بشار العيسى – سكرة الكلاشنكوف، وصحوة الحرية

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 juin 2011

خاص لسوريا حرية
بشار العيسى

مثل عواء الذئاب، مثل نعيق البوم، مثل صيحات الجاهلية، مثل صخب القطيع المهتاج ، مثل جنون العظمة، تنطلق رشقات البندقية الروسية الكلاشن بالتعبير العصاباتي . ليست الطلقة هي التي تخرج من فوهة البندقية بل سكرة الموت ، لا تنطلق الرصاصة باتجاه الخصم بل تعود لصدر صاحبها ترمي فيها غلاّ وحقدًا، تعود الرصاصة من الفوهة مباشرة الى صدر صاحبها المنتشي بلعلعة الانفجار حاملة الى صدره قيحا وعداوة وتسلطا تحوله من ضحية الى قاتل، من ثائر الى عصاباتي من طالب للحرية الى مغتصب لها، من ابن الشعب الى مكره للشعب من صوت صادح الى صرخة ميكانيكية من مناضل جريح الى طاغية صغير؟
انها سكرة السلاح في غير مكانه، لقد نظمت المدنية بالعقل والحكمة مجتمعاتها في اطر مؤسساتية تقوم على الاحتراف والمهنية. في اقدم المجتمعات الانسانية بدائية تنظمت الجماعة في اطر متخصصة للنفع العام، انتشرت مجاميع المحاربين القائمة على الغزو في المجتمعات غير المستقرة ، المجتمعات التي لم تتأنسن كفاية، فكانت تغزو لتنهب وتعود الى براريها او الصحارى او الجبال المنيعة، تقيم بنياتها الاقرب الى خلايا حيوانية. اما في المجتمعات التي قطعت شوطا في المدنية فأنها تستقر في جغرافية محددة تستوعب قدراتها وطاقاتها في ادارة شؤون الجماعة من زراعة وعمران ورعي وبالتالي تصبح حدود الجغرافيا هذه حدود امنية حياتية توجب الحماية والدفاع عنها لاستمرار الجماعة في البقاء واستيعاب الجديد من الاجيال، وحين تزداد اعدادها تعمل الجماعة فكرها لزيادة الانتاج بتطوير وسائل الانتاج ولا تلجأ الا الهمجية منها الى توسيع حدود مراعيها او الاستيلاء على الجوار.
لقد استقام امن الجماعة الانسانية على الدفاع الذاتي اكثر بكثير من لوثة الغزو والاستيلاء فكان ان تحولت جماعة المحاربين الى مؤسسة دفاع تحمي الحدود ضد غزو الهمجيات العابرة، كما تكفلت نظم الخبراء ومعارفهم في صياغة حدود للعلاقات العامة بين الجماعة وكيانها وبين افراد الجماعة، اقامت لهذا الامر مجالس ومفاهيم ومأثور الكلام ومؤسسات ضبط وتسيير لأمور الناس في تكامل المصلحة العامة وحرية الافراد، ومن هذه الدائرة تناسلت النظم والقوانين في مجتمعات المدن .
مع ظاهرة الاستعمار ونشوؤه وتطوره، وحركات الشعوب في التحرر والصراعات الدولية على الاسواق والمخزونات الاستراتيجية، والايدي العاملة الرخيصة حدثت فورة جديدة للهمجية تبدى في توسع لاستخدام السلاح لغير حاجات الدفاع والامن والحماية، ومع اشتداد التنافس غدا السلاح بحد ذاته مادة تجارية يستوجب الترويج لأسواقه فتح ساحات صراع وحروب .
تتلاقى دائما مصالح التجارة الاستثنائية مع مصالح المغامرين والمهربين والخارجين على القانون، وغدت الرابطة غير المقدسة بين تجار الاسلحة والحكام الطغاة المستولين على السلطة في اكثر بلدان العالم تخلفا وهمجية ادارية فاسدة، حاجة تعمل على خلق بؤر توتر دائم لها تخضع المجتمعات وتنهك القوى في ملهاة صراعات عبثية تعود عليهم بفوائد كبيرة استثنائية.
تنعدم بين هؤلاء الثقافة الانسانية القائمة على الخير العام والاستقرار والتنمية والادارات الصالحة، وحين تتعرض مصالحهم لخطر ما تراهم يفحشون في المواجهة بالقتل والترويع والاغتصاب لإعادة الحركة المجتمعية الى ظلام السجون والى القيود الثقيلة، تثير في سبيل ذلك الفتن والرشوة والرعب لقطع الطريق على المدنية والتطور.
