جيزيل خوري ولونة الشبل وجوزف عيساوي.. والسيرة الذاتية للملابس الداخلية! – احمد عمر

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 octobre 2011
اكتشفت معظم الاختراعات العلمية بنرد المصادفة ؛ تفاحة نيوتن، أشعة راديوم ماري كوري، حجر رشيد.. وبنرد المقادير أصبح القذافي عكيدا، وبنردها الحكيم المقدر تقديرا خرج من النفق الطويل، وفي النفس شيء من احتمال ‘الفبركة’ في حكاية أنبوب الصرف الصحي، راجين لليبيا دوام الصحة وحسن الصرف السياسي لمياه اللجان الثورية الآسنة. في مصير القذافي طباق درامي، فمن لم يمت بالمسدس الذهبي مات بسبطانة الكاميرا. والحقيقة النفسية أقوى من الحقيقة الواقعية. فالحقيقة هي ما نؤمن به وليس ما تكون عليه.
بدأ العيد الملطخ بالدماء في ليبيا باكرا عن وقته ومتأخرا عن ساعة ليبيا السياسية حوالي ثلاثين ألف شهيد على الأقل وازدادوا تسعا. الولايات المتحدة الروسية (الشيطان الأكبر الثاني) التي طحنت الشيشان وأفغانستان وجورجيا طحنا – استنكرت الغدر بالقذافي أسيرا! وطالبت بتطبيق معاهدة جنيف التي لا يتم تذكرها إلا في مواقيت السادة لا في مواعيد المستعبدين في الأرض! والليبيون، في حصار الكتاب الأخضر، كانوا أولى بمعاملة الأسرى. تعالت أصوات أصحاب القلوب الرهيفة وهي تدين ‘الرعاع’ الذين قتلوا القذافي ‘بدم بارد’. والحق انه قتل بدم ساخن، أو بنيران صديقة فالثوار الأربعة الذين اسروا القذافي للحظات واستضافتهم ‘الجزيرة مباشر’ بدوا بواسل وكراما، إلى الحد ظنوا عدوهم ‘ثائرا’ وبحثوا عن مكان له في عزيزية الجنة! لقنوه الشهادتين، لكن إشارة المرور الإلهية ظلت حمراء، فتزحلق الرجل على قشرة مصيره وخانه قلبه ولسانه. وفي الحديث الشريف يقرّ جبريل بأنه ‘تآمر’ على فرعون موسى: لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخِذٌ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فَم فِرْعَوْن مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ’.
وقد ضنّ أكرم خزام، الإعلامي الذي يعمل بحواسه الخمس، في برنامج ترانزيت على فضائية المستقبل، بلقب الثوار على الثورة الليبية، فالوعي السائد عند الذين يعملون بحواسهم التي عطلها الغبار، وصدأ الأيديولوجيات، هو أنّ الثوار ملائكة مثل أبطال باب الحارة. لكن الأغرب من حواس أكرم خزام الست (ناقص واحد) هو الحزب الذي أسسه السلفي السوري لؤي الزعبي؛ فاسمه عجيب ومخالف للسائد من مألوف أسماء الأحزاب: ‘المؤمنون يشاركون’! واعتقد انه الحزب الثاني الذي اختار له مؤسسوه اسما فيه فعل، فالأحزاب السياسة العربية في حقبة الطغاة: أسماء وصفات ما انزل الله بها من سلطان. أحزاب كريمة بصفات لا موصوف لها: أحزاب تقدمية واشتراكية وديمقراطية بلا عمد ترونها؟
الأغرب من اسم الحزب، هو جواب مؤسس الحزب للسيدة جيزيل خوري وهي تستفسر عن سبب إغضائه عن وجهها الكريم. فالرجل بخل عليها بنظرة، وشحّ على نفسه برؤية وجهها، فطباخ ‘السّم’ يذوقه ؟ للمؤمن النظرة الأولى، لكن الرجل الصلب مكث صائم العين. الناس معادن، والمعادن تتأثر بالحر والبرد. قال الرجل ‘الحديد’ لسيدة الحر والبرد: إن الله أمرني بأن أغضّ بصري، ولم يأمرني بأن أواريك بالحجاب. انتهى البرنامج فتنفست الأرض الصعداء.
أما رئيس المخابرات القذافية، منصور ضو، فقد بدا عليه اليأس والإعياء، وقال ما يريده لقناة العربية، ولم يكن مثل ‘المخربين’ الذين يظهرون في قنوات التبن مرددين عناوين الصحف الوطنية عن ظهر قلب: نحن مندسون، سعينا بالفتنة!
الثورات ليست أغاني، فقد أصدرت المحاكم الثورة الفرنسية التي يتغنى بها المغنون نحو 18000 حكم بالإعدام.. وكان من بين ضحاياها ماري أنطوانيت أرملة لويس السادس عشر. وفي الثورة الأمريكية خسر الجانب الأمريكي 25 ألفا وحوالي 1400 مفقود، أما خسائر الجانب البريطاني فبلغت 10 آلاف رجل!
أثيب القذافي مثابة كريمة؛ فقد نجونا من محاكمة، ليست ليبيا أهلا لها في هذا الوقت (الحرج من تاريخ امتنا)، وقد يخرج منها القذافي بريئا (بسبب أمراضه النفسية). نجا القذافي من العذاب .. لم ينل سوى صفعتين خفيفتين لإيقاظه من سكرة الملك، وطلقتين طائشتين، أو إن شئتم حكيمتين. ارتاح العقيد، من وطأة الأزياء التي كان يرتديها، بدّل الأوروبيون في حقبة حكمه حكاما وارتادوا كواكب وأفلاكا، أما هو فكان يبدل لشعبه الأزياء التي تنوء بها العصبة أولي القوة. انتهى تأثير حبة الهلوسة العظمى التي اسمها المُلك. الأرض تتنفس الصعداء من رئتها الثالثة. هكذا هي الدنيا التي لا تؤخذ إلا غلابا. مات القذافي، عادل إمام حي يرزق، الحمد لله رب العالمين.

