ثوريّو الحكّام – حازم صاغيّة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 juillet 2011
هناك في لبنان اليوم ظاهرة يصحّ الظنّ في ندرتها عالميًّا: ظاهرة ثوريّي الحكّام. وهذه شيء آخر غير ظاهرة الحكّام الثوريّين الذين يصلون إلى السلطة، مدفوعين بعقائد راديكاليّة، ثمّ يقيمون أنظمة استبداديّة وتوتاليتاريّة

المقصود في حالتنا هذه أصحاب رأي وموقف يدعمون في سوريّا النظام الأمنيّ القائم ويكرهون الانتفاضة السوريّة، ويؤيّدون في لبنان سلطة « حزب الله » المسلّحة ويكرهون حرّيّة المجاهرة بآراء أخرى، بما فيها المطالبة بالعدالة الدوليّة

إلاّ أنّ هؤلاء، مع هذا، يبقون ثوريّين، يحتفظون لأنفسهم بالتسمية واللقب، ولا يخفّف من ثوريّتهم قيد أنملة وقوفهم مع العتوّ والقوّة والتجبّر ضدّ مطالب أكثريّات الشعوب المعنيّة وضدّ حرّيّاتهم

وإذا طرحنا التفاصيل جانباً، وجدنا أنّ أكثر ما يسوّغ لهم ذلك أنّهم « ضدّ » أميركا وإسرائيل. أي أنّ تعريفهم لذواتهم كـ »ثوريّين » لا صلة له إطلاقاً بموقفهم من الحرّيّة والاستبداد أو من الاقتصاد أو التعليم أو الصحّة الخ

أكثر من هذا، اكتسبت الثوريّة على مدى تاريخها معاني تتّصل بالموقف الراديكاليّ من الدين والجنس والأخلاق، أو من السلطات الروحيّة والثقافيّة، فضلاً عن تلك السياسيّة. وهذه أيضاً ممّا لا يُعنى به ثوريّونا على الإطلاق، سائرين في ركاب أكثر القوى الفاعلة محافظةً ورجعيةً، ليس في السياسة فحسب، بل أيضاً في الأخلاق والقيم
استمرار هذا الدمج بين عناصر لا تقبل الدمج يسهّله أمر واحد هو أنّ المذكورين هم « ضدّ » أميركا وإسرائيل. ومع الاحترام الكامل لهذه الضدّيّة، فإن من المشكوك به كثيراً أن تستطيع فعل ما قد نُسب قديماً إلى حجر الكيمياء، بحيث تقلب المرأة رجلاً والرجل امرأة والعالي سافلاً والسافل عالياً

ولأنّ الأمر هكذا، جاءت الانتفاضات العربيّة تطرح تهديداً بالغ الجدّيّة على هذه التصوّرات الخرقاء والكاذبة. وهي، في أغلب الظنّ، سوف تنتهي بها إلى مثواها الأخير

فاليوم يغدو من البائس والمضحك معاً أن يتمّ الدفاع عن النظام السوريّ لأنّه « مع المقاومة وضدّ أميركا وإسرائيل »، فيما يُغضّ النظر عن مواقفه في الحريّات والاقتصاد والتعليم وسواها، أي في كلّ ما وُجدت السياسة من أجل التعامل معه

هذا إذا صدّقنا أصلاً أنّ النظام المذكور هو « مع » و »ضدّ » بالمعنى الذي ينسبه إليه ثوريّو الحكّام المتجبّرين

الاثنين 18 تموز2011

موقع لبنان الآن

http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArticleDetails.aspx?ID=292229