حرب الكل ضد الكل! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 juillet 2016

aburummanعشرات المواطنين هاجموا أول من أمس رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالحجارة، وحالوا دون أن يزور موقع التفجير الانتحاري في الكرادة ببغداد، والذي أدى إلى 300 شهيد ومصاب، فغادر المكان على وقع أصوات الغاضبين والمحتجين الذين يتهمون الحكومات العراقية بالحرص على المصالح الخاصة والأمن الشخصي، وبنهب البلاد وانتشار الفساد. وهي تهم لا تجافي الصواب، وفق التقارير الدولية والفضائح التي انتشرت مؤخراً.
تفجير الكرّادة يأتي وسط غليان شعبي بعيد تماماً عن المسألة الطائفية، مرتبط بالخلافات بين القوى الشيعية نفسها، بعد اتهامات وجّهها زعيم التيار الصدري للعبادي، وعلى وقع أزمات وخلافات شبيهة بين العبادي و »الحشد الشعبي » الذي لم يستطع العبادي كبح جماحه في الفلوجة، فنقلت أشرطة الفيديو مشاهد مريعة عن انتهاكات كبيرة وخطيرة ارتكبتها هذه المليشيات الطائفية.
في إدلب بسورية؛ اقتحمت « جبهة النصرة » أول من أمس مقر « جيش التحرير » الذي ينتمي إلى « الجيش الحرّ »، واعتقلت قائده وعشرات الأفراد. أمّا في درعا، فالاشتباكات والخلافات الحادّة بين تنظيم « داعش » (جيش خالد بن الوليد) والفصائل المسلّحة الأخرى أدت إلى قتل العشرات، بالتوازي مع خلافات تتحول إلى مواجهات في أحيان بين فصائل من الجيش الحرّ وأهال في بعض المناطق في ريف درعا.
ما سبق هو نموذج لأخبار اليومين الماضيين فقط. صحيح أنّ المسألة الطائفية هي العنوان البارز اليوم لما يحدث في المنطقة، وهي الشبح الذي يهدد السلم الأهلي والاجتماعي ويضع مستقبل المنطقة على شفا الهاوية. لكن من قال إنّ مشكلتنا هي فقط في الطائفية! فهناك اليوم حروب سياسية مشتعلة في الأوساط الشيعية، وخلافات عميقة، وحالة من التذمر والتململ الكبيرة في أوساط الشعب العراقي ضد القوى السياسية الحاكمة. والحال كذلك لا تختلف فيما يخص القوى السنية العراقية والسورية، والخلافات أيضاً بين أجندات الدول العربية نفسها في سورية واليمن.
أمّا تنظيم « داعش »، فهو لا يستهدف الشيعة وحدهم، وأولويته ليست الأقليات الدينية، بل قبل هؤلاء جميعاً يستهدف السُنّة. وإحدى الاستراتيجيات المعتمدة لدى التنظيم « رصاصة واحدة في رؤوس الصليبيين و9 رصاصات في رؤوس المرتدين »؛ أي إنّه في الوقت الذي يستغل فيه المسألة الطائفية، فإنّه يعتبر المخالفين السُنّة (الذين يصفهم بالمرتدين) أشدّ خطراً عليه.
لا تخرج أجندات الدول الإقليمية عن هذا الواقع الملتبس المعقّد. ففي منبج، يقاتل جيش سورية الديمقراطية، المدعوم أميركياً وعربياً، وحتى تركياً، تنظيم « داعش »، لكن على الطرف الآخر، يتمتع هذا الفصيل نفسه بعلاقات قوية وقناة خلفية مع النظام السوري.
في ليبيا، يدعم الغرب قوات « البنيان المرصوص » في مواجهة « داعش » في سرت، وهي قوات تشكلت لهذه المهمة، وأحد أبرز روافدها قوات « فجر ليبيا » المقرّبة من الإخوان مع فصائل إسلامية أخرى، يتحالفون مع المجلس الرئاسي المسيطر على طرابلس ومدن أخرى. بينما يدعم العرب اللواء خليفة حفتر، الذي تدعمه الدول العربية التي تعتبر جماعة الإخوان حركة إرهابية!
التوصيف الأكثر دقّة لما يحدث في المنطقة العربية يتجاوز المسألة الطائفية، على خطورة قدرها، إلى وصف آخر هو حرب « الكل ضد الكل ». وهذا الوصف يعود للمفكر الإنجليزي المعروف توماس هوبز، الذي عاش في القرن السابع عشر، في مرحلة الاضطراب والحرب الأهلية الانجليزية، فوضع كتابه المعروف « Leviathan »، الذي ينظّر فيه لعقد اجتماعي يؤدي إلى نظام مستبد بوصفه أفضل من الفوضى السابقة.
بالطبع، هذه المفاضلة بين الاستبداد والحروب الداخلية والفوضى هي التي أرادت أن تصل إليها الأنظمة العربية التي تؤمن بالعقد الاجتماعي لهوبز، وليس لجان لوك الذي أسس للدولة الديمقراطية. لكن المهم أنّ « حرب الكل ضد الكل » هي السيناريو الذي يحكم تفكك الدول وانهيارها!