حركات المعارضة السورية (1963- 2013) – آرام الدمشقي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 mars 2013

حركات المعارضة السورية (1963- 2013)

 

آرام الدمشقي

 

(قد أختلف معك بالرأي …. لكني على استعداد

لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في الدفاع عن رأيك)

من كتاب (أصدقاء فولتير)

لإيفلين بياتريس هول

مقدمـــة:

 

قبل الدخول في صلب موضوعنا، لابد من إعطاء فكرة عن طبيعة النظام الذي بدأ بالتشكل في سوريا منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 والتصفيات الداخلية المتكررة التي جرت ضمنه، إذ أن أطيافا متعددة من المعارضات التي ظهرت خلال الفترة المعنية كانت نتيجة مباشرة لتلك التصفيات، فكل فصيل أو رمز من رموز السلطة تمت إزاحته عن مواقعه انقلب بالضرورة إلى فصيل و/أو رمز معارض، هذا طبعاً إلى جانب فصائل وشخصيات أخرى عارضت الانقلاب ووقفت ضده منذ البداية.

 

قام بتنفيذ انقلاب الثامن من آذار 1963 مجموعة ضباط من ذوي الرتب العسكرية المتدنية، من مشارب سياسية محسوبة على حزب البعث ومن ناصريين، واختاروا واجهة لهم ضباطاً من ذوي الرتب العالية، من غير البعثيين، هم زياد الحريري (مستقل – صهر أكرم الحوراني) الذي كان يشغل آنذاك منصب قائد الجبهة السورية مع إسرائيل « جبهة الجولان قبل احتلاله عام 1967 » وراشد قطيني (ناصري) رئيس المخابرات العسكرية ومحمد الصوفي (ناصري) قائد لواء حمص. ([1])

كما أعلن صانعوا الانقلاب عن واجهته السياسية أنه جاء رداً على انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة وبأنهم، كوحدويين، عازمون على إعادة الوحدة مع مصر تحت شعار « الثامن من آذار مولد فجر وحدوي أصيل ».

مع التنويه بأن عدد الأعضاء العاملين في حزب البعث عشية الثامن من آذار 1963 كان أكثر قليلاً من 400 عضو ([2])

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن قيادة حزب البعث المدنية لم تشارك بالانقلاب ولا عملت على التخطيط له، بل أن ميشيل عفلق، عندما تناهى إليه نشاط مجموعة الضباط تلك، حذر من « مغامرة مجهولة العواقب »، لكن اللجنة العسكرية الخماسية، وبعد نجاح الانقلاب، استدعت قيادة الحزب المدنية كي تكون واجهتها السياسية بسبب جهلها بمتاهات السياسة السورية ولافتقارها إلى قاعدة حزبية وتنظيم بعثي خارج الجيش، وأيضاً لحاجتها الملحّة لفتح خطوط اتصال مع القيادة القطرية لحزب البعث في العراق التي أعلنت إخلاصها لقيادة عفلق – البيطار. ([3])   

كانت النواة الصلبة لبعثيي الانقلاب مؤلفة من أعضاء اللجنة العسكرية الحزبية « اللجنة الخماسية » التي تم تشكيلها في مصر أثناء فترة الوحدة بهدف إحياء تنظيم حزب البعث الذي قامت قيادته المدنية بحله عام 1958 امتثالاً لطلب عبد الناصر كشرط لقيام الوحدة، لكن هذه اللجنة لم تكن عملياً جزءاً عضوياً في الحزب.

عن هذه اللجنة الغامضة التي تحكمت بمصير سوريا منذ العام 1963 ولا تزال، رغم وفاة كل أعضائها، يتحدث محمد حيدر، عضو القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث التي قادت الحركة التصحيحية عام 1970 ونائب سابق لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قائلاً:

(الفصل الأول – اللجنة الحزبية العسكرية

تكونت هذه اللجنة في مصر، أثناء حكم الوحدة، وقامت بين ضباط حزبيين كانوا قد ُنِقلوا إلى مصر بعد أن بدأت العلاقات « البعثية/الناصرية » تدخل دائرة الشك والريبة، وقد اختلفت الأقاويل حول أسماء أعضائها المؤسسين، إلا أن الرواية التي تكررت من أكثر من مصدر وعلى لسان الرئيس « حافظ الأسد » نفسه أكدت أن هذه اللجنة تكونت أساساً بين خمسة من الضباط كانوا هم المؤسسين، وانضم إليهم على فترات مختلفة وتحت عناوين وتسميات مختلفة، ضباط آخرون إلا أن هؤلاء الضباط الخمسة ظلوا هم المسؤولين الرئيسيين عن قيادة هذه اللجنة والتخطيط لها، إلى أن وقع انقلاب « الثامن من آذار/1963 » واستلم الجيش الحكم باسم حزب البعث العربي الاشتراكي.

فاللجنة الحزبية العسكرية هي الاسم الذي أطلقه الضباط الخمسة على أنفسهم وهم يقومون بإعادة تنظيم الحزب داخل القوات المسلحة السورية، بادئين بالضباط الحزبيين الذين كانوا معهم في مصر. وهذه اللجنة كانت النواة لما سمي فيما بعد باسم الضباط الأحرار الذين أعدوا لانقلاب « 8 آذار/1963 » ولما سمي صبيحة « 8 آذار/1963 » مجلس قيادة الثورة. ثم بقي أفراد هذه اللجنة مجتمعين ومتفرقين، مختلفين ومتفقين، عموداً فقرياً لنظام الحكم الذي قام في سورية على أنقاض ما كان يسمى « حكم الانفصال ».

منذ /1963/، وهؤلاء الخمسة في اجتماعهم وتفرقهم وفي اتفاقهم واختلافهم يتحملون قدراً كبيراً من المسؤولية التاريخية عن كل ما حصل في سوريا وفي حزب البعث العربي الاشتراكي خلال هذه المرحلة من حياة القطر السوري، كما يتحملون قسطاً كبيراً من مسؤولية ما حصل في الوطن العربي كله.

 

فمن هم هؤلاء الضباط الخمسة الذين شكلوا اللجنة الحزبية في القوات المسلحة وأخذوا على عاتقهم إعادة تنظيم صفوف الحزبيين في الجيش العربي السوري منطلقين من الإقليم الجنوبي حيث كانوا يتواجدون هم وعشرات العسكريين الحزبيين الذين ُنِقلوا من الإقليم الشمالي « سورية » إلى الإقليم الجنوبي « مصر » بعد اختلاف الحزب مع نظام « عبد الناصر » واستقالة الوزراء البعثيين من الحكم، ثم أكملوا مهمتهم بعد انفصال سورية عن مصر من خلال تنظيم الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب « 8 آذار/1963″؟

إنهم بحسب تسلسل رتبهم العسكرية آنذاك:

أولاً: المقدم « محمد عمران » من قرية « المخرَّم » التابعة لمحافظة حمص.

ثانياً: الرائد « صلاح جديد » من قرية « دوير بعبده » التابعة منطقة جبلة، محافظة اللاذقية.

ثالثاً: الرائد « أحمد الأمير » من مدينة مصياف التابعة لمحافظة حماه.

رابعاً: النقيب « حافظ الأسد » من قرية القرداحة التابعة منطقة جبلة، محافظة اللاذقية.

خامساً: النقيب « عبد الكريم الجندي » من مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماه.

وهؤلاء الضباط الخمسة، ليسوا أبناء دورة عسكرية واحدة وليسوا أبناء سلاح واحد في القوات المسلحة، كما أنهم ليسوا أبناء جيل واحد في الدراسة الثانوية والإعدادية في مرحلة ما قبل الجندية، وليسوا أبناء محافظة واحدة وربما عرف بعضهم البعض في مصر حيث كانت مراكز أعمالهم.

« أقول ربما لأنني غير متأكد من صحة هذا الافتراض ».

وهؤلاء الضباط الخمسة لم ُتسمِّهم قيادة الحزب ولم تكلفهم بالمهمة التي انتدبوا أنفسهم إليها بل على العكس من ذلك، فقد عملوا من وراء ظهر القيادة وبدون علمها وبدون موافقتها أيضاً، كما صرح الكثيرون من المقربين منهم، والكثيرون من المقربين من القيادة.

وهم لم يُنتَخبوا من أي مؤتمر، ولم تخترهم أية مؤسسة حزبية أعلى أو أدنى، ثم أنهم لم يكونوا أصحاب أعلى المراتب العسكرية بين الحزبيين في الجيش العربي السوري، ولا حتى بين الحزبيين من الضباط السوريين الموجودين في الإقليم الجنوبي « مصر ».

