بعد الكيماوي، ردع الأسد خارج مجلس الأمن – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 août 2013

بعد استخدام الاسد للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري يتحتم على الدول العربية ان تتخذ موقفا جديدا وجديا الآن إزاء انقاذ هذا الشعب المسكين من بطش جزار دمشق. لم يعد من الممكن اخلاقيا وسياسيا ودينيا وانسانيا الاستمرار في السياسة العربية غير الفعالة إزاء الجريمة السورية، والتي اطالت من معاناة السوريين وفاقمت من عدد الضحايا. العجز العربي والدولي الذي تتحمل وزره موسكو جراء وقوفها بصلافة في وجه اي قرار اممي ضد النظام السوري لم يعد بالإمكان قبوله. والسياسة الدولية تتيح، بل تفرض، على اي جوار اقليمي اللجوء الى آليات ردع للأنظمة المجرمة خارج آليات مجلس الأمن التي تتعطل بسبب فيتو ومصالح القوى العظمى. ويُناط بالمنظمات الاقليمية عرفاً التعامل مع القضايا الاقليمية ومحاولة حلها قبل وصولها إلى مجلس الامن، ومن ناحية نظرية بحتة فإن الملف السوري ومأساة الشعب هناك هي مسؤولية الجامعة العربية اولا واخيرا وقبل ان تكون مسؤولية مجلس الامن. لكن اما وان الملف انتقل إلى مجلس الامن الذي اثبت عجزه الفاضح عن انقاذ السوريين فإن على الجامعة العربية ان تسترد الملف وتتحرك هي خارج نطاق مجلس الامن وخارج نطاق مصالح الدول الغربية التي ساهمت مواقفها في إطالة عمر المجزرة وزيادة عدد الضحايا الابرياء. 

المطلوب الآن ان تبحث الجامعة العربية في آليات تحرك بعيدا عن مجلس الأمن، وبعيدا عن السقف الذي خطته الولايات المتحدة والدول الغربية. فالموقف الغربي حدد سقفا منخفضا لدعم الثورة السورية، مختلفا عن السقف الذي كان عاليا إزاء الثورة الليبية. وبرغم ان الغرب لم يكن يحتفظ بأية علاقات ودية مع نظام الاسد إلا أن عدة عوامل لعبت لصالح النظام وكبلت التأييد الغربي للثورة خاصة بعد ان أجبرها النظام على استخدام السلاح. العامل الأساسي الذي رسم حدود الموقف الغربي، وخاصة الاميركي، تمثل في مستقبل أمن إسرائيل والخشية من فوضى ما بعد سقوط النظام او قيام نظام بديل عن الاسد يكون اكثر عدائية لإسرائيل من ناحية ومُسيطرا عليه من قبل الإسلاميين، او يُفسح لهم العمل في سورية. ومن ناحية عملية أدى التردد الغربي إلى إطالة امد الثورة ومنح النظام عمراً زمنيا اضافيا لملم فيه اوراقه وتمكن من عسكرة الانتفاضة السلمية وتبرير ضربها بشكل دموي وعنيف. والشيء المُفارق هنا هو ان المواقف العربية، بما في ذلك الخليجية المؤثرة، اضافة إلى التركية التزمت جميعا بذلك السقف المنخفض، ما افقد السوريين فرصة التخلص من النظام بصورة سلمية وسريعة. وإذا كان للولايات المتحدة حساباتها الخاصة في رسم سياستها وحدود دعمها للثورة السورية، واهمها العامل الإسرائيلي، فإن من المُفترض ان يكون للدول العربية وخاصة الخليجية منها حساباتها المختلفة، واهمها التمدد الإيراني الفج. فهنا انخرطت ايران في دعم النظام بكل الوسائل بما فيها الدعم العسكري بشكل كامل وكاسح وغير متردد، ما عكس عمق الإصرار الإيراني على إبقاء دمشق تحت نفوذها المطلق. يُضاف الى ذلك انخراط كبير ومشابه لحزب الله في الحرب باسم النظام وضد الثورة.
والحقيقة ان الموقف الخليجي على وجه التحديد يستوجب إعادة نظر وتحريك، وهو الموقف الذي اتسم بـ « التأييد القوي، لكن مع الدعم غير الفاعل »، بمعنى ان التأييد السياسي والاعلامي والدبلوماسي لم يرافقه دعم فاعل على الارض يغير من موازين القوى. إعادة النظر في هذا الموقف يفرضه استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين، اضافة الى الموقف الخليجي من الحدث المصري والإطاحة بحكم مرسي. ففي هذا التطور الاخير برز موقف خليجي مفاجئ في صرامته وحزمه ودعمه القوي والفاعل للفريق السيسي والحكومة الانتقالية على الضد من الموقف الغربي الذي رأى في الإطاحة بمرسي انقضاضا على حكم ديموقراطي منتخب. افترق الموقف الخليجي بشكل كبير عن الموقف الغربي ولم يلتزم بأي سقف او توجه عام بهذا الشأن. بل ثمة تصريحات متواترة تطئمن الحكم في مصر على ان الدعم الخليجي سوف يعوض اي قطع للمعونات الاميركية والاوروبية إن حدث. دعم من هذا النوع يعتبر دعما فعالا ويؤثر في موازين القوى ولا يلتزم بالموقف الغربي. معنى ذلك وعلى ذات المنوال بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي تبني موقف « داعم، وليس فقط مؤيد، مشابه إزاء الثورة السورية، لا يلتزم بالسقف الغربي، ويكون هدفه إحداث تغيير حقيقي في ميزان القوى العسكري في الميدان. واذا كان تقدير الموقف في مصر من قبل دول الخليج، والذي ترتب عليه الدعم المُشاهد حالياً، ينطلق من الوقوف ضد تمدد الاخوان المسلمين، فإن الاخطر عمليا من ذلك وبفارق كبير هو التمدد والنفوذ الايراني الذي يخوض حربا طاحنة في سورية ويريد ان يبقيها، ولبنان معها، تحت السيطرة الايرانية المطلقة.
الحسابات الاستراتيجية تلك مع الحسابات الاخلاقية والانسانية يجب ان تغير معالم المواقف والصورة. الآن يحسم كيماوي الاسد ضد اطفال سورية ومدنييها اي جدل اخلاقي او سياسي حول الموقف من النظام و »مشروعية » الحرب الدموية التي يخوضها، ويجب ان يغير من قواعد اللعبة الدامية. النظام المافوي الذي دمر سورية وبطش بأكثر من مائة الف من شعبها دفاعا عن كرسي الحكم انتقل الآن الى استخدام السلاح الكيماوي الذي شاهدنا نتائجه « البطولية » في جثث الاطفال المختنقين ولوعة امهاتهم عليهم، وإن تم التغاضي عن جريمته الاخيرة هذه ورفعه لسقف البطش فإنه سيتمادى وينتقل إلى مستوى آخر لا احد يعلم ما هو. ما نراه اليوم يمثل فصلا اضافيا مدهشا من الجريمة التي تخطت كل الخطوط الحمر، ينتقل بـ « بطوله » الاسد ونظامه ضد شعبه شوطا اضافيا، ذاك ان الدبابات والطائرات واسلحة المدفعية التي علاها الصدأ في مستودعات « نظام المقاومة » اشتغلت بكامل طاقتها ضد الشعب الذي ثار على استبداد الاسد وعائلته وفساده. آن الأوان لإيقاف هذه الجريمة وهذه المهزلة التي تهدر الدم البريء وتكللنا بالعجز والعار.