حرب « جنيف2 » الروسية – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 15 février 2014

بمعدل غير مسبوق من القتلى على يد قوات نظام بشار الأسد، بلغ 230 ضحية يومياً، منذ انطلاق الجولة الأولى لمفاوضات « جنيف2 » في 22 كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى ما قبل اختتام الجولة الثانية أمس؛ يبدو واضحاً أي حرص لدى هذا النظام وداعميه على سورية وشعبها، والسعي فعلاً، بالتالي، إلى إيجاد نهاية للمأساة السورية التي توشك أن تدخل عامها الرابع.
حتماً كان الفشل الكامل الذي يواصل « جنيف2 » المراوحة فيه، نتيجة متوقعة تماماً. وأبسط المؤشرات الأولية على ذلك أنه بافتراض أن الأمور ما تزال بيد النظام حتى الآن، وليس بيد الروس والإيرانيين، وأنه كان يبحث فعلاً عن حل ما، فقد كان الأولى به تشكيل وفده إلى « جنيف2 » من قادة أجهزته الأمنية أساساً، وربما بعض أجهزته العسكرية (وحتى من قادة شبيحته)، كون هؤلاء من يحكمون سورية فعلياً منذ عقود، فيملكون وحدهم القرار فيها، وليس أي مسؤول آخر بغض النظر عن مسماه الوظيفي.
لكن الحقيقة هي أن مفاوضات « جنيف2 » إنما كانت حرباً روسية إعلامية ليس إلا. وقد سعت موسكو من وراء زج نظام الأسد فيها إلى تحقيق هدف وحيد، يتمثل في نزع أي شرعية عن وفد « الائتلاف الوطني » الذي يفتقر ابتداء وفعلاً إلى صفة التمثيل الشامل للمعارضة السورية؛ لاسيما « هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطية » المعبرة إلى حد كبير عن معارضة الداخل. وهو هدف كان سيسمح للروس بكسب مزيد من الوقت في دعم النظام لمواصلة حربه على الشعب؛ قتلاً وتجويعاً واعتقالاً وتعذيباً.
لكن وفقاً لكثير من التقييمات المحايدة، فقد خسر النظام الجولة الأولى من هذه الحرب الإعلامية. بل ويمكن استنتاج إقرار النظام ذاته بهذه النتيجة من خلال لجوئه إلى شن حملة إعلامية شعواء، أصالة وعبر وكلاء، على المعارضة السورية غداة اختتام الجولة الأولى من مفاوضات « جنيف2 ». يُضاف إلى ذلك تردده، بخلاف وفد « الائتلاف »، بشأن حضور الجولة الثانية من المفاوضات.
ويمكن القول إن الجولة الثانية قد انتهت إلى النتيجة ذاتها من فشل النظام، لاسيما مع تقديم « الائتلاف » خطة للمرحلة الانتقالية، تتضمن إخراج المقاتلين الأجانب من سورية، والذين يريقون، أسوة بالنظام، دماء السوريين؛ أكان هؤلاء المقاتلون من « داعش » أم من مليشيا حزب الله اللبناني و »عصائب الحق » و »أبو الفضل العباس » العراقيتين وسواها. هذا فيما يتمسك النظام بمصطلح « الإرهاب » الذي يتسع، وفق تصريحات كل مسؤولي النظام، ليشمل الشعب السوري مجتمعاً، باستثناء الحلقة الأضيق المفيدة مباشرة للنظام والمستفيدة منه بالمقابل.
إزاء ذلك، يبدو منطقياً ابتداء أن لا يكون وفد المعارضة السورية المبادر إلى الانسحاب من مفاوضات « جنيف2 » وإن كانت عبثية فعلاً بنتائجها على الأرض في ظل الحماية الروسية غير المشروطة لنظام الأسد. لكن في مقابل ذلك، فإن على هذه المعارضة استثمار المفاوضات، في حال وجود جولة ثالثة، لنزع الشرعية عن الدور الروسي في استمرار المأساة السورية. ومثل هذا الأمر يمكن تحقيقه فقط من خلال توسيع مظلة وفد المعارضة الممثلة في « جنيف2 » باستقطاب معارضة الداخل تحديداً؛ إن لم يكن بالحضور الفعلي، فبالتأييد الرسمي العلني لخطوات « الائتلاف » المتوافق عليها قبل الجولة المقبلة، إن عٌقدت. وعندئذ لن تملك روسيا إلا سحب تأييدها لقتل الشعب السوري وتدمير وطنه، أو الإقرار بأن هذا القتل والتدمير هما هدفاها النهائيان فعلاً.