فكيف تم اختيارهم لبعضهم؟

وكيف وثقوا ببعضهم على قلة ما بينهم من قواسم مشتركة وقبلوا التنطح لمهمة قد تودي بهم إذا كُشِف أمرهم؟

وهل هم فعلاً اختاروا بعضهم؟ أم أن غيرهم هو الذي اختارهم؟

وإذا كانوا هم الذي اختاروا بعضهم فعلى أية أسس بُني هذا الاختيار؟

وإذا كانوا مُختارين من غيرهم فمن هو هذا الغير؟

إن هذه الأسئلة جميعها لا أملك لها أجوبة يقينية ولا أريد أن أثير الشبهات ضد أحد بالظن والتخمين.) ([4])

 

بعد نجاح الانقلاب، ومع عدم إغفال استيلاء حزب البعث على السلطة في العراق قبل شهر واحد فقط من انقلاب 8 آذار، أي يوم 8 شباط 1963، عبر انقلاب دموي على حكم عبد الكريم قاسم، الأمر الذي كان له أثره الكبير في تمكين بعثيي الانقلاب السوري من حسم الصراع الداخلي الذي سينشب لاحقاً بينهم وبين ناصريي الانقلاب لصالحهم، وقد تم ذلك عبر دخول البلدان الثلاثة « سوريا والعراق ومصر » في ما سمي آنذاك بمحادثات الوحدة الثلاثية التي كانت تهدف إلى قيام وحدة بين هذه الدول الثلاثة ، لكنها كانت فعلياً تسعى إلى كسب الوقت كي يتمكن بعثيو الانقلاب السوري من تدعيم وجوده الهش في السلطة والجيش، ولاحقاً من تصفية شركائهم الناصريين. ([5])

وقد تم لهم ذلك أخيراً يوم 18 تموز 1963 إثر محاولة انقلابية فاشلة قادها العقيد الناصري جاسم علوان، كانت قد تمت بتحريض من ضباط محسوبين على ناصريي الانقلاب لكنهم كانوا يعملون لحساب اللجنة العسكرية، فعندما تحركت مجموعات الناصريين للقيام بانقلابها كانت خططهم وأماكن تحركهم مكشوفة بالكامل بحيث تمكنت القوات التابعة للجنة العسكرية من صدهم واصطيادهم عبر مجزرة شهيرة، الأمر الذي أتاح لهم التفرد الكامل بالسلطة.

يتحدث محمد حيدر عن تلك الأجواء والمكائد قائلاً:

(…اكتشفت قيادة قطر العراق – إن لم يكن هذا الأمر مقرراً لها قبل الحكم – أنها متلاقية في إستراتيجيتها القائمة على الاحتفاظ بحكم العراق والانفراد به مع إستراتيجية اللجنة الحزبية العسكرية السورية القائمة على الاحتفاظ بحكم سوريا والانفراد به أيضاً، وليس مع إستراتيجية القيادة القومية للحزب التي كانت حتى في سلوكها العملي أكثر وحدوية – على قلة وحدويتها – من إستراتيجية اللجنة الحزبية العسكرية، وقد استفادت الجهتان « القيادة العراقية واللجنة العسكرية السورية » من انفصالية عبد الناصر وإقليميته واشتراطاته على الوحدة وتآمره على البعثيين في القطرين ورفعت كلتاهما شعار الوحدة الاتحادية الثلاثية، لا لكي تحققها وإنما لتهرب من تحقيق شعار وحدة العراق وسوريا حيث يحكم الحزب في القطرين..). ([6])

 

بعد أن دان حكم سوريا للجنة العسكرية بدأت ملامح النظام الجديد بالبروز: فرغم الواجهات المدنية والعسكرية المتعددة التي برزت أسماؤها كحكام للبلاد، كانت السلطة الفعلية معقودة لها، لكن من خلف ستار تلك الأسماء التي كان يجري تداولها، حتى أن محمد حيدر لم ير في أي واحد منهم ما يستحق ذكره كحاكم فعلي للبلاد، فقد اعتبر أن سلطة حزب البعث في سوريا قد مرت بمراحل ثلاث: مرحلة محمد عمران التي بدأت بانقلاب الثامن من آذار 1963 وانتهت بانقلاب 23 شباط 1966 ثم مرحلة صلاح جديد التي بدأت يوم 23 شباط 1966 وانتهت يوم 16 تشرين الثاني 1970 ثم مرحلة حافظ الأسد التي بدأت يوم 16 تشرين الثاني 1970 ولا زالت مستمرة إلى يومنا هذا. ([7])

 

حركات المعارضة السورية في الفترة ما بين 1963 و1970:

 

يمكن تصنيف المعارضة السورية ضمن فترة التصفيات المتعاقبة التي حدثت في تلك الفترة على الأسس التالية:

1-    البورجوازية الكلاسيكية السورية: (الدمشقية والحلبية أساساً) التي فقدت مواقعها السياسية والاقتصادية نتيجة الوحدة مع مصر، ثم راودتها أحلام استعادة مواقعها غداة حدوث الانفصال، لكنها تلاشت نهائياً مع انقلاب الثامن من آذار، هذه البورجوازية الممثلة سياسياً في الحزبين، الوطني والشعب، وبعض الشخصيات المستقلة كخالد العظم مثلاً. هؤلاء، رغم شعبيتهم، لم تكن لهم قواعد شعبية منظمة كما لم يكن لهم تنظيم حزبي، بحكم أنهم كانوا يمثلون نخباً مدينية تقليدية، تجارية وصناعية وإقطاعية، كما أن تأثيرهم في الجيش تضاءل ثم اضمحل بحكم تسريح كل الضباط المحسوبين عليهم سواء في عهد الوحدة أم مباشرة بعد انقلاب الثامن من آذار. لكل هذا لم تكن لمعارضتهم أثر يذكر ولا تمكنوا من القيام بأي فعل سوى أن معظمهم أُجبر على مغادرة البلاد، أو اختار ذلك طوعاً، وعمدوا إلى الاستقرار في بلدان أخرى كلبنان والأردن والسعودية وبعضهم اختار أوروبا وأميركا.  

2-    الناصريون: الذين انقلبوا إلى صف المعارضة بعد أن تمت إزاحتهم كلياً عن السلطة إثر محاولة انقلاب جاسم علوان الفاشلة في 18 تموز 1963، مع أن انقلاب الثامن من آذار كان بالأساس ناصرياً بحكم أن معظم الضباط المشاركين به كانوا منهم، كما أن الهدف المعلن للانقلاب كان يتمثل في عودة الوحدة مع مصر.

أما التنظيمات الناصرية التي كانت موجودة على الساحة السياسية السورية عشية 18 تموز 1963 فقد كانت تتوزع على أربعة: الاتحاد الاشتراكي العربي (سامي صوفان) والجبهة العربية المتحدة (نهاد القاسم) والوحدويين الاشتراكيين (سامي الجندي) والقوميين العرب/فرع سوريا (هاني الهندي وسامي وجهاد ضاحي).

اندمجت هذه التنظيمات الأربعة لاحقاً في العام 1964 تحت ضغط من مصر، في تنظيم واحد أطلق عليه اسم الاتحاد الاشتراكي العربي- فرع سوريا، تيمناً بالتنظيم السياسي الذي أسسه عبد الناصر في مصر تحت نفس الاسم وأسندت أمانته العامة أولاً إلى نهاد القاسم ثم لاحقاً إلى جاسم علوان، الذي تم ترحيله إلى مصر، نتيجة وساطات متعددة من زعماء عرب، بعد أن كان قد اعتقل إثر محاولته الفاشلة. بذلك أصبح الثقل الرئيسي لتنظيم الاتحاد الاشتراكي الوليد متمركزاً في مصر ونواته هم اللاجئون السياسيون السوريون الذين فروا إليها بعد فشل محاولتهم الانقلابية. ([8])

كان الجناح الأقوى والأكثر فعالية على الأرض هم القوميون العرب، التابعون للتنظيم القومي للحركة التي أسسها جورج حبش في لبنان، والتي كان قوامها التنظيمي مماثلاً لحزب البعث من حيث وجود قيادة قومية وقيادات قطرية في كل قطر كان لها فيه تواجد. كانوا يتميزون بانضباطية حزبية عالية، ثم ما لبثوا أن انشقوا عن الاتحاد الاشتراكي العربي/فرع سوريا واستأنفوا نشاطهم المعارض في سوريا بشكل مستقل عن الاتحاد. لكنهم تعرضوا إلى ملاحقات شرسة وتصفيات جسدية، كما أن أمينهم العام القومي جورج حبش تم اعتقاله في سجن الشيخ حسن الشهير ثم جرى تهريبه منه، وفي النهاية انحسر وجود التنظيم على الساحة السورية بعد جملة الملاحقات والتصفيات المشار إليها وبعد أن شكّل جورج حبش الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحصر نشاطه ونشاط حركته في الساحة الفلسطينية إثر معركة الكرامة الشهيرة بين الفدائيين الفلسطينيين والقوات  الإسرائيلية. ([9])

كان أفول نجم حركة القوميين العرب في سوريا، كتنظيم معارض، قد استكمل في العام 1968، لكن بقي الاتحاد الاشتراكي العربي (نهاد القاسم ثم جاسم علوان ثم جمال الأتاسي ولاحقاً حسن إسماعيل عبد العظيم) موجوداً على الساحة وإن بفعالية وتأثير محدودين خاصة بعد وفاة عبد الناصر وتسوية أوضاع اللاجئين السياسيين السوريين في مصر عام 1972، تلك التسوية التي تمت بين نظام السادات ونظام الحركة التصحيحية، حيث عادوا إثرها إلى سوريا، دون أن يحق لهم ممارسة أي دور سياسي.

