حديث القاعدة – أحمد الشامي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 mai 2012
من حسن حظ الشيخ « أسامة بن لادن » أنه قد غادر دنيانا الفانية قبل أن يرى أي منزلق انزلقت منظمته « القاعدة » وكيف اصبحت « باب رزق » لكل طاغية يريد التمسح بالباب العالي في واشنطن.
هكذا « فرّخت » قاعدة الشيخ أسامة بن لادن ورفيقه الظواهري، « قواعد » ما أنزل الله بها من سلطان. من « القاعدة » التي استجار بها « صدام حسين » ولم تنجه، ٳلى قاعدة اليمن السعيد التي كان مفترضاً بها أن تيسر التوريث لابن « علي عبد الله صالح »، مروراً « بقاعدة » القذافي التي هدد بها قوات الناتو ومثلها « قاعدة » أخرى كان مفترضاً بها أن تتسلم السلطة في مصر المحروسة ٳن غاب عنها « حارسها » الكهل الطامع بتوريث ابنه، حسني مبارك.
كل هذه « القواعد » لا تعدو كونها « عدة شحاذة » يلجأ ٳليها كل زعيم مفلس يرجو التقرب من الحاكم بأمره في بلاد اﻷمريكان. الهدف هو أن يرق قلب ساكن البيت اﻷبيض ويتعاطف مع شريك له في المعاناة من اﻹرهاب القاعدي.
يحار المرء في معرفة أي من هذه « القواعد » هي تلك التي أسسها الشيخ أسامة، فكل نظام مزنوق « يفبرك » قاعدة على حسب الطلب ومنها من لا يبدأ بياناته بالبسملة ! من هذا المنطلق يجوز لنا أن نفترض أن هناك قاعدة « علمانية » وأخرى ملحدة وهلم جرا.
في فرنسا، ابتدع تاجر يهودي تونسي فكرة (الفرانشيز) ومؤداها أن يسجل براءة اختراع باسم تجاري ثم يبيع حق استعمال هذا الاسم لمن يرغب مقابل رسم سنوي وحصة من اﻷرباح، مثل « تاتي » وغيرها من الماركات المسجلة. بالعربية الكلمة اﻷقرب لهذا المفهوم هي « وكالة ». فهل قام الشيخ « أسامة بن لادن  » بتسجيل براءة اختراع باسم « القاعدة » وأعطى بها توكيلات ؟ هكذا نعرف من له الحق باستعمال هذا الاسم ومن هو متطفل على المصلحة.
على هذا المنوال لن يطول الزمن قبل أن نرى قاعدة « صنعت في الصين الشعبية » وأخرى « صنع يدوي » ولم لا « قاعدة اوكازيون ». أصبحت « القاعدة » مثل مطاعم الشاورما ودكاكين المقاومة.
هزلت.
آخر ابداعات موقع ديبكا الاستخباراتي اﻹسرائيلي هو ٳقناعنا أن هناك « قاعدة » أصلية وليست تقليد، لكنها من صنع أجهزة الاستخبارات السعودية والقطرية التي اتفقت ﻷول مرة في تاريخها ضد نظام الشبيحة في دمشق….
نظام اﻷسد من جهته أتحفنا بنظرية عبقرية مؤداها أن القاعدة التي تهاجمه هي صناعة أمريكية صهيونية بامتياز! لا بد أن عظام الشيخ « أسامة بن لادن » تتقلب في قبره البحري.
مناسبة الحديث هي تفجيرات دمشق اﻷخيرة التي قامت بها « قاعدة » بنت عالم وناس انتظرت ٳعلان نتائج انتخابات مجلس الشعب التصفيقي ونهاية عمليات الاقتراع. وباعتبار أنها « قاعدة » تفهم باﻷصول فهي قامت بتفجيراتها يوم الخميس لكي لا يتهمها أحد بالمزاودة على يوم الجمعة.
