بيدي لا بيد الأسد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 mai 2012
في مقطع فيديو سربه شبيحة الأسد يقوم أحد زبانية النظام بالتحقيق مع مجند منشق فار ويعده بالأمان إن هو دله على مكان وجود زملائه. المنشق بدا مرعوبا وخائفاً من الموت رغم « تطمينات » الضابط الأسدي. بالنتيجة « تعاون » المسكين مع جلاديه وسلمهم المعلومات التي طلبوها، لكن هذا لم ينجه ولاقى حتفه على يد شبيحة الأسد الذين رقصوا بعدها على جثته باعتباره « خائناً » للوطن.
كان في  مقدور أولئك القتلة أن يرسلوا الجندي المنشق إلى أقرب فرع وحينها سيتمنى هذا الأخير لو أنهم قتلوه، مع ذلك كانت شهوة الدم لدى أزلام الأسد أكبر من كل اعتبار وتعاملوا مع المنشق عاثر الحظ كعصابة من التتار مطلقة اليد في أرواح البشر.
في نفس الفيديو نسمع أحد زبانية الأسد وهو « يتحسر » لأن جندياً منشقاً آخر آثر الانتحار على الوقوع في أيدي الشبيحة !
بعد ذلك يأتي من يقول أن سوريا في منأى عن الحرب الأهلية ! ماذا نسمي إذاً كل هذه المجازر؟ ربما يعتبر هؤلاء أن الحرب الأهلية حصر على الصراعات التي تدور بين  فئتين من السكان المدنيين مسلحين « بما تيسر » في حين أن ما يحصل في سوريا  هي جرائم يرتكبها نظام مسلح حتى النخاع بحق مواطنين عزل. لكي يرضى مثقفو الصالونات سوف نقترح تسمية ما يحصل في الشام ب « مجازر » أهلية.
اﻷمر المهم هو أن هناك في سوريا الآلاف ممن هم مستعدون للموت في سبيل مواجهة النظام بل إنهم يفضلون الانتحار على الوقوع في أيدي جلاديهم. كل جندي منشق يعرف أن لا خيار لديه، فٳما الموت أو النصر في ظل تآمر المحيط مع نظام الشبيحة و في وجود مهل لا تنتهي يعطيها الكبار في هذا العالم لنظام اﻷسد كي يتمكن من قتل من لم يقتلهم بعد.
طيلة فترة الصراع العربي الإسرائيلي، لم نشهد عربياً ينتحر خوف الوقوع في قبضة « العدو » الصهيوني ! هل هذا يعني أن العداوة بين قسم من السوريين ونظام الأسد هي أكبر بمراحل من تلك التي تفصل بين العرب والكيان الصهيوني ؟ أم أن الصهاينة أرحم بكثير من نظام الصمود والممانعة الأسدي ؟ هل تكون سلطة اﻷسد « الوطنية » أثقل على قلوب السوريين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الرازح على صدور الفلسطينيين ؟
أثناء الانتداب الفرنسي، كان الثوار يقاتلون حتى الشهادة ولم يكن الانتحار واردا لديهم، فهل الاحتلال اﻷسدي لسوريا أسوأ بما لا يقاس من الاستعمار الفرنسي ؟
من هو مستعد لقتل نفسه خشية الوقوع في أيدي أعدائه هو إنسان لم يبق لديه شيء ليخسره أي أن ظهره للحائط وهذه هي بالضبط الحالة الانتحارية والاستشهادية، فبدل أن يموت المرء بيده ومجاناً فلماذا لا يصطحب معه إلى دار الآخرة بعض قاتليه ؟
في أوائل الثمانينات كانت « الطليعة المقاتلة » في حماة تتكون من بضعة مئات من الشبان المتحمسين، يقدرهم البعض بخمسمائة شاب، احتاج النظام لتدمير حماة وقتل عشرات الآلاف من سكانها للتخلص منهم. اليوم في سوريا كل منشق وكل من هو مطلوب من أجهزة الأمن أو مشكوك في ولائه هو إنسان محكوم عليه بالموت من قبل نظام القتلة في دمشق. كل هؤلاء وهم بعشرات الآلاف مستعدون لبذل الغالي والرخيص من أجل الحصول على سلاح يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم و بمقاتلة عدوهم الأسدي .
