بلا أدنى خجل! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 août 2012

بلا أدنى شعور بالخجل، على أقل تقدير من الرأي العام العربي والعالمي، يصرّح رئيس الولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما، بأنّ حسابات واشنطن ستتغيّر في حال قام النظام السوري بتحريك الأسلحة الكيماوية؛ فعندها سيصبح قرار التدخل العسكري مطروحاً بقوة!
سقوط الأسلحة الكيماوية في « الأيدي الخطأ » بمثابة « خط أحمر » لدى أوباما؛ فهو تهديد لأمن إسرائيل ولمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. أمّا الدم السوري المراق في الشوارع، والشهداء الذين أصبحوا رقماً يومياً بالمئات، واستخدام الطائرات والقنابل الثقيلة والدبابات وقصف المدن وهدم الأحياء.. فذلك خطّ أخضر مباح، ومسموح به، طالما أنّ القتلى والشهداء والجرحى والمعتقلين ليسوا بشراً كالأميركيين!
ربما الشيء الوحيد الذي نتفق عليه مع مؤيدي النظام الدموي في دمشق، هو أنّ الأجندة الأميركية أسوأ وأخطر من الأجندتين الروسية والصينية. ذلك أنّ الروس والصينيين يهدفون من مواقفهم إلى الدفاع عن حليفهم والحفاظ على نظامه، حتى لو على أشلاء الشعب السوري، بينما الأجندة الأميركية تريد « استنزاف » الدولة والمجتمع معاً، ما دام ذلك يخدم إسرائيل، ويضعف إيران، ويسمح بتفكيك التحالف الإقليمي المؤيد لها!
متى كان الأميركيون في صفّنا نحن العرب؛ سواء مع أوباما أو المحافظين الجدد، أو حتى منذ أصبحت أميركا لاعباً دولياً فاعلاً في المنطقة؟!
دعك من تبني إسرائيل على ظهور العرب والفلسطينيين؛ حتى في ملف الديمقراطية والاستبداد، دعمت الولايات المتحدة (تاريخياً) الأنظمة الأوتوقراطية العربية، وما تزال، ووضعت قصة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة على الرفّ، بل بقيت حتى الساعات الأخيرة تدعم نظامي زين العابدين وحسني مبارك إلى أن تأكّدت أجهزتها أنّ هذه الأنظمة انتهت، فأدارت لها ظهر المجن، وبدأت تدير عملية التغيير لتدجين الأنظمة الديمقراطية والقوى الإسلامية الجديدة في السلطة.
ليس حبّاً في الثوّار، بل كرهاً في القذافي، وطمعاً في تحقيق مصالح اقتصادية، ساهمت أميركا وأوروبا في دعم الثورة الليبية، وفي اليمن أدارت عملية التغيير بما يخدم مصالحها، ويضمن أمن حلفائها في المنطقة. أمّا في سورية، فالأجندة الأميركية تضغط على نظام الأسد من أجل إضعافه وإنهاكه، وفي الوقت نفسه تُبقي موازين القوى دون قدرة الثوار على تحقيق انتصارات حقيقية، بوضع « فيتو » على وصول أسلحة نوعية للجيش الحرّ، ما يديم أمد الصراع ويخلق شروطاً أفضل لصفقة أميركية أو تدميراً للجيش السوري. يساعدها في ذلك غرور الأسد ودمويته، إذ فضّل البقاء على كرسي الحكم، وتدمير دولته وتقطيع جيشه، على أن يسمح بولادة نظام ديمقراطي تعددي يحفظ كرامة الناس وحياتهم ويحقق حريتهم وتحررهم!
نعم، هنالك مؤامرة أميركية وغربية على سورية؛ ضد الدولة الوطنية والشعب والإنسان والأرض والكرامة، وهي أجندة تمدّ الأسد بأسباب القتل، عبر التواطؤ والتراخي والتذرّع بالموقفين الروسي والصيني، كي ينهك نفسه وجيشه ضد شعبه ومطالبه المشروعة بالحرية والديمقراطية. وأكاد أجزم أنّ الروس يخدمون الأجندة الأميركية تماماً في الحيلولة دون اتخاذ مجلس الأمن قرارات نحو عمل عسكري، فالتدخل الأميركي لن يتم إلاّ بعد أن تتغيّر موازين القوى لصالح الثورة. لم تشترِ الشعوب العربية يوماً الخداع الأميركي الذي يكشفه بوضوح تصريح أوباما، فالفرق بيننا وبين أنصار الأسد ليس الموقف من أميركا، بل في ترتيب القيم الإنسانية والأخلاقية والسياسية. فالشعوب الديمقراطية والمجتمعات المتحررة من الخوف والاستبداد والفساد، هي وحدها القادرة على الدفاع عن مصالحها وحقوقها، وعلى النهوض وتحقيق سبيل القوة والمنعة، ولا يجوز أن نرضخ لأنظمة مستبدة قمعية فاجرة وفاسدة بأي ذريعةٍ كانت، سواء فلسطين أو الممانعة، فالحرية هي شرط الإنسانية، والتنازل عنها هو الخسارة الكبرى.

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/30403/%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D8%AF%D9%86%D9%89-%D8%AE%D8%AC%D9%84%21.html