تعرض أيضاً جناح الاتحاد الذي كان موجوداً في سوريا إلى ملاحقات واعتقالات متكررة خلال فترة السبعينيات من القرن المنصرم، الأمر الذي أدى إلى محدودية دوره وانكماشه، لكنه ظل موجوداً على الساحة وإن رمزياً.

 

3-    نتيجة للتصفيات والملاحقات التي تعرض لها الحزب السوري القومي الاجتماعي غداة اغتيال عدنان المالكي عام 1955، تلك التصفيات والملاحقات التي كان وراءها حزب البعث بشكل أساسي، لم يكن للحزب السوري القومي من دور مؤثر في المشهد السياسي السوري بعد 8 آذار 1963، وقد حاولت اللجنة العسكرية استمالتهم عبر إطلاقها لسراح بعض أعضاء الحزب المحكومين بالسجن المؤبد إثر اغتيال المالكي، منهم محمد مخلوف شقيق زوجة حافظ الأسد وفؤاد جديد شقيق صلاح جديد، وإعادة بعض الضباط المحسوبين على الحزب إلى الخدمة العسكرية، لكن ذلك تم على أسس مذهبية، ولذلك لم يكن لهذه المبادرات من تأثير على الصعيد السياسي. ([10])   

4-    لم يتخذ الشيوعيون السوريون، وكانوا غداة 8 آذار لا زالوا يشكلون فصيلاً واحداً لم يدخل في دوامة الانقسامات بعد، موقفاً واضحاً من النظام الجديد الذي بدأ بالظهور على مسرح الحدث السوري، وإن كانوا أقرب إلى دعمه بحكم تبنيه « للاشتراكية العلمية واعتباره الصراع الطبقي مبدأً رئيسياً في الارتقاء الاجتماعي » خلال مؤتمر حزب البعث القطري (أيلول 1963) والمؤتمر القومي السادس(تشرين الأول 1963)، لكن علاقتهم به تأثرت سلباً بعد قيام الوحدة الاقتصادية في آب 1963، ثم العسكرية في تشرين الأول 1963 مع البعث العراقي وإرسال لواء سوري بقيادة فهد الشاعر إلى العراق للمساعدة في قمع تمرد الأكراد وفلول الشيوعيين، لكنها عادت وتحسنت بعض الشيء عقب انقلاب الثالث والعشرين من شباط 1966 الذي أتى إلى الحكم بمجموعة القيادة القطرية ذات التوجه اليساري والتي عملت على تحسين علاقات سوريا مع الاتحاد السوفييتي، ما سمح لأمين الحزب الشيوعي العام خالد بكداش بالعودة إلى سوريا بعد سنوات ثمان قضاها خارجها منفياً، وبتعيين أول وزير شيوعي في عهد البعث في حكومة يوسف زعين (سميح عطية وزيراً للمواصلات). ([11]) 

 

5-    تنظيم الإخوان المسلمين: قام التنظيم بحل نفسه فعلياً امتثالاً لشرط عبد الناصر، لكنه لم يُظهر تأييداً حماسياً للوحدة مع مصر، كما لم يعارضها، وأيضاً لم يوقع وثيقة الانفصال، ولاحقاً شارك بفعالية في الحياة السياسية أثناء فترة الانفصال، ثم وقف موقفاً معارضاً لانقلاب الثامن من آذار.

كانت معارضة الإخوان للنظام الجديد هي الأبرز والأنشط بين أطياف المعارضة الأخرى من حيث توفر قاعدة شعبية للتنظيم وبحكم ارتداء النظام الجديد لبوساً علمانياً، ذلك اللبوس الذي بدأ يتخذ طابعاً طائفياً إثر عمليات التسريح الجماعية التي كانت تتم للضباط السنّة في الجيش وإحلال ضباط من الأقليات العلوية والدرزية مكانهم وأيضاً بسبب صدور نسخة منقحة من قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم والمصادرات التي اتخذت طابعاً ريفياً « ثأرياً » تجاه نخب البورجوازية المدينية، السنيّة بشكل أساسي، غير تلك التي صدرت خلال فترة الوحدة والتي كان طابعها العام « اقتصادياً وإيديولوجياً »، لم يستهدف شريحة أو طائفة بذاتها من المجتمع السوري.

 

بينما كانت المظاهرات والإضرابات والاعتصامات المناوئة للنظام الجديد في الفترة الأولى التي أعقبت فشل محادثات الوحدة الثلاثية تتخذ طابعاً وحدوياً ناصرياً واضحاً، إلا أنها، ومنذ نيسان 1964 بدأت تنحو منحىً طائفياً بعد أحداث بانياس الدموية بين سنّة وعلويين وامتداداتها إلى كل من حمص وحلب ومن ثم شمولها كل سوريا عبر إضرابات ومظاهرات شاركت فيها شرائح كبيرة من صغار ومتوسطي التجار إضافة إلى الطلاب والمعلمين والمهندسين والعمال والمحامين والموظفين حيث طالبوا بإطلاق الحريات العامة وسراح المعتقلين السياسيين وإنهاء حالة الطوارئ وعودة الحياة الديموقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة.

شاركت في هذه الأحداث كل القوى المعارضة للنظام من ناصريين وإخوان مسلمين، كل من دوافعه الخاصة، كما كان لجماعة أكرم الحوراني مساهمتها أيضاً، لكن بشكل محدود جداً لأنهم لم يقبلوا بأن يتحركوا جنباً إلى جنب مع « الإخوان والقوى الطائفية والرجعية في سوريا » بشكل مكشوف.

تصدت السلطة للأحداث التي عصفت بالبلاد بشكل قمعي كثيف عبر ميليشياتها المدنية المسلحة، وخاصة الحرس القومي بقيادة إبراهيم العلي وميليشيا العمال بقيادة خالد الجندي كما شارك الجيش بفعالية أيضاً حيث حدثت مواجهات مسلحة وقُصفت مدينة حماه للمرة الأولى بسلاح المدفعية، كما عمل تنظيم خالد الجندي على قمع الانتفاضة بقوة السلاح وخص بقمعه الشديد الإخوان المسلمين ما ساهم في إخمادها وفي حماية النظام.

أفرزت هذه الانتفاضة القطيعة البائنة بين النظام وبين الإخوان المسلمين، كما عززت طروحات الأخوان عن الطبيعة الطائفية الأقلوية للنظام.

برهنت هذه الانتفاضة أيضاً على « عزلة النظام السياسية الرهيبة » كما اعترف بذلك عفلق فيما بعد، لكنه خرج  منها منتصراً. بيد أن هذا الانتصار كانت له نتائجه على تماسك أطرافه وكانت أولى تلك النتائج هي انتهاء (أو إنهاء) أي دور لمدنيي الحزب التاريخيين في السلطة ومن ثم خروجهم منها، وهذا أدى إلى بروز عسكريي اللجنة الخماسية، الحكام الفعلين للبلاد منذ انقلاب الثامن من آذار، إلى الواجهة بعد أن أضحت الواجهة المدنية التي سبق لهم واستحضروها، عبئاً سياسياً عليهم…كما أنهم لم يعودوا بحاجة إليها. ([12])

    

6-    تنامت الخلافات ضمن اللجنة العسكرية الحاكمة بعد إقصاء القيادات التاريخية للحزب وتمحورت حول توازع الصلاحيات بين القيادتين القومية والقطرية.

أصرت القيادة القومية، ممثلة بميشيل عفلق وصلاح البيطار ومنيف الرزاز، بدعم من أحد أعضاء اللجنة العسكرية « محمد عمران »، ومستندة إلى النظام الداخلي للحزب، على أن تكون لها اليد العليا في كافة القرارات التي ترسم سياسة البلاد، فيما رفضت القيادة القطرية هذا التوجه واعتبرت أن السياسة « القطرية » يجب أن ترسمها قيادة كل قطر وبأن القيادة القومية يجب أن ينحصر دورها في الشؤون والقضايا ذات الطابع التنظيمي البحت للحزب وفي تحقيق التواصل بين القيادات القطرية في كل بلد بما يخدم المنطلقات النظرية التي رُسمت سابقاً في المؤتمر القومي السادس.

