان ذلك التماثل في إنكار الواقع، أو كان في تسويغ هذه المقتلة الكبرى كعملية دفاع مشروع عن النفس ضد العصابات الإجرامية وجماعة « القاعدة ». ولعل التطور الأخير من لعبة الروليت السياسية الروسية، وفق ما تجلّت عنه الدعوة الأخيرة لعقد مؤتمر دولي في موسكو يضم خمس عشرة دولة من بينها إيران، هو أكثر الشواهد على الخطيئة الروسية الكاملة، ليس بحق دماء السوريين المسفوحة مع طلوع كل شمس، وإنما كذلك بحق مركز موسكو الشرق أوسطي، وبصورتها التي ازدادت تهشما في المرآة العربية، وهي تحاول بيأس ظاهر وضع حجر أساس لمكانتها الدولية في المنطقة فوق نقيع الدماء السورية.
ليس من شك في أن موسكو التي أحرق السوريون أعلامها في مظاهراتهم المتواصلة، واعتبرها الكثير منهم جزءاً من المشكلة، لن تنجح في عقد مؤتمرها الدولي هذا بعد أن دسّت فيه اللغم الايراني علناً، وقامرت بقدرتها على الاستمرار في لعب دورها المناكف، كقوة سلبية معطلة لقرارات مجلس الأمن الدولي، تماما على نحو ما أخفقت فيه سابقاً باستضافة المعارضة السورية، عدا تلك الفئة التي  يبدو بعضها كمعارضة ضد المعارضة وتلك المختلفة بقرار جمهوري.
وهكذا، تبدو روسيا اليوم وهي تخوض معركة خاسرة لنظام تحول إلى عبء سياسي وأخلاقي، ألقته بنفسها على نفسها بهدف تحسين قدراتها على المساومة الدبلوماسية الكبرى مع الولايات المتحدة حول مسائل أكثر أهمية لها، تكرراليوم مرة أخرى وقوفها على الجانب الخطأ من التاريخ، وتدوّن في سجل قيادتها الماهرة في لعبة تبادل الكراسي الموسيقية، سمات دولة من دول العالم الثالث الاستبدادية، لا ينقصها سوى خروج الملايين الهاتفة، كما في دمشق اليوم وفي طرابلس بالأمس، صادحة بملء حناجرها: بالروح بالدم نفديك يا بوتين!

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/29766/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85-%D9%86%D9%81%D8%AF%D9%8A%D9%83-%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86.html