السيرة السرية للملابس الداخلية:
حاول جوزيف العيساوي في ‘قريب جدا’، أن يقرب لنا كتاب ‘السيرة السرية للملابس الداخلية’ وهي ترجمة فيها تحريض جنسي وحياء سياسي لعنوان انكليزي هو ‘الحياة السرية في سورية’ فاستضاف الكاتب إبراهيم محمود ومصممة الأزياء رنا سلام. كانت الحصة – وهو تعبير يستخدمه المغاربة – شحيحة الغلال، وتميزت بالعجمة الثقافية واللغوية والمعرفية. فإبراهيم محمود ‘أفتانا’ بفتوى شائعة: الحجاب الإسلامي بضاعة ذكورية! لنقس بمسطرة السيد محمود: الحجاب الطوارقي الذكوري بضاعة انثوية، العمامة السيخية بضاعة خنثوية، التنورة الاسكتلندية والتنورية اليمنية تأنيث للذكورة! غابت عن الباحث (في علم الانسان)عوامل البيئة، الدين، التقاليد، أساليب العيش. حاول مدير البرنامج مساعدة رنا سلام فترجم لنا جملها المطعمة باللاتينية، لكن لم يكن بمقدوره مساعدتنا في إسعاف ألفاظها المنتوفة. العيساوي نفسه لا يعرف ما هي الجنابة؟ العيساوي يلفظ الغسل بفتح الغين. العيساوي يلفظ الجماع بفتح الجيم!! مهما يكن فنحن نعترف بأن إبراهيم كان مقداما، عندما قبل أن يقرب لنا حياته العائلية (صار موضوعا للبرنامج)، لكن الرأي قبل شجاعة الشجعان. حاول العيساوي مساعدة محمود في التعبير الذي يخونه حينا، وربما قسا عليه احيانا (عند الإشارة ‘المرحة’ إلى الوسادة والشخير..). السعادة قناعة والمعرفة شقاء، فان يعيش الباحث في علم الإنسان وزوجته الأمية سمنا على عسل، فقد عاش احمد أمين سمنا مع زوجته العسلية أيضا، مع ان رسائله كانت ‘ذكورية’ جدا: أرسلي لي قميصا، جبنة قريش، ملابس داخلية. من غير تحية او سلام. ميخائيل نعيمة رثى الزمن الذي كانت تلم فيه المرأة بعر الجمال وتعيش سعيدة. خذوا هذا الرأي ‘الذكوري’: الذكر يتذكر، الأنثى ذاكرة..

الوقوف في مهب الكاميرا
يقف المذيع والضيف في نشرات البي بي سي، الوقوف والحركة مفيدان في تقصي الخرائط الكبيرة، كما يضيء وقوف المذيعة رغبات المشاهد النائمة في قوامها ويفصح عن فتنتها، فيتوه لب المشاهد عن الخبر الدامي. يمكن أن يكون الوقوف إنذارا بضيق الساعة وقلة الزاد، لكن مذيع برنامج ‘زيارة خاصة’ الذي قَدِم ضيفا على فضائية التبن جلس طويلا، مزدهيا بصفة فخيمة وعريضة هي: باحث استراتيجي. الباحث الاستراتيجي يتحدث عن اردوغان (وليس عن العدالة والتنمية) وكأنه جاء إلى ‘عرش’ تركيا بدبابة، بينما حزب الشعب يطرى بصفات العظمة! الباحث الاستراتيجي يعرف أرقام المتظاهرين بدقة ( 24 ألفا + ألفين)! لم يعد الرجل إعلاميا حتى يتأكد من كذبة المظاهرات المفبركة في الضواحي، فهو باحث استراتيجي، كان الرجل استراتيجيا حقا، فهو ينتظر الحوار الشامل ليحكم عليه بينما حكم عليه آخرون بالنجاح والفلاح، كذب المحللون ولو صدقوا، فقد أدرك الشعوب الصباح. 


القدس العربي – 2011-10-27
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C27qpt997.htm&arc=data%5C2011%5C10%5C10-27%5C27qpt997.htm