(ذهب محمد عمران بعيداً في تأييده للقيادة القومية بحيث أنه كسر قَسَم السرية الذي حمى اللجنة العسكرية منذ تأسيسها، فقد اجتمع مع عفلق وقيادته وأفشى لهم كافة أسرار اللجنة وبأنها الحاكم الفعلي للبلاد، كما شرح لهم ظروف نشأتها ومَن فيها وكيف خططت وعملت للسيطرة على الحزب والدولة والجيش…إلخ، فكانت مكاشفة عمران بالنسبة لعفلق تأكيداً على بعض ما يعرفه وما كان يشك به. أما بالنسبة لأعضاء القيادة القومية الآخرين وخاصة من غير السوريين، فقد كان حديث عمران صدمة. وما أن وصل خبر تعاون عمران مع قيادة عفلق إلى أعضاء اللجنة العسكرية حتى رأوا في الخطوة خيانة، واتخذت القيادة القطرية قراراً بتجريده من مناصبه الحزبية والحكومية وإرساله سفيراً لسوريا في مدريد بعدما أصبح محسوباً على القيادة القومية، وكان عمران قائداً لقوة عسكرية استحدثتها اللجنة باكراً ذلك العام لقمع الشغب، فسلمت لواءها لشقيق حافظ الأسد الصغير رفعت « نمت هذه القوة لاحقاً لتصبح سرايا الدفاع ». لكن القيادة القومية، بعد أن قامت بحل القيادة القطرية، استدعت عمران من مدريد وعينته وزيراًً للدفاع في حكومة يرئسها صلاح البيطار). ([13])

 

كان جوهر هذا الخلاف إذن هو صراع على السلطة، ما لبث عسكريو مجموعة القيادة القطرية أن حسموه لصالحهم بقوة السلاح عبر حركة 23 شباط 1966 التي أقصت كل الرموز المدنية والعسكرية للجناح الآخر الذي كان يعمل تحت مسمى مجموعة القيادة القومية.

أدى هذا الحسم العسكري إلى بروز مجموعة جديدة من المعارضة (هي مجموهة القيادة القومية)، لكنها لم تكن تملك رصيداً شعبياً ولا قدرة على الحركة في الداخل، ولذلك لجأت إلى خارج البلاد و مارست من منافيها دوراً إعلامياً معارضاً لم يكن له من تأثير فعلي على مجريات الأحداث في الداخل.

 

7-    بعد نجاح حركة 23 شباط في الاستيلاء على السلطة، (..اكتملت سيطرة اللجنة العسكرية على الحزب والسلطة في سوريا، كما أنهت علاقة الحزب بفرع العراق، وأدت إلى أن ينقسم الحزب نهائياً إلى حزبين بينهما من العداء ما لم يكن موجوداً حتى بين الحزب وقادة الانفصال..). ([14])

 

كان الرجلان الأكثر قوة في اللجنة العسكرية هما صلاح جديد الذي تولى، رغم كونه عسكرياً، المسؤولية الحزبية والمدنية من خلال منصبه في القيادة القطرية كأمين عام مساعد للحزب، وحلفائه من المدنيين البعثيين الذين تولوا مناصب قيادية في الحزب وتوزعوا على مختلف أجهزة الدولة في النظام الجديد، الأمر الذي مكنه مع الوقت من خلق مزاج عام رافض لتدخل العسكر في الحزب والدولة.. والرجل الثاني حافظ الأسد الذي تولى المسؤولية العسكرية من خلال توليه حقيبة الدفاع وقيادة القوى الجوية. بينما تولى عبد الكريم الجندي رئاسة جهاز أمن الدولة بعد فترة قصيرة من توليه حقيبة وزارة الزراعة. أما أحمد الأمير فقد أسندت إليه قيادة الجبهة السورية مع إسرائيل.

أحكم صلاح جديد قبضته على الحزب والدولة، بينما أحكم حافظ الأسد قبضته على الجيش ومخابراته العسكرية (تحت أمرة علي ظاظا) التي كانت تقف بالمرصاد لجهاز أمن الدولة الذي يرئسه عبد الكريم الجندي الذي اتخذ موقفاً مؤيداً لصلاح جديد في الصراع الذي نشب بينه وبين حافظ الأسد فيما سمي آنذاك بالصراع بين الجناح المدني للحزب وجناحه العسكري والذي كان في حقيقته صراعاً بين الرجلين لإحكام السيطرة المطلقة على الحزب والجيش والدولة والمجتمع.

كان صراعاً مفتوحاً استخدمت فيه كل الوسائل المتاحة من طروحات حزبية وإيديولوجية وقومية وفكرية وماركسية، وبما أن حرب حزيران 1967 حدثت خلال تلك الفترة فقد تم استخدامها كأداة في صراع النفوذ المستمر بين الرجلين، وينطبق ذات الأمر على موقف الطرفين من أحداث أيلول عام 1970 في الأردن وطريقة تعامل كل منهما معها.

على التوازي كان كل طرف يحصن مواقعه ويدّعمها استعداداً للجولة الحاسمة.

خرج عبد الكريم الجندي من حلبة الصراع قتيلاً يوم الرابع من آذار 1969، وأُعلن رسمياً عن انتحاره في مكتبه، بينما وزعت القيادة القطرية برقية على كافة فروع الحزب تفيد بأن المخابرات العسكرية (التابعة لحافظ الأسد) قد اغتالت الرفيق عبد الكريم الجندي، لكنها ما لبثت أن أصدرت، وفي نفس اليوم، تعديلاً للبرقية مفاده « تعديلاً لبرقيتنا السابقة، انتحر الرفيق عبد الكريم الجندي رئيس مكتب الأمن القومي في مكتبه هذا اليوم بسبب محاصرة عناصر المخابرات العسكرية لعناصره ». ([15]) 

أما أحمد الأمير، وبعد هزيمة حرب حزيران التي كان خلالها قائداً للجبهة، فقد تمت إزاحته عن السلك العسكري وترقيته إلى عضو في القيادة القومية للحزب خلال المؤتمر القومي التاسع الذي عقد في شهر أيلول من العام 1967 تفادياً لمساءلته عن دوره في الهزيمة، ثم ما لبث أن تم إخراجه منها في المؤتمر القومي العاشر الذي عقد في أيلول 1968، وشكل خروجه هذا خروجاً له من الحياة العامة حيث لم يعد له أي دور فيها، مع أنه كان صاحب ثاني أعلى رتبةٍ بين ضباط اللجنة العسكرية حين تأسيسها في مصر عام 1959.

بهذا الخروج لأحمد الأمير وموت الجندي، والخروج السابق لمحمد عمران لم يبق من أعضاء اللجنة العسكرية في السلطة سوى صلاح جديد وحافظ الأسد، الذي استطاع أخيراً حسم الصراع لصالحه، عسكرياً بالطبع، عبر قيامه بالحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني 1970 حيث زج بصلاح جديد في السجن ولم يُخرجه منه إلا جثة هامدة.

نظراً لتركيز صلاح جديد على إعادة تشكيل الحزب خلال الأعوام ما بين 1966 و1970 فقد كانت الأغلبية الساحقة من أعضاء حزب البعث تقف معه وتؤيده.

بعد الانقلاب عليه وزجه في السجن وُلدت في سوريا معارضة جديدة سميت بـ « الشباطيين » نسبة إلى حركة 23 شباط، وقد تألفت من مناصري صلاح جديد وكان لها أيضاً تواجد بين صفوف العسكريين ممن دانوا بالولاء له ولم يتمكن حافظ الأسد، لأسباب طائفية وعشائرية، من تصفيتهم. هذه المعارضة سيكون لها دور مؤثر في الحياة السياسية السورية في فترة ما بعد الحركة التصحيحية، وسنتناولها في القسم اللاحق الخاص بها.