ضحايا هذه التفجيرات هم كالعادة من الدراويش الباحثين عن رزقهم وهم في أغلبيتهم الساحقة من السنة بمن فيهم حرس المقرات اﻷمنية الذين هم من العناصر التي ليس لها أي دور أمني وأغلبهم مجندون ٳلزاميون. ٳذا أخذنا بعين الاعتبار طائفة الضحايا الغالبة فيصح الاعتبار أن القاعدة التي أرسلتهم ٳلى دار البقاء تعود « للطائفة الكريمة ». « قاعدة علوية يعني… ».
المقرات التي استهدفت هي مقرات أمنية للنظام ولكنها ليست حساسة ﻷهل السلطة ولا تمس أياً من أفراد العائلة المالكة اﻷسدية أو حاشيتهم ولا تهدد بشيء استقرار النظام ولا أمن جلاوزته، عدا المنحوسين منهم. اﻷكيد أن لا بشار ولا ماهر ولا رامي أو أياً من أمثالهم سينالهم أي أذى بفعل هذه الانفجارات.
من الذي فعلها ٳذاً ؟ أي « قاعدة » هي المسؤولة عن تفجيرات دمشق اﻷخيرة ؟
ٳذا استثنينا المعارضة السورية المتهالكة وغير المنظمة والجيش السوري الحر « المعتر » والذي يفتقد للتسليح والتنظيم يبقى هناك ثلاثة خيارات منطقية.
اﻷول هو أن تكون هناك فعلاً منظمة « قاعدة » أصلية قد وصلت ٳلى سوريا بعد طول انتظار وبفضل « تساهل » أجهزة أمن اﻷسد.  حينها يجوز السؤال عن كفاءة أجهزة أمن لا تحمي البلد وعن أهداف هذه القاعدة وعن سبب استثنائها للمراكز العصبية الحقيقية للنظام وتجمعاته العسكرية وقطعان شبيحته و »تلهيها » بأهداف جانبية لا تقدم ولا تؤخر، عدا عن كلفتها المرتفعة بين المدنيين السنة وهم الحاضن المفترض لهذه القاعدة. هذا الاحتمال يبقى ممكناً ولو أنه مستبعد.
الاحتمال الثاني هو أن النظام السوري أو أطرافاً فيه قد قررت الذهاب في منطق « اﻷسد أو نحرق البلد » ٳلى غايته وأفلتت انتحاريين مهووسين سبق لها وأن جندتهم وأرسلتهم لسفك دماء السوريين العزل، من السنة خاصة ومن المسيحيين بشكل ثانوي. هذه الاستراتيجية تتفق مع أهداف النظام المعلنة في تصوير معاركه على أنها حرب على اﻹرهاب وتساعد في التفاف المواطنين حول النظام خوفاً من الفوضى والعرقنة، أو هكذا يظن المخططون لهذه التفجيرات.
ألم يهدد بشار اﻷسد بٳحراق دمشق حين التقى بتجارها ؟ صحيح أن هذه التفجيرات قد تنال من هيبة النظام ولكن هذه الهيبة قد فقدت الكثير منذ لعب أطفال الرستن الكرة « برأس » تمثال الرئيس الخالد حافظ اﻷسد.
الاحتمال الثالث هو أن للنظام اﻷسدي حسابات مفتوحة مع الكثيرين وأن فرصة تسديد بعض هذه الحسابات قد آن أوانها. فشرور نظام الشبيحة لم تترك بلداً مجاوراً ٳلا وطالته، باستثناء « العدو » اﻹسرائيلي طبعاً. ربما وجد أعداء اﻷسد الفرصة سانحة لتسديد بعض الضربات للنظام.
كيف ؟ عن طريق تفجيرات قد تزعج النظام لكنها تبدو كما لو كانت في مصلحته وكما لو كان هو الفاعل !
هي ٳذا رسائل ٳلى اﻷسد أنه ليس الوحيد القادر على العبث بأمن الآخرين. رأس النظام، الذي يعرف تماماً من يفجر ماذا، أصبح يعرفأن هناك لاعبين جدد قد تسللوا ٳلى ساحته وأنهم قد أتوا ليبقوا.
سوريا « اﻷسد » صارت ملعباً بعدما كانت تتباهى بأنها اللاعب اﻷكثر مهارة.
نشرت في بيروت اوبسرفرالخميس 17 أيار 2012