جنون الحل الأمني لن يقهر إرادة التغيير في سوريا – منير شحود

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 août 2011

يصارع النظام السوري مخاوفه الوجودية بالإمعان في قمع التظاهرات والاحتجاجات بالنار في معظم أنحاء سوريا، في محاولة يائسة للبقاء، لعله يستعيد شرعيته في الخارج، ومن ثم يعيد ترتيب أوراقه الداخلية على مهل، مع أن ذلك صار أشبه بالمحال.
وتتسارع خطوات الحل الأمني في سباقٍ مع الزمن، بعد أن صارت المواقف الخارجية، سواء منها العربية أو الأجنبية، تضغط على النظام أكثر فأكثر، ما أفقده صوابه بالفعل، ودفعه لاستخدام كل ما لديه تقريباً لقمع الاحتجاجات السلمية، وهي الخطر الحقيقي على وجوده بالفعل، وليس « المجموعات الإجرامية المسلحة » التي يمكن تبرير التعامل معها بالقمع العاري.
لقد تعرض الشعب السوري إلى أكبر مهانة تمثلت بتوريث السلطة في عام 2000 وتحول سوريا إلى جملوكية. ومع ذلك وضع هذا الشعب بعض الأمل في أن يثمر العهد الجديد عن بعض التغيير في المياه السورية الراكدة. ولكن التغييرات التي حصلت كانت بمعظمها في غير صالحه، إذ تركزت على إعادة توزيع السلطة والثروة في أوساط النخبة الحاكمة، وتركت معظم الشعب في وضع أسوأ.
وفي الوقت نفسه، استمر النظام باختراع أغطية أيديولوجية لاستمراره، من مثل دعم « المقاومة » و »الممانعة »، في مفارقة مؤلمة انطلت على البعض، في الوقت الذي يتثاءب جنود العدو على أرض جولاننا العزيزة.
وما أن بدأت الانتفاضة السورية مستلهمة الشجاعة من ثورتي مصر وتونس، بعد أن هبت رياح التغيير على المنطقة، حتى صارت الأغطية الأيديولوجية الزائفة تتكشف لتظهر للعالم سلطة مطلقة وشعب مستلب في حريته وكرامته، وهذا لا ينفي وجود من يساند النظام ويرتبط معه بالمصالح ولا يفهم معنى الحرية.
وبدأت المظاهرات في المدن الصغيرة والضواحي أولاً، حيث البؤس أكبر والسلطة الشمولية أقل حضورا، لتنتشر تدريجياً إلى مناطق كثيرة، وساهم التخويف الطائفي الحالي أو المستمر منذ عقود في تخوُّف البعض من التغيير والمشاركة في صنعه، ومحاولة تصوير الأمر وكأنه يخص الأغلبية من طائفة معينة وحسب.
ورغم كل محاولات تحويل مسار الثورة الشعبية إلى العنف والطائفية بقيت الأمور ضمن الحد الطبيعي الذي يمكن أن يشوب أية ثورة من حيث استخدام الوسائل المتوفرة للدفاع عن النفس في بعض الحالات، أو ظهور بعض التوجهات الطائفية بسبب الاستفزازات المتكررة من شبيحة النظام والمتعاونين معه.
يدفع النظام الأمور في سوريا إلى حافة الهاوية، ويحرض أبناء البلد بعضهم على بعض، في محاولة لزرع الفتن في حاضر سوريا ومستقبلها. كما يفضي زج الجيش في قمع التظاهرات إلى مخاطر كبيرة على وطنيته ووحدته، وقد صار أبعد ما يمكن عن مهمته الأولى المتعلقة بتحرير الأرض السورية المحتلة. ويعمل استخدام القوى غير النظامية، المعروفة بالشبيحة، على فقدان الثقة نهائياً بالقوى الأمنية، باعتبار أن هؤلاء لا يتحملون أية مسؤولية عن تصرفاتهم، فضلاً عن خضوعهم لقوى أمنية غير خاضعة للمحاسبة هي أيضاً.
وعلى صعيد المواقف الخارجية، تثير التصريحات السياسية التركية منذ بداية الأزمة السورية كثيراً من الجدل، ويحاول الأتراك تحقيق مصالحهم في سوريا مع النظام إن بقي، ومع سوريا المستقبل بدون هذا النظام إن زال، فتنوس مواقفهم بصورة أربكت الشارع السوري أكثر من مرة.
وكسوري فإنني أتحفظ كثيراً على التصريحات التركية حول أن ما يحدث في سوريا يعتبر قضية تركية داخلية. يمكن أن أتفهم أن ذلك يؤثر على الأمن القومي التركي، أما أبعد من ذلك فهو غير مقبول، وفي كل الأحوال يجب على الأتراك توضيح مواقفهم أكثر للشعب السوري.
واستمرار الثورة السورية حتى تحقيق أهدافها في التغيير الديمقراطي وبناء الدولة المدنية التي تحقق مصالح جميع أفراد الشعب، مرهون بعدم الوقوع في المحظورات الثلاثة: العنف والطائفية واستدعاء التدخل الأجنبي. فالعنف هو ملعب النظام، والطائفية آخر أسلحته، والتدخل الأجنبي نتيجة حتمية لاستمراره بالحل الأمني ضد شعب يتوق للحرية.
وتوحيد المعارضة السورية أصبح أمراً في غاية الأهمية لتشكيل بديلٍ سياسي مقنع في هذه المرحلة الانتقالية، وخطوة لم تعد تحتمل الانتظار، وتحتاج من الجميع التحلي بالروح الوطنية العالية والتعالي فوق كل الاعتبارات الشخصية، ريثما تفرز الثورة قياداتها المنشودة التي تستطيع العمل والتواصل مع الداخل والخارج.
قدر الثوار السوريين أن يدفعوا ثمناً غالياً بحجم التحولات التي ستحدث في سوريا ومن حولها جراء عملية التغيير المنشودة. كما أن تعقيد المشاكل التي راكمها هكذا نظام منذ عقود يتطلب نبلاً وأخلاقيةً وتفهماً من قوى التغيير على الأرض، وسيكون لذلك بدوره الأثر الإيجابي البالغ في بناء سوريا المستقبل.

الحوار المتمدن – العدد: 3455 – 2011 / 8 / 13

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=271224