 

حركات المعارضة السورية في الفترة ما بين 1970 و 2000:

يقول كمال ديب واصفاً الوضع في سوريا عشية الحركة التصحيحية:

(كانت سوريا عام 1970 مستعدة للتغيير، بعد الانقلابات والأنظمة السياسية المتعاقبة منذ 1949، وبعد انهيار الطبقة الوسطى التقليدية والبورجوازية السنيّة في المدن. ولكن عودة  نظام الحكم الليبرالي الذي خلّفه الانتداب الفرنسي لم تكن ممكنة، كما أن قوة الشيوعيين وحضورهم قد تقلصا، وتضاءل حجم الحزب السوري القومي. وحتى داخل حزب البعث تراجع دور المدنيين من مؤسسين ومنظّرين وكاد يختفي في مطلع السبعينيات وبات للجيش دور متعاظم في صفوف الحزب وقيادته، وكانت الساحة السورية قد خلت تماماً ليستلمها حافظ الأسد، فقد كان وصوله إلى السلطة في تشرين الثاني 1970 سهلاً نسبياً). ([16])

 

وفي تحليله لطبيعة النظام الذي أقامه حافظ الأسد بعد انقلاب 16 تشرين الثاني 1970، يرسم موقع « وقائع وأحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا » صورة دقيقة وموضوعية:

مرحلة حافظ الأسد « 1970 – 2000 »:

بالنسبة لحافظ الأسد، كانت الإيديولوجيا أقل أهمية مما كانت عليه بالنسبة لمن سبقوه: فالقوة أكثر أهمية بكثير. بدأ الأسد حركته التصحيحية، أولاً لأنه كان من الممكن أن يطاح به هو نفسه « الأمر الذي لم يحدث »؛ وثانياً لأنه كان يفضل سياسات اقتصادية أكثر واقعية، بما في ذلك دور أكبر للقطاع الخاص وعلاقات مرنة مع الكتلة الشرقية وعلاقات وثيقة مع دول الخليج العربي الثرية والغرب. واصلت الدولة دورها كلاعب رئيسي في الاقتصاد بعد انقلاب الأسد في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1970، ولكن الهدف كان زيادة الإنتاج أكثر من تحقيق مجتمع قائم على المساواة. وكانت البراغماتية السمة المميزة لجميع السياسات المحلية في عهد حافظ الأسد، وليس فقط السياسات الاقتصادية. واستمر هذا النهج في عهد رئاسة ابنه. وكان الهدف الأسمى والشامل هو المحافظة على النظام.

أدرك حافظ الأسد أنه لضمان الحماية الحقيقية لنظامه، عليه وضع كل طرف في المجتمع تحت سيطرته الحازمة. وكانت هياكل الدولة الرسمية ساحات رئيسية لبرنامجه. عام 1971، تم إنشاء مجلس شعب مطاوع. وشهدت السنة التالية تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية التي ربطت حزب البعث بخمسة أحزاب أخرى كانت تُعتبر « تقدمية » و »وطنية ». عام 1973، صدر دستور جديد يضمن الدور القيادي لحزب البعث في الدولة والمجتمع والسلطة المطلقة للرئيس في جميع المجالات. عام 1971، أعيدت هيكلة الحزب نفسه؛ حيث تم استبدال قيادته الجماعية بحافظ الأسد شخصياً، وتعيينات القيادة الدنيا أصبحت تأتي من فوق بدلاً من أن تكون خاضعة للانتخاب من قبل الأعضاء. وتم التشجيع على عضوية الحزب، التي تحمل معها بعض الامتيازات والوصول إلى أنظمة السلطة. كان عدد أعضاء الحزب عند انقلاب عام 1963 أكثر قليلاً من 400 عضو، وبحلول عام 1971 بلغت 65,398 عضو. وبعد عشر سنوات، بلغت 374,332، وفي منتصف عام 1992 قفزت إلى 1,008,243. وفي نفس الوقت، كان هناك توسع هائل في بيروقراطية الدولة وخدمات الجيش وأجهزة الاستخبارات، الأمر الذي أحضر عشرات الآلاف من السوريين مع عائلاتهم إلى داخل النطاق المباشر للدولة التي يسيطر عليها الأسد. وكجزء من إعادة هيكلة الدولة، قام الأسد بتسريع إنشاء النقابات والجمعيات المهنية الخاضعة لسيطرة النظام). ([17])

كما تخبرنا أيضاً دراسة مشتركة، صادرة عن كل من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، عن واقع المعارضة في سوريا خلال مرحلة ما بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم، قام بها كل من الكاتبين جوشوا لانديس Joshua Landis  وجو بايس  Joe Pace  ونشرت في فصلية   Washington Quarterly شتاء عام 2007 بالتالي:

(ركزت الدبلوماسية الأمريكية على مدى عقود في رسم علاقاتها مع سوريا على العلاقة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد « 1970- 2000″، ومن ثم مع ابنه الذي خلفه في الرئاسة بشار الأسد. والسبب في هذا يعود إلى أن السياسيين الأميركيين، اعتبروا أن المعارضة السورية إضافة إلى كونها ضعيفة فهي معادية للأميركيين أيضاً. من هنا كان التركيز في العلاقة مع نظام الرئيس الأسد….لم تكن واشنطن متحمسة أو مهتمة بالتعاون مع الإسلاميين بالرغم من أنها تعتبر أنهم الطرف الوحيد في المعارضة السورية الذي يستند إلى قاعدة شعبية عريضة. واعتبرت واشنطن كذلك أن المعارضة العلمانية السورية ضعيفة ولا تملك قاعدة شعبية كبيرة أو ارتباط بجمهور الشباب السوري، إضافة إلى ذلك فإن الاتصال بين أركان المعارضة والدبلوماسيين الأميركيين المتواجدين في دمشق يحمل في طياته مخاطر كبيرة خاصة بالنسبة لقادة المعارضة ويجعلهم عرضة للاتهام بالخيانة من قبل النظام. من هنا تبدو الخريطة السياسية لواقع المعارضة السورية مبهمة وغير واضحة .(([18])

 

تختصر هذه الاقتباسات الثلاثة الواقع السياسي لكل من النظام والمعارضة في سوريا عشية انفراد الأسد بالسلطة فيها، وهذا ما سنبني عليه في استعراضنا لأطيافها المختلفة في مرحلة ما بعد الحركة التصحيحية.

 

1-    مجموعة صلاح جديد « الشباطيين »: كان لهذه المجموعة بعض الدور في معارضة نظام الأسد خلال سبعينيات القرن المنصرم، من حيث أنها كانت تتمتع بقدرات تنظيمية عالية، ساهم في بلورتها صلاح جديد نفسه عندما كان أميناً قطرياً مساعداً للحزب في الفترة ما بين شباط 1966 وتشرين الثاني 1970، كما كان لصلاح جديد بعض المؤيدين في صفوف القوات المسلحة، ممن لم يتمكن حافظ الأسد، لأسباب طائفية وعشائرية، من إزاحتهم عن مواقعهم.

لكن حافظ الأسد، وبعد أن استتب له الحكم وقام بزج صلاح جديد في سجن المزة العسكري، وضع نصب عينيه مواجهة هذا الخطر المزدوج، حزبياً وطائفياً، فبدأ بعمليات تطهير واسعة في الحزب والجيش لمؤيدي جديد وأعاد هيكلة الحزب لصالحه، بعد أن كان الحزب في أغلبيته الساحقة معارضاً للحركة التصحيحية بدليل المظاهرات التي قام بها البعثيون ضدها في العاصمة دمشق وغيرها من المدن إثر الإعلان عن قيامها.

أدت إعادة « هيكلة » الحزب، من الأعلى هذه المرة، إلى إبعاد كل مؤيدي صلاح جديد عنه وجاءت بحزب جديد مؤيد للأسد، كما تم تطهير القوات المسلحة من مؤيدي جديد، سواء بالصرف من الخدمة أو بالاعتقال. كما انتقل بعض مؤيدي جديد إلى صفوف المؤيدين للأسد، لأسباب تتعلق بالمصلحة الشخصية، بعدما تيقنوا من قدرة النظام الجديد وصلابة وضعه.

أما أولئك الذين حافظوا على ولائهم لصلاح جديد من مدنيين وعسكريين فقد انتقلوا إلى العمل السري كفصيل بعثي معارض.

بحكم علاقة هذا الفصيل (في حينه) مع رجل البعث القوي الجديد في العراق صدام حسين بعد انقلاب تموز 1968 والعلاقة الشخصية السيئة التي تربطه بحافظ الأسد، فقد توجهوا إلى التعامل معه بهدف الإطاحة بالأسد، واستغل الأسد هذا التعاون لصالحه في تشديد قمعه لهذا الفصيل فشن حملة اعتقالات واسعة في صفوفهم كما تمكن كثيرون منهم من الهرب خارج البلاد، ولم تكد فترة السبعينيات من القرن المنصرم تشارف على الانتهاء، حتى تحقق للأسد القضاء شبه التام على هذا الفصيل المعارض، حيث بدأ بعدها في الإفراج عن قسم مهم من معتقليه، خاصة أولئك المنتمين إلى طائفته، كما تمكن من كسب تأييد أفراد كثيرين منهم بتأمين فرص عمل لهم في القطاع العام.

على الصعيد النظري والسياسي، لم يقدم هذا الفصيل إسهاماً يذكر في الحياة السياسية السورية بحكم اعتناقه « للمنطلقات النظرية » لحزب البعث التي خبرها السوريون جيداً لأكثر من عقد مضى كما أنه لم يوسع من دائرة تحالفاته مع أطياف المعارضة الأخرى لأسباب تعود إلى نهجه الفكري البعثي والسياسي الذي كان على خصومة مع باقي أطياف المعارضة عندما كان في سدة الحكم.   

