تبا للمؤامرة والمتآمرين – برهان غليون

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 mai 2011

تبا للمؤامرة والمتآمرين

by Burhan Ghalioun on Wednesday, May 18, 2011 at 12:04am

بعد شهرين على اندلاعها، لا تزال الازمة السورية تراوح في مكانها، ولا يزال القتلى الأبرياء من أبناء الشعب، وبعضهم من العسكريين، يسقطون كل يوم، ولا تزال محاصرة المدن وعمليات الدهم والاعتقالات مستمرة في أكثر من مدينة وبؤرة احتجاجية في الوقت نفسه. وبينما يلوذ المسؤولون السوريون بالصمت تماما ويتركون لقوات الامن والجيش والميليشيات التابعة لهم أن تقوم بدورها في مواجهة الانتفاضة السلمية، لا تكاد تبرز على الساحة العربية والدولية أي بارقة أمل تسعف الشعب السوري، او تخفف عنه مصائب الانزلاق نحو حرب داخلية لم يخترها أي فرد من أفراده، ولا فكر فيها أحد من قبل. هكذا قررت المنظومة الدولية ان تترك الشعب السوري يواجه وحده آلة أمنية جبارة عمل على تطويرها وتحديثها نظام قائم على الانفراد بالسلطة واحتكار الدولة والقرار منذ 48 عاما من دون انقطاع. وغياب أي رد من قبل الامم المتحدة وأمينها العام على رفض الحكومة السورية السماح للجنة تقصي الحقائق عما يجري في المدن السورية المحاصرة منذ الأسبوع الماضي لا يدفع للقلق فحسب وإنما يطرح تساؤلات حول مصداقية منظمة الامم المتحدة وأمينها العام ذاته.

يثير هذا التدهور المضطرد في الأوضاع، والتفاقم المتزايد في الازمة، تساؤلات كثيرة لدى الرأي العام السوري عموما، حول حقيقة نوايا النظام السوري أولا تجاه مسألة الاصلاح، وموقف الدول العربية والمنظومة الدولية منها، وحول ما حققته الحركة الاحتجاجية السورية حتى الآن، وما يمكن أن تحققه في المستقبل، وحول الاستراتيجيات الأمثل التي ينبغي تطويرها للرد على التحديات الكبيرة والمتعددة التي تواجهها سواء ما تعلق منها بتصميم السلطات السورية على استخدام القوة بكل أشكالها لوضع حد للمسيرات السلمية، مهما كلف تحقيق هذا الهدف من ضحايا، أو بمخاطر الانزلاق نحو العنف أو الفتن الطائفية التي تقود إليها المواجهة العسكرية التي تفرضها السلطة على المحتجين، أو بالموقف السلبي الذي تقفه الدول الكبرى والدول العربية تجاه مطامح الشعب السوري للوصول إلى الديمقراطية كغيره من الشعوب العربية، سواء أكان ذلك ثمرة التردد أو الخوف من الفوضى أو عدم الثقة بالمستقبل، أو الحفاظ على مصالح حيوية يمكن ضمانها مع النظام الراهن، بصرف النظر عن سلوكه، أكثر منه مع نظام جديد يلعب فيه الرأي العام السوري دورا أكبر في صياغة الخيارات الاستراتيجية.

لا يكف مؤيدو النظام في الداخل والخارج، واجهزة الإعلام التابعة له قبل أي طرف آخر، عن التاكيد بأن لدى النظام برنامجا إصلاحيا كاملا وجاهزا، وأنه مصمم على تطبيقه. لكن هذا التطبيق لا يزال ينتظر منذ شهرين قاسيين مرا على البلاد، ولا يزال أصحاب القرار يأملون بأن ينجحوا في وقف المسيرات الشعبية حتى يتسنى لهم فرض « الحوار الوطني » الذي يتلاءم والحفاظ على جوهر النظام، فيكون لهم حق تحديد هدف الحوار واجندته والأطراف المشاركة فيه وشروطه. وربما يأمل بعضهم أن يستطيع تجاوز الحركة الاحتجاجية الشعبية بأكملها، ليقصر الحوار مع عناصر من المعارضة الحزبية، وينجح بذلك في الالتفاف على المطالب السياسية الوطنية الحقيقية، وتحويل الحوار إلى الأمور المطلبية التي تخص الفئات المختلفة او المحافظات أو الأمور الجزئية.

