« جيش الدفاع الوطني » خطوة جديدة نحو الحرب الأهلية – صفوان القادري

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 février 2013

 

يمضي النظام السوري قدماً في تأسيس ما يسميه (جيش الدفاع الوطني)، ومنذ أسبوعين تقريباً، بدأت طلائع هذا الجيش بالظهور العلني في مدن وبلدات عديدة، وعاد العشرات من دورات تدريبية ليتسلموا مواقع قيادية في قوات محلية، يقال إنها « ستتولى الدفاع عن الأحياء والبلدات المحسوبة على النظام ». وعلى عكس اللجان الشعبية، الحاضنة التي خرج منها معظم هؤلاء، فالمليشيات الجديدة ذات زي موحد وأسلحة أكثر تطوراً، وسلطات واسعة نسبياً.. وتفيد معلومات مؤكدة أن أفواجاً من المتطوعين قد سافرت إلى إيران لإجراء دورات قتالية متقدمة، والتدرب على حرب الشوارع.

وكان موقع (روسيا اليوم) الإخباري أول من أشار إلى هذا الجيش الجديد، ونقل عن مصدر رسمي سوري قوله: « إن السلطات السورية تتجه لإنشاء ما يمكن تسميته بـجيش الدفاع الوطني يتألف من 10 آلاف شاب، كرديف للقوات النظامية التي تتفرغ للمهام القتالية، وانه سيشكل من عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية إلى جانب أفراد اللجان الشعبية.. ومهام (جيش الدفاع الوطني) ستقتصر على حماية الأحياء من هجمات مسلحي المعارضة، وسيتقاضوْن رواتب شهرية كما سيكون لهم زِي موحد ».

وتشير تقارير صحفية إلى أن الفكرة ربما تكون قد بدأت من حلب، حيث قال مصدر عسكري نظامي لـ (فرانس برس): « وزارة الدفاع السورية وافقت على طلب اللجنة الأمنية في محافظة حلب ليخدم أبناء المحافظة ضمن لواء الحرس الجمهوري المقاتل في المحافظة »، مشيراً إلى أن « القرار يشمل المتخلفين عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية والمكلفين الجدد ». وأضاف المصدر أن « القرار يفسح المجال أمام أبناء حلب للدفاع عن مدينتهم ».

البعض فسر هذه الخطوة بـ « حاجة النظام إلى قوات رديفة وإلى احتياطي بشري يرفد الجيش النظامي المتآكل ويعوض خسائره الفادحة »، وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: « إن نظام الرئيس بشار الأسد أنشأ قوة عسكرية موازية للجيش السوري، مؤلفة من مدنيين مسلحين، لمساعدة قوات النظام على خوض حرب عصابات تزداد صعوبة على الأرض مع المجموعات المقاتلة المعارضة.. إن الجيش السوري غير مدرب على خوض حرب عصابات، لذلك قرر النظام إنشاء جيش الدفاع الوطني ».

يحتاج النظام بالفعل إلى قوات رديفة، وإلى (خزان احتياطي بشري) في ظل خسائره المتصاعدة، وحركة الانشقاق المتنامية والمرشحة للازدياد، أما الحديث عن استخدام المليشيات الجديدة (جيش الدفاع) في حرب العصابات، فيبدو بعيداً عن الواقع، إذ يصعب أن يقوم هؤلاء المتطوعون بما عجزت عنه نخبة النظام العسكرية (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والقوات الخاصة). إن شهرين أو ثلاثة هي فترة غير كافية لتحويل مدنيين عاديين إلى قوات مختصة بحرب الشوارع، وذلك بغض النظر عن مستوى التدريبات والمدربين، أما إشارة البعض إلى « سوابق إيرانية ناجحة: منظمة بدر العراقية وحزب الله اللبناني.. »، فتبدو خارج السياق تماماً، إذ تهدر عوامل موضوعية كثيرة، أهمها عامل الزمن، فقد احتاجت إيران إلى عقود طويلة لتنجح في سوابقها المذكورة، كما أنها تتحرك الآن في بيئة مختلفة، وتحت ظروف مغايرة، والأهم: تحت ضغط شديد من الوقت الذي يوشك على النفاد.. وفي النهاية, فلا يكفي وجود يد إيرانية حتى يغدو (جيش الدفاع..) بعبعاً..

المسألة لا علاقة لها بحرب عصابات ولا بقتال شوارع، وكذلك هي أبعد من مجرد الحاجة إلى قوات رديفة.. إنها خطوة جديدة في الاستراتيجية البائسة التي اعتمدها النظام منذ البداية: تحالف الأقليات في وجه الأكثرية (السنية) التي تشكل خزان الثورة.