 

2-    الاتحاد الاشتراكي العربي (الناصريون):

في العام 1968 آلت الأمانة العامة للتنظيم إلى جمال الأتاسي الذي كان مقيماً في سوريا، بينما كان سلفه جاسم علوان لاجئاً سياسياً في مصر إثر محاولته الانقلابية الفاشلة في تموز 1963.

كانت للتنظيم قواعده الناشطة في سوريا وقد ضم، كما أسلفنا، كل الحركات الناصرية المعارضة، عدا حركة القوميين العرب التي انشقت عن التنظيم واعتنقت الماركسية اللينينية.

استمر الاتحاد الاشتراكي، كتنظيم سري، في معارضته للنظام، سواء في عهد صلاح جديد بعد انقلاب شباط 1966، أم لاحقاً، للنظام الذي أنشأه حافظ الأسد إثر الحركة التصحيحية.

عندما قرر حافظ الأسد إنشاء الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972، حصلت خلافات ضمن التنظيم، مشابهة لتلك التي حصلت في الحزب الشيوعي، حيث انقسم إلى فئتين متناحرتين أولاها بقيادة جمال الأتاسي التي رفضت الانضمام للجبهة والتي كانت تعبر عن الأغلبية الساحقة من كوادر التنظيم، والثانية بزعامة فوزي الكيالي التي وافقت على الانضمام. جاء بعد الكيالي اسماعيل القاضي ثم صفوان القدسي. ([19])

استطاع النظام إذن شق التنظيم، بإعلان فصيل فوزي الكيالي انضمامه للجبهة، واعتباره لنفسه الممثل الشرعي للتنظيم واعتبره النظام كذلك، بينما استمر باقي التنظيم على موقفه المعارض للنظام.

شارك التنظيم في حركات الاحتجاج التي قامت في العام 1979 مما أدى إلى تكثيف حملات الاعتقال والملاحقة ضده واعتُقل جمال الأتاسي وحسن اسماعيل عبد العظيم، الذي كان قد عاد من مصر بعد تسوية أوضاع اللاجئين السوريين فيها عام 1972 كما أسلفنا، وكذلك معظم كوادر التنظيم ثم أفرج عنهم بعد ذلك، لكن الضربات التي كان قد تعرض لها التنظيم أثرت سلباً بشكل كبير بقدرته على الحركة فدخل في مرحلة ما يشبه الكمون.

بعد وفاة جمال الأتاسي عام 2000 انتقلت الأمانة العامة للتنظيم إلى حسن اسماعيل عبد العظيم الذي كان يشغل منصب الأمين العام المساعد.

 

3-    الحزب السوري القومي الاجتماعي:

لم يظهر فصيل معارض من هذا الحزب في سوريا خلال الفترة ما بين 1970 و 2000 للأسباب المذكورة سابقاً ولانشغال الحزب بالحرب الأهلية اللبنانية تلك الفترة (جناح إنعام رعد) كفصيلٍ من فصائل الحركة الوطنية. لكن موقفه هذا أدى به إلى الصدام مع النظام السوري بعد دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 كما نجم عنه انشقاقات متعددة ضمنه، انعكست لاحقاً على بنية الحزب في كل من سوريا ولبنان، وسنعرض لذلك في الفترة ما بين 2000 و 2011.

 

4-    الحزب الشيوعي السوري:

بدأت إرهاصات الانقسام الأول في الحزب عام 1970 ضد تفرد أمينه العام التاريخي خالد بكداش، بالقرارات السياسية والتنظيمية للحزب، وتفاقم هذا الخلاف من خلال موقف الطرفين المتناقض حيال مشاركة الحزب في الجبهة الوطنية التقدمية التي كان نظام الأسد يزمع تشكيلها، ثم تكرس هذا الانقسام نهائياً عام 1974 بخروج فصيل المكتب السياسي، بزعامة رياض الترك، الذي اشتمل على أغلبية أعضاء المكتب السياسي للحزب واعتماده خط المعارضة للنظام السوري، بينما انضوى الفصيل الآخر، تحت قيادة بكداش، تحت لواء الجبهة الوطنية التي شكلها الأسد.

ونشير في هذا الخصوص إلى مجموعة صغيرة من القادة التاريخيين في المكتب السياسي الذين كانوا مؤيدين لتوجه رياض الترك، والمؤلفة من إبراهيم بكري، ظهير عبد الصمد ودانيال نعمة، ثم وقفوا بعد ذلك إلى جانب تأييد الحزب للحركة التصحيحية، فانشقوا عن جناح الترك وانضموا إلى الجناح الآخر الذي كان يتزعمه خالد بكداش ويوسف فيصل.

الانقسام الثاني والأهم حصل عام 1986  بخروج فصيل يوسف الفيصل، الذي اتحد لاحقاً مع مجموعة منشقة عن فصيل المكتب السياسي المعارض اسمها تنظيم اتحاد الشيوعيين مشكلة حزباً سمي « الحزب الشيوعي السوري الموحد » الذي دخل في الجبهة الوطنية. وقد بقي كلاً من جناحي بكداش وفيصل في الجبهة الوطنية التقدمية التي أصبحت بهذا تضم حزبين شيوعيين مواليين للنظام.

كانت هناك انقسامات فرعية أقل تأثيرا (كمجموعة عضو المكتب السياسي آنذاك يوسف نمر مثلاً) التي خرجت مع فصيل المكتب السياسي ثم عاودت الانفصال عنه وعملت لفترة قليلة بشكل مستقل، ثم عاودت الانضمام إلى فصيل يوسف فيصل، وأضحى أعضاؤها موالين للنظام. ([20])، ومجموعة عضو المكتب السياسي مراد يوسف التي كانت تنتمي إلى مجموعة بكداش – فيصل ثم انشقت عنه عام 1980 وعملت لفترة كتنظيم مستقل لتعود فتنضم بعدها إلى جناح يوسف فيصل عام 1985.

 

كان للنظام دور فاعل في كل الانقسامات والانشقاقات التي تعرض لها الحزب الشيوعي أيضاً والتي كانت تهدف في نهاية المطاف إلى إضعاف وتهميش دوره في الحياة السياسية السورية، وأيضاً لإيجاد واجهة شيوعية مؤيدة للنظام تضفي عليه شرعية تمثيلية لأطياف متعددة من المجتمع السوري، وهذا ما كان يهدف إليه أصلاً من خلال تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية.

 

بالعودة إلى الفصيل الشيوعي الوحيد الذي اعتمد خط المعارضة للنظام واستمر عليه، أي فصيل المكتب السياسي بزعامة رياض الترك، العضو التاريخي في الحزب الشيوعي،  فقد تعرض هو الآخر إلى حملة من التصفيات والملاحقات، واستغل النظام وقوف هذا الفصيل مع حركات الاحتجاج التي ظهرت في سوريا عام 1979، تلك الحركات التي شاركت فيها النقابات المهنية (الأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم) وشرائح مختلفة من المجتمع حيث نادت بإلغاء قانون الطوارئ وعودة الحياة الديموقراطية للبلاد ووقف الممارسات القمعية لأجهزة النظام، وخاصة سرايا الدفاع التي كان يقودها شقيق حافظ الأسد الصغير رفعت والتي أصبحت رمزاً للتسلط والإذلال.

 

شارك فصيل المكتب السياسي في تلك الاحتجاجات، وكانت ذروة مشاركته خروجه في مظاهرات سلمية بحلب، بقيادة عمر قشاش عضو المكتب السياسي للفصيل، وبمشاركة الإخوان المسلمين،  الأمر الذي مكن النظام من إسباغ صفة الرجعية والعمالة والأصولية على هذا الفصيل، مما أتاح لأجهزة النظام البدء في حملة اعتقالات واسعة شملت معظم قيادات الفصيل وكوادره، ومنهم رياض الترك الذي أمضى حوالي قرابة الثمانية عشر عاماً في السجن، منها سبعة عشر عاماً في زنزانة منفردة، وكذلك عمر قشاش وفايز الفواز وغيرهم من قيادات الفصيل.

أدى ذلك إلى تشتيت هذا الفصيل وتقلص دوره، مثله في ذلك مثل كل الأحزاب والتنظيمات المعارضة.

ومن المفارقات التي أظهرتها تلك الفترة أن زوجة المعارض رياض الترك « أسماء الفيصل »، شقيقة يوسف وواصل فيصل، اعتقلت مع زوجها بينما كان شقيقاها يوسف وواصل محسوبين على النظام ولم يقوما بأي تحرك أو وساطة لإنقاذ شقيقتهما من الاعتقال والتعذيب اللذين كانت تتعرض لهما.      