ومما يضاعف من انعدام ثقة الحركة الاحتجاجية الشعبية بنوايا الحكم التضخيم المفرط لحجم المؤامرة الأجنبية، والاستخدام المتزايد للعنف الذي تواجه به المسيرات، والذي جعل عدد الضحايا يتزايد باستمرار كل جمعة احتجاج عن الجمعة السابقة لها. وما يلفت النظر بالفعل هو أن المؤامرة التي بدأت بالحديث عن جماعات قليلة غير خاضة للسيطرة، تطلق النار عشوائيا على المحتجين وعلى قوات الامن من دون تمييز، تبين بعدها أنها هي نفسها من شبيحة رجال الأمن، قد تحولت منذ ثلاثة أسابيع إلى ما يشبه المواجهة العسكرية بين جيشين، جيش السلفيين الذين يريدون أن يقيموا في كل مدينة سورية إمارة إسلامية، على طريقة طالبان، والجيش السوري الذي نزل إلى المعركة بفرق كاملة العدة، وهي تنزع اليوم إلى أن تعتبر كل مشارك في المسيرات عضوا فاعلا في مؤامرة تشارك فيها دول عدة، عربية وأجنبية، لتمزيق سورية والنيل من سياستها الوطنية. فالمسيرات السلمية والمؤامرة الأجنبية شيء واحد، وهو ما يبرر محاصرة المدن وإغلاقها والقيام بعمليات تمشيط دورية للقضاء على الناشطين أو إلقاء القبض عليهم وإيداعهم في السجون.

والملفت للنظر أن هذه المظاهر الضخمة للمواجهة التي وضعتها السلطة السورية في إطار الحرب على الإرهاب والتخريب، والتي تشمل تحريك قطعات عسكرية كاملة، ومحاصرة مدن، وقتل مئات الأفراد، واعتقال الآلاف، لم تستدع من المسؤولين أي بيان رسمي للشعب وللرأي العام الدولي، يبرر هذا الاستخدام الواسع للقوة، ويقدم أدلة ولو نسبية لوجود مثل هذه المؤامرة، ويسمي منظمات أو بلدانا يقول مناصرو الحكومة أنها متورطة فيها. جميع ما نعرفه عن هذه المؤامرة يأتي عبر أجهزة الإعلام السورية وبعض اللبنانية فحسب. الملفت للنظر أيضا أن هذه االاتهامات الخطيرة التي تطلقها لاجهزة الاعلامية التي لا يمكن أن تلزم الحكومة السورية رسميا، تتهم دولا عربية أعلنت دعمها للنظام في وجه الانتفاضة، وتبنت فكرة المؤامرة، وساندته في مواجهتها، وقدمت له قروضا مالية ووعدته بتقديم المزيد منها. وتتهم كذلك دولا اجنبية على رأسها الولايات المتحدة في الوقت الذي ينتقد فيه باراك أوباما في واشنطن بسبب تقاعسه عن اتخاذ موقف مما يجري من استخدام مفرض للعنف في سورية، وبالرغم من تاكيد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في آخر تصريح لها منذ أسبوع بأن بشار الأسد لا يزال رجل الاصلاح، تأكيدا لعدم تبنيها أي مشروع لاسقاط النظام السوري أو حتى زعزعته.

لا يمكن أن نستبعد ان بعض الأفراد الذين فقدوا أبناءهم، أو بعض المتعصبين من كل الطوائف، وبعض الحمقى والمرضى، قد استخدموا هنا وهناك العنف بأشكاله المختلفة، بما في ذلك إطلاق النار على قوى الأمن. لكن هذه تبقى أحداث فردية عابرة وثانوية، أغلبها رد فعل على مبالغة الأمن في استخدام العنف، ولا يمكن أن تمس بالطبيعة السلمية الفاقعة للمسيرات الشعبية، والتي لم تكف عن ترداد شعارات السلمية والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة الطائفية أو الإتنية.

لن تستطيع مسرحية المؤامرة أن تغطي إلى الأبد على حقيقة انتفاضة الحرية والكرامة السورية التي لا تزال مستمرة منذ شهرين متواصلين، وهي في توقد متواصل ومتزايد، ولن تتوقف قبل أن يحقق الشعب السوري ما أصبح يعتبر مطلبا أساسيا لعموم الشعوب العربية، أعني حياة ديمقراطية كاملة، يسود في نظامها حكم القانون الذي يحقق الامان والاستقرار بدل حكم الاجهزة الأمنية الهادف إلى ترويع السكان وابتزازاهم، ويتمتع في ظلها كل فرد بحقوق متساوية، ويشارك على قدم المساواة في اتخاذ القرارات التي تهم حياته وحياة الجماعة الوطنية بأكملها. وربما كانت المهمة الرئيسية لشباب الانتفاضة وجميع فئات الشعب السوري في الأيام والأسابيع القادمة، التضامن والتكاتف والعمل المشترك من إجل إحباط المؤامرة الفعلية القائمة، تلك التي تسعى من خلال الترويج لفكرة المؤامرة إلى تشويه سمعة الانتفاضة الشعبية وعزلها في أوساط الرأي العام السوري والعالمي. والكلمة كانت ولا تزال للشعب السوري، ولأولئك الذين لم يتحدثوا بعد وهم لا يقلون شوقا إلى حياة الحرية والكرامة ذاتها التي بذل أبناؤهم ولا يزالون يبذلون أرواحهم الغالية في سبيلها.

Source : Facebook
Date : 18/5/2011