تركيا الأردوغانية والدبابات صائدات المآذن – عدلي صادق

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 août 2011

ترافق إطلاق القذيفة، من مدفع دبابة « أسديّة » صوب طربوش المئذنة، مع نجاح شاب سوري يحمل هاتفاً مؤهلاً للتصوير، في اقتناص اللقطة المشحونة برمزية من العيار الثقيل. وسرعان ما جرى تطيير اللقطة المذهلة، عبر الأثير، لكي تزداد تعليلات السلطة الحاكمة في دمشق، سماجة وابتذالاً!

فليس لرأس المئذنة، أن يصبح رأس عصابة إرهابية، ولا هو يشبه، في هندسته، رأس قبة البيت الأبيض أو قوس مدخل الإليزيه. ولا هو يستفز طائرة أو دبابة تدربت على قتال الأعداء في الميادين. فحين تسقط مئذنة، في حروب وعدوانات الأعداء الحاقدين؛ يكون الأمر في الغالب، من تحصيل الحاصل عند رمي النار الإغراقية، ولا تكون المئذنة مقصودة بذاتها أو مستهدفة برمزيتها. فالأعداء أذكى من أن يستثيروا مشاعر المؤمنين العابدين، طالما لم تضطرهم الى ذلك ما يبررونه بـ « ضرورات ميدانية »!

هناك من يكابرون ويحاولون تغطية تعاطفهم مع القتلة في سورية، فيرفضون تشبيه سفك الدماء البريئة، بما اقترفه ويقترفه المحتلون الصهاينة. وإذا قال قائل، إن ما تفعله الدبابات « الأسدية » صائدة المآذن والفتية الأبرياء، أفظع وأكثر إجراماً مما فعله ويفعله المحتلون، تعلو أصوات المكابرين في الزجر والتقريع ونعت القائل بالمشبوه الذي يستغل الحدث السوري، لكي يلطف مشاعر الجماهير حيال إسرائيل. المسألة هنا تحتاج الى صراحة: فالاحتلال هو عدو على الطرف الآخر من الصراع الوجودي، وأظنه يتبرم بحكم اعتبارات عدة (من بينها الحسابات الميدانية، وردود الأفعال الدولية) من الاستمرار في قتل مئتين أو مئة وخمسين انساناً في كل يوم، على امتداد خمسة أشهر، مثلما فعل ويفعل جنود نظام سلالة حافظ الأسد، منذ يوم الثلاثاء الخامس عشر من آذار (مارس) 2011!

وفي الواقع، إن ما يجعل الاحتلال ألطف، هي طرق القتل « الأسدي » ووتائره، والممارسات التي بعده، كمنع الطبابة واعتقال الأطباء وإغلاق المشافي وملاحقة الجرحى بالمزيد من النيران، والتمثيل بالجثث، وقص الأعضاء التناسلية واستئصال الحناجر، وقصف البيوت والناس، بالدبابات التي ابتاعها النظام من دراهمهم وعلى حساب شقائهم وفقرهم وخبزهم. إن القتلة والمستبدين، هم الذين أسهموا على كل صعيد، في تغذية غطرسة الاحتلال وتعزيز قوته وتغطية ذرائعة. فكلما رأى الغرب شعوبنا رازحة تحت نير أنظمة فاسدة مستبدة، تسفك الدماء وتزهق أرواح الأبرياء بالجملة؛ ازداد قناعة بوجاهة دعواه لأن نستوعب إسرائيل، لأنها لم تقتل مثلما قتل الحاكمون. إن الدولة العبرية، بدأت بتواطؤ خونة ومستبدين، واستمرت بتواطؤ خونة ومستبدين وبتغطية من بائعي الكلام والرغي الفارغ! 

* * * 

إن أكثر ما يُحزن في الوقائع السورية، هو افتقار الشعب الذي يواجه النيران، لمن يسانده بحماسة ونجاعة. فالمفتقرون الى الديموقراطية، لا يساندون ثورة شعب يطمح الى الديموقراطية. ووارثو الحكم، لن يساندوا الشعب ضد حكم أسرة فاسدة، وطدت العزم على أن يرث أبناؤها الحكم كابراً عن كابر. والمخلعة أبوابهم، لا يُصلحون ابواب الآخرين. من هنا ينحصر الرجاء في تركيا الأردوغانية.

فبعد أن هوى طربوش المئذنة، بقذيفة أطلقتها صائدة مآذن هاربة من الجبهة لكي تقاتل المسجد والبيت والحارة والمشفى؛ باتت تركيا الأردوغانية معقد رجاء السوريين؛ إذ يبدو أن انكشارية جديدة، هي الجديرة بأن تردع « الشبيحة » المعززين بصائدات حرائر ومآذن. لتسقط كل الاعتبارات القومية والسيادية الكاذبة، في سبيل حقن دماء الشعب العربي السوري. لتكن مسؤولية عثمانية مستعادة، نتولى بأنفسنا بعدها الاقتداء بالنمط الأردوغاني. بل مرحباً بالتدخل الإنكشاري. ففي التاريخ العثماني، تشكلت مبكراً قوة خاصة ونوعية، لذوي السيوف البتارة والتسلح الأمضى، سمّاها الباب العالي

« ينجاري » أي « الجندي الجديد ». الأزهريون في مصر التبست عليهم الأحرف فقرأوها « إنكشاري » لتجري التسمية على هذا النحو. هؤلاء، كانوا عقائديون صوفيون شجعاناً، نذروا حياتهم لحسم معارك الدولة العثمانية ومصالح الخلافة، ومن أجل ذلك كانوا يفتدون المسلمين بالمهج، ويؤجلون الزواج الى سن متأخرة.

لقد دخلت معركة السوريين مع نظامهم المستبد، مرحلة اللاعودة، ويُخشى أن يستمر النظام في القتل والتدمير، الى آخر ما عنده وعند الشعب، لأن خطته تنطلق من نقطة « إما أنا أو الجحيم ». لذا إن كان المُغيث بعد الله، هو الانكشاري، فليكن، لأن الشعب السوري يواجه نظاماً تقوده عصابة آثمة، لا يردعها إلا من يخيفها، ومن يمنحها فرصة الإنكفاء خلال أيام معدودات!

* سفير فلسطين في الهند

Source : www.adlisadek.net
Date : 12/8/2011