قراءة النظام لا تزال على حالها، فليس هناك ثورة شعبية ولا مطالب وطنية، بل جماعات متشددة تتمرد لأسباب مذهبية، وتلعب على عصبية تجمعها بالأكثرية الغالبة من السوريين، لذلك فلا بد من مجابهتها بعصبية مقابلة، عصبية أقلوية تجمع العلويين والمسيحيين والدروز والإسماعيليين..

منذ اليوم الأول للثورة، راح النظام يتحدث عن « فتنة طائفية ستدمر البلد »، وعملت آلة الشائعات المنظمة على نشر آلاف القصص عن « ذبح على الهوية »، و »ضحايا من الأقليات لا ذنب لهم إلا أنهم أبناء أقليات »، ولم يتوان بعض المسؤولين عن التحريض الطائفي المكشوف. مسؤول أمني أبلغ أعيان بلدة مسيحية في ريف دمشق أن (الدولة تحارب العصابات التي تستهدفكم وعليكم أن تحملوا السلاح لتساعدونا)!.. وهي عبارة يرجح أنها تكررت في بلدات مسيحية وعلوية ودرزية عديدة.. وعندما استقبل مسؤول بعثي كبير وفداً من الطائفة الدرزية، شرح لهم كيف يتوجب عليهم « الدفاع عن المادة الثامنة من الدستور التي تحميهم من الطغيان السني »!!

بهذا تم تمهيد الأرض لتسليح مناطق الأقليات عبر ما بات يعرف باللجان الشعبية.

لقد كانت اللجان الشعبية مجرد خطوة أولى، بروفة تدرب فيها بعض أبناء الأقليات على مجابهة مواطنيهم الثائرين. تعلموا إنشاء حواجز، وتفتيش المارين، وقنص المتسللين، والأهم: إشعار بيئاتهم بالخطر الداهم الذي يتهددها (الثورة)..

والآن جاءت الخطوة التالية: تحويل هؤلاء المتدربين، إلى ميليشيا أكثر تطوراً، بمهام أكبر ودور أشد خطورة. وتشير المعلومات إلى حقيقة ساطعة في هذا السياق، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية مقتل الكثير من عناصر اللجان الشعبية في بلدات ثائرة مجاورة لبلداتهم، مما يعني أن الحديث عن « الاكتفاء بحماية مدنهم وبلداتهم » هو مجرد تمويه، وأن المطلوب من اللجان (باسمها الجديد: جيش الدفاع الوطني) هو الانخراط في قمع الثورة في الجوار..

وكذلك من باب التمويه هو الحديث عن حلب وعن « تشكيل هذا الجيش من جميع المحافظات »، فالوقائع تشير إلى أن الكتلة الحقيقية لهذا الجيش هي من الأقليات الطائفية، مع قلة مختلفة تثبت القاعدة ولا تدحضها..

بهذا لا يكسب النظام بضعة آلاف من المقاتلين وحسب، بل الأهم أنه يكسب حاضنة شعبية من خمسة أو ستة ملايين سوري، وكذلك يضمن تحقيق نبوءته الكاذبة: « فتنة طائفية وليست ثورة »..

ها نحن نجاري النظام في نظرته، إذ نتحدث عن الأقليات وكأنها كتلة صماء، مشكّلة سلفاً وفق رغبة النظام ورؤاه، بلا طموحات خاصة ولا ردود فعل واعية، وهذا بالطبع يجافي الحقيقة.

إذا كان كثيرون من أبناء الأقليات قد استسهلوا الحياد السلبي، واستخفوا بالمشاهد المسرحية التي قدمتها اللجان الشعبية في مناطقهم، فإن الأمر صار مختلفاً الآن. إن (جيش الدفاع) سيخرجهم من حيادهم السلبي إلى معركة سيدفعون فيها ثمناً غالياً، ولذلك، وأمام هذا الاحتمال المكلف، فهم سيجدون أنفسهم مضّطرين إلى تشنيف آذانهم والإصغاء إلى ناقوس الخطر الذي تدقه المعارضة منذ وقت طويل، وإلى قراءة رسائل التحذير التي طالما وصلتهم دون أن يخطر لهم حتى مجرد فتحها.

source : http://www.hurrriya.com//news/main.aspx?id=issuetwentytwotwoone

04 شباط 2013

04/02/2013