الأصل هو الإنسان، فأي مصير أسود ينتظر سوريا مع هكذا نظام ؟ حين يكون هناك عشرات الآلاف من البشر مستعدين للموت في مواجهة نظام قاتل فهذا لا يعني أن أيام هذا النظام قد أصبحت معدودة بقدر ما يعني أن البلاد مقدمة على مواجهات دموية ومجازر سوف تحرق الأخضر واليابس واﻷهم أنها سوف تكمل تدمير اﻹنسان السوري.
إن كان نظام الأسد يحلم بالوصول ٳلى السيناريو الجزائري فدرجة العنف والكراهية التي زرعتها دمويته ستجعل من أحداث الجزائر في التسعينات نزهة صيف بالمقارنة مع ما يعتمل في المرجل السوري والذي يقترب بسرعة جنونية من السيناريو الرواندي وليس من السيناريو الجزائري أو حتى اليوغوسلافي.
في رواندا قام « الهوتو » بالانتقام من مجازر قام بها « التوتسي » في بوروندي ضد أبناء جلدتهم قبل سنوات. خلال أيام اجتاحت المجازر كل أرجاء رواندا وقتل مئات الآلاف من « التوتسي » قبل أن يتمكن الفرنسيون من السيطرة على الموقف. « التوتسي » انتصروا في النهاية لكن بعدما فقدوا ما يقرب من مليون ضحية…
هل  يقوم نظام الأسد بتحويل سوريا إلى رواندا ثانية ؟ هل الخوف من انفجار العنف الطائفي المنفلت من كل عقال هو ما يفسر تردد الغرب في دعم الثوار السوريين ؟ هل يعتبر الغرب أن كراهية قسم واسع من السوريين لحكم اﻷسد قد تنفجر على شكل مجازر مفتوحة ضد زعران اﻷسد وطائفته بمجرد أن يتمكن المقموعون من حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم ؟
العنف المنفلت من كل عقال ليس محصوراً بأزلام النظام، فالثوار، في رد فعل على العنف الذي يطالهم، « غير مقصرين » ولو أن أسلحتهم بدائية ومحدودة. مصير من يقع بأيدي الثوار من شبيحة اﻷسد معروف وهو بحسب مواقع الثورة : « تذكرة ٳلى جهنم… ». صحيح أن الثوار يبادلون بعض أسراهم بمعتقلين، لكن هذا يبقى استثناء لا يمكن القياس عليه.
يصح الآن في سوريا وصفها بأنها أصبحت حقولاً للقتل، وستنجلي اﻷيام عن مجازر وضحايا لا تخطر ببال تحصل يومياً في بلاد الشام.
العنف يتصاعد ويبلغ كل يوم درجة أعلى من الذي سبقه. النظام يرى في تعميم العنف مصلحة استراتيجية له لاعتقاده أنه سيكون قادراً على الانتصار في الحرب اﻷهلية التي تلوح بوادرها في سوريا. ينطلق النظام من حسابات دموية بموجبها سيتمكن اﻷسد من الصمود في هذه الحرب والعودة أقوى مما كان ولو بثمن دموي مرتفع للغاية. ماهم النظام ٳن مات مئات آلاف السوريين بل الملايين منهم ؟ النظام الذي يقصف بالمدفعية وبالدبابات مدينة مسالمة لن تثنيه الخسائر البشرية عن الاستمرار في غيه.
مع تخاذل العالم عن نصرة السوريين العزل ومع ٳدارة أمريكية بائسة ومترددة في ظل فيتو روسي صيني مزدوج وغطاء ٳسرائيلي يظن اﻷسد أن انتصاره مضمون خاصة مع الدعم اﻹيراني الغير محدود.
كلما قصر العالم والعرب في نصرة السوريين سيبقى القتل مستمراً وسيبقى خيار السوريين محصوراً في الموت، بيد اﻷسد أو بيدهم.
هذه الوصفة ممتازة لتحويل سوريا كلها ٳلى « قاعدة » للجهاد.
أحمد الشامي    http://www.elaphblog.com/shamblog  ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 24 أيار 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=76622:ahmad-shami&catid=39:features