 

5-    رابطة العمل الشيوعي (لاحقاً: حزب العمل الشيوعي):

تأسست الرابطة في شهر آب 1976 وكانت نواتها الأساسية مجموعة من الشبان والشابات من ذوي التوجه الماركسي الذين لم يقتنعوا بأداء الحزب الشيوعي السوري، فقد كانت طموحاتهم أكبر من سياسات الحزب، وكانوا يلتقون عبر حلقات ماركسية منذ نهاية ستينيات القرن المنصرم وبداية سبعينياته.

جمعت الرابطة شباناً من اتجاهات فكرية مختلفة الانتماءات والمشارب من شيوعية إلى قومية إلى ديموقراطية. (وكان كثيرٌ من أعضائها ينتمون إلى الطائفة العلوية).

اتخذت الرابطة خطاً معارضاً للنظام منذ بداية تأسيسها، لكنها أيضاً وقفت ضد تحرك الإخوان المسلمين بين عامي 1979 و1982 إلى درجة اعتبرت معها أن نضالها لإسقاط النظام هو نضال مؤجل إلى ما بعد  دحر الرجعية المتمثلة بتنظيم الأخوان وهذا ما أطال في عمرها لأن النظام لم يلتفت إليها إلا بعد انتهائه من مجزرة حماه، حيث تعرض أعضاؤها، رجالاً ونساء، بعدها إلى الملاحقة الشرسة والبطش والاعتقال.

 

تغير اسم الرابطة إلى حزب العمل الشيوعي عام 1981 وانتهى تواجده التنظيمي داخل سوريا عام 1992 نتيجة الملاحقات المذكورة سابقاً، ولم يبق منهم حالياً إلا مجموعة الأعضاء التي قضت سنوات طويلة في السجون وخرجت بمراسيم عفو أصدرها بشار الأسد بُعيد توليه السلطة، حيث أعادت إحياء الحزب ببيان صدر عام 2003، لكن دون وجود مؤثر على الأرض. ([21])

 

6-    الإخوان المسلمين:

اتخذ الإخوان المسلمون موقف المعارضة النشطة لنظام البعث، كما أسلفنا، منذ انقلاب 8 آذار 1963 وشاركوا في كل المظاهرات والإضرابات التي حصلت طوال الفترة الممتدة ما بين 8 آذار 1963 و 16 تشرين الثاني 1970، كما في أعمال العنف التي جرت في تلك الفترة، خاصة أحداث حماه في نيسان 1964.

كان المراقب العام للتنظيم في تلك الفترة عصام العطار، الذي تم تعيينه خلفاً لمؤسس الجماعة الدكتور مصطفى السباعي، الذي استمر في قيادتها منذ تأسيسها عام 1939 إلى أن خلفه العطار عام 1964 إثر وفاته.

استمر العطار (وهو شقيق الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة في عهد حافظ الأسد لحوالي ربع قرن، وتشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية) في منصبه كمراقب عام للجماعة حتى العام 1973 حيث خلفه عبد الفتاح أبوغدة بين عامي 1973 و 1975 ثم تسلم عدنان سعد الدين هذا المنصب وظل فيه حتى العام 1981.

بعد ذلك، ونتيجة خلافات داخلية متعددة وانقسامات، تعاقب على قيادة الجماعة كل من حسن هويدي ومنير الغضبان ومحمد ديب الجاجة، ثم عبد الفتاح أبو غدة وحسن هويدي لمرة ثانية، وأخيراً تم تعيين علي صدر الدين البيانوني في العام 1996 حيث بقي في منصبه حتى العام 2010 حيث خلفه في المنصب المراقب العام الحالي محمد رياض الشقفة. ([22])

هذه الخلافات والانشقاقات المتعددة في التنظيم، بعد نجاح انقلاب 8 آذار البعثي، عرض لها موقع « سورية السياسية، الأحزاب والحركات والتيارات » بالتفصيل التالي:

(العلاقة مع البعث وأحداث الثمانينات: أصيب كثير من الشباب الإخوان المتحمسين بالذعر من طرح البعث في مؤتمره 1963 لبرنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي راديكالي، وتخوفوا بشكل خاص أن يؤدي تطبيق هذا البرنامج إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية والأوقاف وقانون الأحوال الشخصية، فبدأ العصيان في شكل إضراب طلابي تحول إلى عصيان مدني شامل استمر 29 يوماً قاده اثنان من أبرز نشطاء الجهاز الخاص السري المتكون داخل الإخوان وهما مروان حديد وسعيد حوا، وشارك في الاعتصام الناصريون والاشتراكيون، إلا أن المجموعة الإخوانية هي من اشتبكت مع وحدات الجيش.

في ظل هذه الصراعات السياسية والايديولوجية برزت داخل التنظيم الإخواني « كتائب محمد » التي تطورت فيما بعد إلى « الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين » أما التنظيم العام الذي أصبح « عصام العطار » مراقباً عاماً له فقد أنكر علاقته بهذا التنظيم المسلح بل ردت قيادة العطار بأنها لا تؤمن بالوصول إلى السلطة إلا بالوسائل الديمقراطية ولو كلفها ذلك خمسين عاماً من الانتظار. وعندما قامت الحركة التصحيحية عام 1970 انفجر التنظيم الإخواني إلى ثلاث مجموعات هي « جماعة حلب » التي انتخبت « عبد الفتاح أبو غدة » مراقباً عاماً، و »جماعة دمشق » التي تمسكت بالعطار والتفت حول نائبه الدكتور « حسن الهويدي » وما سمي بمركز الحياد، إضافة لاتجاه يدعو للتخلص من القيادتين، واعتبر نفسه محور الشرعية والتوحيد، وقاد هذا الاتجاه « مروان حديد ».

حسم مكتب الإرشاد العام للتنظيم العالمي عام 1974 الأمر فأجرى انتخابات جديدة أصبح بموجبها « عدنان سعد الدين » مراقباً عاماً للجماعة عام 1975، أما جماعة العطار فلم تعترف بالوضع الجديد واستمرت بالعمل كتنظيم مستقل تحت اسم « الطلائع الإسلامية »، بينما شكّلت كتلة مروان حديد « الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين ». بدأ تحرك هذا التنظيم « الطليعي » سريعاً من خلال أحداث الدستور 1973 حيث قام باحتجاجات وهجوم على مراكز الحزب والمنظمات الشعبية وبعض المقاهي والخمارات، وبعد اعتقال مروان حديد ثم وفاته في المشفى عام 1976 انتقلت قيادة الطليعة إلى « عبد الستار الزعيم » ولم تعلن الطليعة عن اسمها إلا عام 1979 عندما نفذت مجزرة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979.

نفت قيادة التنظيم العام أي صلة لها بمجزرة المدفعية ووصفتها بالمذبحة، فيما أعلنت الطليعة مسؤوليتها عن العملية. وجاء الإضراب الذي دعت إليه النقابات المهنية والعلمية في سوريا ليخلط جميع الأوراق، ففيما كان التجمع الوطني الديمقراطي يعلن أن العصيان سيفرض التحول الديمقراطي سلمياً، كانت الطليعة تضغط على التجار لإغلاق السوق وتقتل من لم يستجب لذلك، فيما كان التنظيم العام متردداً يشجع الإضراب السلمي لكنه لا يتوانى عن استثمار ما تقوم به الطليعة سياسياً. بعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومذبحة تدمر في اليوم التالي ، عادت المجابهة الدامية لنقطة البداية، وشهدت سوريا حملات اعتقال وعمليات اغتيال وقتل عشوائية وتفجيرات مجانية.