كما لا تختلف صيحات الذئاب وتكشيرة الضباع مهما تنوعت جغرافية المكان، تظهر الوحدة السلوكية بين الطغاة الاستثنائيين بحكم ترابط المصالح وثقافة التهريب والتهرب وفجور المصالح الانانية لبضعة افراد، بضع عائلات، او عشيرة او حزب قطيعي، لا يختلف في ذلك معمر قذافي عن علي صالح عن بشار الاسد او عن حافظ الأسد او بن علي ومبارك او غباغبو وعمر البشير، يلجأ الطغاة فورا في مواجهة اية مطالب بالحرية الى السجون والاعتقال والقتل والاغتيال والترويع السكاني وصولا الى شن الحروب على شعوبها وابناءها،، وهم الطغاة هؤلاء لا يترددون في استخدام كل الطرق التي لا تؤدي الا الى الجهنم بصيحة علي وعلى اعدائي، ومن اعداؤهم؟ ابناؤهم واخوتهم، يصبح الطاغية بشهوة السلطة والمال السهل الى قاتل مأجور لدى شهوته وقطعة غيار في بنيان ادارة فساده واسيرا لثقافة الاستعلاء والقتل وحين تضيق بهم الحدود يدفعون بالمجتمع الى هاوية الفوضى، لعلّ هذا يفتح لهم آفاقا جديدة للسيطرة والبقاء آجالا.
تتفنن السلطات الطاغية في دفع الحركة الشعبية القائمة على الوحدة الوطنية العامة بثقافة الحراك السلمي الجماهيري والعصيان المدني والاحتكام الى الساحات العامة حيث القرار بالشرعية، بتشويهها من الداخل، وبدل الخضوع لها والاستسلام لإرادة الشعب تحتال الضباع على المجتمع في جرّه او فئات منه الى فخ الصراع بالسلاح، فخ القتل المضاد، فخ ثقافة العنف المضاد والانفصال عن الجماعة بسكرة السلاح بشهوة الانتقام، ان اخطر ما تتعرض له حركة احتجاج سلمية وثورة شعبية شرعية، هي ان تتحول الى مواقع الخصم بثقافة الانتقام بالسلاح، ففي لحظات الفجيعة ومنظر الدماء لأعز الناس علينا وبفورة رغبة الانتقام والقهر تتغلب لدى البعض ثقافة الانتقام على ثقافة العقاب، ان نزوع الفرد الى تحقيق عدالته الخاصة بيديه لهو اخطر ما يتهدد العدالة ومؤسسات المجتمع، فالخضوع لرغبة الانتقام الفردية او العصبوية تشيع لدعاية السلطة القائمة على انها تضطر الى القتل لوأد الفتن واخضاع الخارجين على القانون.
لذا تقوم سلطة بشار الاسد واتباعه بتسهيل عبور السلاح الى فئات وشرائح ومناطق سبق وان قهرت بقسوة لتدفعها الى حمل السلاح الذي لن يؤدي الا الى تأكيد دعاية السلطة في انها المعتدى عليها والى سيادة سلوك يلغي العقل والجماعية والسلمية بسلاح فرد في ايدي مقهورة تنتقم بالشهوة وتنتحر باللاعقل، ولا تغير في موازين القوى شيئا بل انها تخلخل البنية الثقافية لثورة الحرية القائمة على وحدة الجماعة السورية بشعار: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد.
ان سكرة السلاح وصرخة الكلاشن لن تأتي الا بفوضى العراق الممزق والصومال المتهالك واليمن والغابات الافريقية المتناحرة بين القبيلة والقبيلة والحروب الاهلية التي تحول البلاد الى اسواق سلاح سيكون رامي مخلوف سيدها وبشار الاسد سائسها وغيرهم وغيرهم اصحاب بسطاتها، فالمحارب الحامل للكلاشنكوف يتحول بالتدريج الى عبد للسلاح، يستطيب سماع لعلعته واستنشاق البارود الفائح منه، والخضوع لفتنة القوة التي لن تظهر الا في محيطه، بين اهله في قريته وفي حيه، وضحاياه اهله وثقافته وثورتهم.
يتحول الثائر بنشوة البارود وفتنة الكلاشن الى رجل مغتصب للسلطة ولو فيال متر المربع الذي يقف عليه، يتحول الى دكتاتور صغير بحجم بيت النار ؟
لنعمل معا على قطع الطريق على الكلاشن بالقوة السلمية، قوة الكلمة، كلمة الشعب الخارجة من عمق الحارات الشعبية بالشجاعة الاخلاقية بثقافة الشراكة والحق والعدالة، لنقطع الطريق على نفاذ رائحة البارود الى صدورنا، فرائحة البارود تقتل الثورات وتشوه الفكرة وتلغم الطريق. لنتعظ من تجربة الخمير الحمر في كمبوديا، ومن اوحال الحرب الاهلية اللبنانية الفلسطينية، وغيرها وغيرها كثير.