تفجير دمشق المثالي! – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 février 2013

قريباً من مقر حزب البعث الحاكم، وعلى بعد مائتي متر فقط من سفارة روسيا الداعمة لنظام بشار الأسد بدون قيد أو شرط، وقع انفجار حي المزرعة في دمشق أول من أمس. لكن الضحايا، وبخلاف ما قد تنبئ به المعطيات السابقة، كانوا في معظمهم مدنيين. والسبب أن التفجير الذي حصد أرواح 61 شخصاً، وقع أيضاً أمام مستشفى، وقرب مدارس؛ فكانت غالبية الضحايا من الطلبة الأطفال والمواطنين. بل ويمكن القول أيضا إنه حتى عناصر الأمن الذين قضوا في التفجير، أو أغلبيتهم، لم يكونوا إلا أفراد جيش أو شرطة أبرياء، كونهم يتولون حراسة مواقع رسمية بشكل روتيني، كما في كل دول العالم.
لكن هذا التناقض الذي يفتح المجال مبدئياً لتعدد المتهمين، إنما هو في الواقع تجسيد مثالي للدليل « المطلوب » على تعاظم دور تنظيم « القاعدة » في الثورة السورية، كما حذر نظام الأسد، وإن تأخر تحقق نبوءته قرابة سنتين! فالقاعدة هي التي لا تبالي بقتل الأبرياء من المدنيين للوصول إلى أهدافها الرئيسة. ويلفت النظر هنا تزامن تفجيرات دمشق الأخيرة مع الإعلان عن وصول من يسمى « أمير منطقة القوقاز »، عمر القوقازي، للقتال في سورية. مع ذلك، تظل النتيجة النهائية هي العودة إلى المربع الأول في تحديد المسؤولية عن تفجيرات دمشق؛ إذ قد تتحملها « القاعدة » التي طالما قتلت مدنيين بذرائع واهية، خدمت أعداءها فقط؛ كما قد يتحمل تدبير تلك التفجيرات نظام الأسد الذي يبدو المستفيد الأوحد منها للوهلة الأولى.
أياً يكن، فإن السؤال هنا: هل ما يزال يفيد النظام فعلاً القول بتزايد حضور « القاعدة » في الثورة السورية؛ سواء أكان هذا الحضور متعاظماً فعلاً، أو مختلقاً ومبالغاً فيه؟ بعد قرابة عامين من اندلاع الثورة، يبدو الجواب الأقرب إلى الصحة هو النفي.
إذ كان متوقعاً بداهة، أن التخلي الإقليمي والدولي عن الثوار السوريين من غير « القاعدة »، وهم الأغلبية العظمى، سيفضي حتماً إلى الدفع بأعداد من هؤلاء إلى التنظيمات الجهادية المتشددة؛ الأكثر كفاءة وجرأة وتمويلاً، لمواجهة قوات الأسد وشبيحته، لاسيما أن النظام كان قد حسم أمره بعدم تقديم بدائل للتعامل مع الثورة سوى الموت والتعذيب لكل مشتبه به، ويكفي هنا أن يصدف أنه من أصول تعود إلى منطقة أو عائلة ثائرة، ولو لم يشارك في تظاهرة، ناهيك عن معركة ضد هذا النظام. بعبارة أخرى، فإن تعاظم دور « القاعدة » في سورية، بافتراض صدقه، هو نتيجة لسياسات الأسد وجرائمه، وليس العكس أبداً. وبناء على ذلك، فإن مذبحة دمشق الأخيرة ربما تكون مثالية للثوار وليس للأسد.
ذلك أن مواجهة « القاعدة » التي يحاول الأسد استثمار الخوف الغربي منها، لا تعني دعم النظام، بشكل مباشر أو غير مباشر، لسحق الثورة، بل العكس هو الأكثر احتمالاً؛ أي دعم فصائل الثورة السورية غير السلفية، لسحب البساط من تحت أقدام تنظيمات « القاعدة » في سورية؛ عسكرياً وشعبياً. وبذلك يغدو نظام الأسد هو الأكثر خسراناً، مع « القاعدة » طبعاً، من جرائم قتل المدنيين.
رغم كل هذا الغموض، فإن تفجيرات دمشق تؤكد شيئاً واحداً لا خلاف حوله، وهو أن الركن الوحيد المتبقي لشرعية الأسد هي الإرهاب والترهيب للمواطنين السوريين، على يد قواته وشبيحته أو على يد « القاعدة » وسواها من القوى الخارجية.

http://www.alghad.com/index.php/crew/152751.html