جبهات عمل المجلس الوطني السوري – ياسين الحاج صالح

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 octobre 2011

هناك 4 جبهات لعمل المجلس الوطني السوري الذي تشكل في مطلع هذا الشهر.
أولاها وأهمها جبهة الثورة. ينال المجلس شرعية أكبر ووزنا أكبر كلما كان ارتباطه بالثورة أقوى. لكن المجلس مدعو في الوقت نفسه لأن يكون قيادة للثورة، بمعنى أن تكون له كلمة مسموعة في أوساطها، وأن يحدد وجهتها السياسية، ويتولى دورا أكبر في تنظيمها الفكري والسياسي، بما في ذلك أن يعترض على أوجه من نشاطها وعملياتها عند اللزوم. ما يتصل مثلا بحمل السلاح أو طلب التدخل الدولي. هنا قضية حساسة لا ينبغي أن تترك للانفعالات المفهومة للثائرين المباشرين، والمحك فيها هو المصلحة العامة للثورة والمصلحة الوطنية. وقضية الحماية الدولية ذاتها غامضة من حيث المضمون والآليات والإمكانية، والمجلس معني بتوضيحها أو بالتخلي عنه. لا ريب أن المجلس يدفع في هذا الشأن ثمن تأخر تشكل إطار تمثيلي عام للثورة، وتاليا ظهور توجهات وتحركات ومطالب متنوعة في بيئات الثورة المحلية الكثيرة، يصعب التنسيق بينها وتوجيهها في اتجاه واحد. وتوحيد حركة الثورة وتوجهاتها تحد كبير ينطرح على المجلس، وفرصه ستكون أكبر بقدر ما ينخرط المجلس في أنشطة الثورة على الأرض ويكون قوة فاعلة ضمنها. فلا مجال لتوحيد الثورة أو للتأثير على مساراتها وقيادتها دون أوثق الارتباط بها.
الجبهة الثانية جبهة النظام. يعتنق المجلس قضية الثورة، التي هي إسقاط النظام. هذا شيء لا رجعة عنه لأنه مكون لهوية المجلس وكيانه. وهو يعني أن لا حوار ولا تفاوض مع النظام، لكن يعني أيضا متابعة ممارسات النظام ضد الثورة والشعب السوري، ومحاصرته بالوسائل القانونية والإعلامية والدبلوماسية، والرد المدروس على الناطقين باسمه عند اللزوم، وترتيب ملفات لقادته ومديري القتل من رجاله، وتجهيز ملف موثق وشامل لجرائمه لتقديمه لمحكمة الجنيات الدولية يوما. ومن مقتضياته أيضا وضع خطط وتصورات لسورية الجديدة، تضمن استمرارية الدولة التي سخرها النظام لمصالحه. ومن مقتضياته أيضا مخاطبة قطاعات من الجمهور السوري تسانده اليوم.
الجبهة الثالثة هي الجبهة الدولية. بينما يسعى المجلس للفوز باعتراف الدول العربية والغربية بخاصة فإنه معرض لأنه يغدو موضع تجاذب من قبلها. سيكون المجلس في موقع أقوى للتعاطي مع القوى الدولية بقدر ما يكون ارتباطه بالثورة أقوى. هنا مصدر شرعيته ومنبع استقلاليته. سيكون مهما أيضا العمل باتجاه أن تعدل حكومتا روسيا والصين موقفهما. لكن الأولوية هي بالفعل لنيل الاعتراف من الدول العربية على ما يعمل الدكتور غليون. ومن المهم أن ينطلق المجلس بلسان واحد بأنه ضد التدخل العسكري الدولي لأسباب مبدئية وعملية معا. تعدد الأصوات في هذا الشأن مصدر بلبلة وتشكيك بصدقية المجلس. وبنظرة أبعد إلى الأمام تثير الجبهة الدولية سؤالا كبيرا في شأن التحالفات الدولية لسورية بعد سقوط النظام. فإذا لم يكن متعذرا وغير مرغوب أن تغدو سورية جزءا من التحالف الغربي، وافترض أنه متعذر فعلا في أي مدى منظور، تعين أن يأخذ المجلس مسافة أكبر عن الأصوات الداعية للتدخل الدولي. وأن يطور رؤية واضحة محددة عن قضية حماية المدنيين.
وتتصل الجبهة الرابعة بالعلاقة مع مجموعات المعارضة الأخرى. تعرض المجلس خلال القوت القصير منذ تشكله لتشكيك وهجمات متنوعة. سيبقى الأمر كذلك على الأرجح. فمن خصائص بيئة العمل المعارض السورية منذ عقود أن الصراع في أوساط المعارضة لا يقل عنفا عن الصراع ضد النظام. ولطالما كان ثمة معارضون تتجه أقوى انفعالاتهم ضد معارضين آخرين، وهو ما استهلك كثيرا من الطاقات، ولعله تسبب في لا مبالاة قطاعات من الشباب كان يمكن أن تنشط في التنظيمات المعارضة. المبدأ العام هنا تجنب أي توترات لا لزوم لها، أو أية معارك جانبية، مع إبقاء الباب مفتوحا لأن تتمثل فيه أية مجموعات قد ترغب في ذلك.
ولعل هناك جبهة خامسة تتصل ببيئة صحية داخل المجلس، والتغلب على أية منازعات داخلية قد تعرض له. كلما كان المجلس أكثر تماسكا كانت فاعليته على الجبهات الأربعة الأخرى أعلى مردودا. من شأن منازعات داخلية، بالمقابل، أن تعطل فاعلية المجلس العامة، وأن تكون مصدر إحباط هائل للثورة والشعب السوري.
من المهم، أخيرا، أن يتحرر المعارضون السوريون من عقدة النقص العميقة تجاه النظام، وتجاه المجتمع، وفي المجال الدولي. هذا نتاج نحو نصف قرن من العزل السياسي والاجتماعي الداخلي، والعزل عن العالم، وهو السبب وراء المنازعات التي لا تنتهي في أوساط المعارضة. فلأننا صغار لا نكف عن التخاصم مع صغار مثلنا. لن يكون سهلا تجاوز هذا الميراث كله. لكن هناك سبيل واحد للتقدم في هذا السبيل: الانخراط في العمل من أجل انتصار الثورة وتغيير واقع سورية.
لقد نال المجلس شرعية داخلية سريعة لكن لا لفضل خاص به، وإنما لحاجة الثورة إلى إطار تمثيلي واسع ولثقة جمهور الثورة ببعض الشخصيات المنخرطة فيه. لكن المجلس معرض لخسارة تلك الشرعية بالسرعة نفسها إن لم يتطور إلى مركز قيادي، يقود الثورة ولا ينقاد لأصوات ونزعات في الثورة لا شك في إخلاصها، لكنها ربما أكثر انفعالا وأضيق أفقا من أن تسير بالثورة إلى ما فيه المصلحة العامة للشعب السوري في النهاية. لعل ما يتصل بهذا الشأن هو التحدي الأكبر الذي سيواجه المجلس والثورة في الأسابيع القادمة.                                                                              

 الحوار المتمدن – العدد: 3521 – 2011 / 10 / 20

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=280332