تركيا والعالم العربي مفارقات وإنسان عربي مغيب – لينا سعيد موللا

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 septembre 2011


كيفما كانت هذه الأرض(( آسيا الصغرى) وأي كان نظام حكمها وأيديولوجيتها و حتى تسميتها ، فإنها وعلى مر التاريخ الطويل كان لتركيا الحالية سياستها التوسعية المتجهة جنوباً وشرقاً ومتوسطياً.
تغيرت أسماءها لكن المصالح لم تتغير، دائماً تركيا بمساحتها وعمقها الاستراتيجي وثرائها وفسيفسائها الشعبي، كانت قوة كبيرة لها مصالحها وامتدادها، وغالباً ما كانت تتسلل جنوباً وشاطئياً، لتقف عن حدود الدولة الفارسية متوغلت شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً . كانت على الدوام مركز أمبراطورية وقوة إقليمية، تخرج عن حدودها غازية دول الجوار وحاكمة لهم لسنين طوال .
فمنذ زمن الحثيين مروراً بالإسكندر ومملكته السلوقية والأمبراطورية الرومانية فالبيزنطية وانتهائاً بالسلطنة العثمانية والجمهورية الأتاتوركية كانت قوة إقليمية كبيرة ذات قدرات توسعية وهي مسؤولية وقعت على الدوام على عاتق قيادتها السياسية .
هذه القيادة السياسية لتركيا الحالية وبعد إحباط مزمن في انخراطها مع أوروبا الحضارية، أيقنت أن الطريقة الأفضل للعودة إلى قوتها الإقليمية التاريخية، هي في تلمس طريقها القديم في التوسع اقتصادياً نحو مقاطعاتها القديمة، صحيح أنها فشلت في رأب الصدع مع دولة أرمينية وفشلت مع جارتها اللدود اليونان البوابة الأوروبية الأولى، إلا أنها نجحت نجاحاً باهراً في إقامة علاقة طيبة مع سوريا بوابتها الجغرافية الجنوبية باتجاه الدول العربية، وها هو أردوغان يسعى إلى تصدير نموذج الدولة الأتاتوركية العلمانية التي يقودها بحزبه ذو الميول الإسلامية المعروفة، دولة علمانية عرفها في مصر على أنها القريبة من جميع التيارات السياسية بمسافة واحدة، كخطوة أولى لتقارب أكبر مع الدول العربية والإسلامية .
هذا السلطان الجديد يهدف إلى بناء قوة إقليمية جديدة تتزعمها أنقرة، لتعيد مجدها الضائع .
في المقابل فإن الدول العربية المتجزئة منذ زمن الإمارات الإسلامية زمن الفترة العباسية وحتى يومنا هذا، عاجزة عن إقامة أي كيان متماسك ، وتحت أي مسمى، فلا الدولة الدينية نجحت لكثرة الإثنيات والطوائف الذي تحمل في ذاكرتها الشعبية الكثير من الصراعات والخلافات التي تجعل من إقامة دولة مركزية أمراً شبه مستحيل، كما عجز القوميون العرب من أن يتجاوزا قطريتهم بكثير، ولاقوا من أمراء النفط شراسة كبيرة في تقويض حلمهم الوردي، وكان السبب هو الفردية الشرقية المتحكمة وغياب فكرة الدولة الحقيقية عن جميع الأقطار العربية التي غلب عليها فكرة الحكم المطلق كما زمن الملوك والسلاطين، فما عرفت كباقي الدول الحديثة تحديد السلطات ولا تحديد زمن ولاية الرئيس بمدة محددة، فانتشرت صفات غريبة عن القاموس السياسي كالرئيس المؤمن والمفدى والخالد ورئيس مدى الحياة حتى انتهت بالجمهوريات الوراثية، إضافة لغياب الديمقراطية والمساواة مع تغييب شبه كامل للحقوق والحريات التي تمتع بها المواطن الحر في بلاد أخرى كثيرة .
إضافة إلى روح الفرقة والتجزئة والمصلحة الفردية كما الخوف الذي يعتمرقلوب قادتها بين بعضهم البعض،لارتباطاتهم الخارجية التي شكلت على الدوام الخطر الوحيد على بقائهم، فاضطروا للدفاع عن وجودهم بالدسائس والمؤامرات التي حيكت تجاه بعضهم، بدل السعي إلى إقامة وحدات اقتصادية تقوم على التكامل الإقليمي فيما بين أنشطتهم و السعي إلى نهضة وتطور الإنسان العربي وخلق منظومة حقوقية يتمتع بها الناخبين العرب والذي يشكل حصناً لقادة الأنظمة طوال مدة ولاياتهم الدستورية.
تخبطت تركيا طويلاً بين حكم الجنرالات العسكر حماة العلمانية كما يسمون أنفسهم، وبين الديمقراطية السياسية، لكن هذه الديمقراطية استطاعت بعض مخاض عسير حسم المعركة لصالحها، ووظفت إمكانت تركيا الهائلة في تشكيل دولة عصرية ذات قوة اقتصادية لا يستهان بها .
وفي المقابل فإن الدول العربية قادرة في حال وجود قيادة سياسية مشابهة من النهوض قدماً وتشكيل قوة اقتصادية وسياسية ضخمة ومهابة .
في نظرية المؤامرة أن هذه الأقطار العربية تتعرض لكل أنواع المكائد، ابتداءاً من زرع إسرائيل وسط العالم العربي، إلى خلق أنظمة رجعية في ليبراليتها ودينتها وتجزئها .
لكن ما الذي يجعلنا عرضة لكل هذه المؤامرات الناجحة ؟
ننسى أن الإنسان العري المقهور هو وقود أي تطور وتقدم، وفي غياب صناعة الإنسان الحر الكريم القادر على صناعة الأنظمة الديمقراطية القومية سنراوح في مكاننا لعقود طوال .
هناك مفاهيم عالقة واتكالية رهيبة تؤسس لمرض مزمن أصاب هذا المواطن أهمه غياب الحرية التي يؤسس لها الوعي والثقة بالنفس..
لذلك نحن متمسكين بالأمل في صحوة المواطن العربي ومطالبته بحقوقه، وهذا ما بشر به الربيع العربي،
سنسعى أن تبقى يقظتنا مستنفرة إلى أن نحقق هذا الأمل ونمضي قدماً في عملية التطور الطويل.
فرصة جاءت بعد مئات السنين من التخبط مؤتمنين عليها مضحين لأجلها، ومتى نجحنا فلن تقوى علينا قوى خارجية وسيكون لنا نحن المواطنين الكلمة الفصل في كل شيء .  
قادمون

لينا سعيد موللا – صوت من أصوات الثورة السورية 

هذا المقال يعبر فقط عن رأي كاتبته

الحوار المتمدن – العدد: 3491 – 2011 / 9 / 19 

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=276199