وجاء القانون رقم 49 – ما زال ساريا حتى يومنا هذا- والذي ينص على عقوبة الإعدام لكل من ينتسب إلى الجماعة. كان قد ظهر اسم « عدنان عقلة » كقائد للطليعة وقائد ميداني لما يحدث داخل سوريا من عمليات، فيما كانت قيادة التنظيم العام التي غادرت سوريا تحاول أن تحتوي الطليعة تنظيمياً وسياسياً بأن تضغط عليها مالياً وتسليحيا، وعندما تشكلت قيادة الوفاق ضامة الفصائل الإخوانية الثلاثة، تمتعت بتأييد قاعدي عام، إلا أنها سرعان ما انفجرت تحت ضغط مسألة التحالفات، فقد رمت كل أوراقها في السلّة الإقليمية والعربية المعادية لسوريا. ونتيجة لوطأة الحصار الأمني والضغط السياسي أخذت قيادة الداخل تستعجل قيادة الخارج بالحسم وإعلان النفير العام، وهكذا ففي يوم 2 شباط 1982 دعا الإخوان مدينة حماة إلى العصيان، وسيطرت القيادة الإخوانية الميدانية على المدينة عشرة أيام، وأعلنت قيادة الخارج أن المواجهة وقعت بين إخوان الداخل والسلطة وبأنها تعلن من طرفها النفير العام، واتخذت من أحد قصور بغداد مقراً لها، وأخذت تجمع العناصر في معسكر الرشيد مراهنةً على تطور الأحداث وانتقالها إلى المحافظات وانشقاق الجيش، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، فقد ردت السلطات السورية بعنف غير مسبوق وتم تدمير مئات البيوت وقتل الآلاف من المدنيين، مُشرِعةً الأبواب لسنوات من الرعب والخوف والظلام وأعادت السلطات السيطرة على حماة في 20 شباط 1982، فيما كانت قيادة الإخوان في الخارج مستمرة في بث انتصاراتها عبر إذاعة بغداد.) ([23])

في المحصلة، يمكن تلخيص المحطات الرئيسية في مسلسل صدامات الإخوان المسلمين مع نظام حافظ الأسد على الشكل التالي:

–       أحداث حماه عام 1973 التي اندلعت عقب الإعلان عن وضع دستور جديد منح حافظ الأسد صلاحيات مطلقة دون أن يكون مسؤولاً عن أي من أعماله سوى في حالة الخيانة العظمى، ولم يتضمن ذلك الدستور النص على أن يكون التشريع الإسلامي مصدراً للتشريع في الدولة ولا حصر دين رئيس الدولة بالمسلمين.

كانت نتيجة هذه الأحداث أن تم قصف حماه للمرة الثانية وقمع الاحتجاجات، لكن أيضاً تمت إضافة المادتين المتعلقتين بمصدر التشريع ودين رئيس الدولة إلى متن الدستور.

–       سلسلة اغتيالات لشخصيات محسوبة على النظام من عسكريين وتكنوقراط وأكاديميين. أعلن النظام في البداية عن وقوف بعث العراق وراءها، ثم عاد واتهم جماعة الأخوان بالقيام بنفس العمليات، بينما نفت قيادة الجماعة ذلك بشدة واستنكرتها.

–       القيام بسلسلة تفجيرات وعمليات عسكرية في الفترة ما بين 1979 و 1982 استهدفت مراكز ومقرات تابعة للنظام لكن تأثر بها محيطها من المباني السكنية ووقع ضحايا في صفوف المدنيين.

–       حدثت مواجهات في مدينة جسر الشغور شمال غرب سوريا، كانت حصيلتها بضع مئات من القتلى، وتم تحميل المسؤولية عنها إلى جماعة الإخوان.

–       خلال تلك الفترة جرت محاولة غامضة لاغتيال حافظ الأسد (1980)، أعقبتها مجزرة تدمر التي ذهب ضحيتها ما يقارب 1000 إلى 1500 من المعتقلين الذين أعدموا في السجن انتقاماً لمحاولة الاغتيال وتم دفنهم في مقابر جماعية. محاولة الاغتيال تلك لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها لكن تم اتهام جماعة الإخوان بتنفيذها.

قاد عملية المجزرة الضابط في سرايا الدفاع وصهر رفعت الأسد معين ناصيف، الذي توجه على رأس قوة من سرايا الدفاع بالحوامات من مطار المزة العسكري قرب دمشق إلى تدمر واعتقلت القوة آمر السجن وحاميته وقامت بقتل المساجين في زنازينهم.

–       في ذات الفترة صدر القانون رقم 49 للعام 1980 والذي قضى بإعدام كل من يثبت انتماؤه إلى تنظيم الأخوان المسلمين.

–       توِّج مسار المواجهات بين الطرفين فيما اشتهر في تاريخ سوريا الحديث بـ « مجزرة حماه التي بدأت يوم 2 شباط 1982 واستمرت 27 يوماً حيث دُمّر الجزء الأكبر من المدينة القديمة « ما يعادل 30% من كامل المدينة » وقتل عدد كبير تراوحت تقديراته ما بين عشرة آلاف وأربعين ألفاً وشرد حوالي المائة ألف من سكان المدينة. ([24])

كانت نتيجة هذه الأحداث والمصادمات أن جرت تصفية تنظيم الإخوان المسلمين بشكل كامل في سوريا، سواء بالاعتقال أو بالقتل أم بالهرب خارج البلاد لعشرات الآلاف من أعضائه وعائلاتهم اتقاء لبطش أجهزة النظام بهم بعد أن تمت شرعنة التصفية الجسدية لهم من خلال القانون 49.

من الجدير بالذكر أنه، وبسبب الخلافات التي كانت قائمة بين أجنحة التنظيم وتعدد المرجعيات ضمنه، وأيضاً بسبب غياب أية تحقيقات جدية في كل تلك الأحداث، ولنفي عدة أجنحة من التنظيم مشاركتها فيها (ما عدا تنظيم الطليعة الذي أعلن عن مسؤوليته عن بعضها وليس كلها)؛ فلم يكن ممكناً التأكد من هوية القائمين على تلك الأحداث التي عصفت بالبلاد على مدار تلك السنوات، وألقت بظلالها، ولا زالت تلقي إلى الآن، على كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا، لدرجة أن البعض شكك بأن قسماً كبيراً من حوادث الاغتيال، التي تمت كلها تقريباً لشخصيات من الطائفة العلوية، قام بها النظام نفسه لتثبيت أقدامه ولجر الطائفة إلى صفّه عبر اتهام جماعة الإخوان بتنفيذها، خاصة وأن قسماً مهماً من الطائفة عارض انقلاب السادس عشر من تشرين الثاني لعدة عوامل منها أن صلاح جديد كان يحظى بتأييد كبير في الطائفة وأن عائلة الأسد كانت من أصول متواضعة في الطائفة، ولم يَرُقْ للكثيرين منهم أن تمثلهم هذه العائلة ولا أن تكون على رأس الحكم في سوريا.

 

حركات المعارضة السورية في الفترة ما بين عامي 2000 و 2011:

 

بعد مسلسل الأحداث الدامية والحملات الأمنية والعسكرية المكثفة التي عصفت بالبلاد خلال السواد الأعظم من فترة حكم حافظ الأسد، تلك التي عرضنا لها سابقاً، غدت سوريا تحت السيطرة الكلية لنظامه وغابت عن الساحة كل أطياف المعارضة، سواء بالتصفية الجسدية أم بالاعتقال أم بالتهجير القسري خارج البلاد.

ولضمان توريث « هادئ وسلس » لابنه الأكبر باسل أولاً، ومن ثم للابن الثاني بشار بعد موت باسل في حادث سير مثير للجدل، بدأ حافظ الأسد في إجراء سلسلة من التغييرات في القيادات العسكرية والأمنية، خاصة أولئك الذين رافقوا مسيرته الطويلة، وكان لهم الدور الأهم في تثبيت دعائم حكمه، وهم من اصطُلِح على تسميتهم بـ « الحرس القديم ».

فبعد أن تمكن من إزاحة شقيقه الأصغر رفعت، وكان الأخير يعتبر نفسه « الوريث الشرعي » لنظام شقيقه الأكبر،  بنفيه خارج البلاد عام 1984،  بدأ بعد ذلك في تصفية جيل « الحرس القديم » على دفعات، فأحال إلى التقاعد مجموعة من الضباط، منهم رئيس هيئة الأركان العامة حكمت الشهابي وقادة الفرق الرئيسية في الجيش كشفيق فياض وإبراهيم صافي وقائد الوحدات الخاصة علي حيدر وقائد المخابرات العسكرية علي دوبا ومحمد الخولي قائد المخابرات الجوية وعدنان بدر حسن قائد شعبة الأمن السياسي وغيرهم من رفاق الدرب الطويل بحجة بلوغهم السن القانونية للإحالة على التقاعد، وعيّن أمكنتهم ضباطاً يدينون بالولاء، لباسل أولاً ولبشار لاحقاً.

كما قام بإسناد الكثير من المناصب والمهمات « الحساسة » في السياسة والأمن إلى باسل أولاً، ومن ثم إلى بشار كي يتمرسا في أصول لعبة الحكم ويكونا على دراية بكل تفاصيلها، وأيضاً كي يقدمهما للجميع كـ « الرئيس القادم ».

بهذا أصبحت الساحة معبّدة من داخل النظام ومن خارجه، محلياً ودولياً، لتمرير عملية توريث الحكم.

وفعلاً تمت عملية التوريث، عبر إجراءات دستورية وقانونية صورية، بهدوء وسلاسة ملفتين للنظر وباركتها القوى الإقليمية والدولية عبر مشاركة لافتة  في تشييع جثمان الأب والقيام بـ (واجب تقديم التعازي) للوريث. كان على رأس المشاركين الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت، ممثلة للرئيس بيل كلينتون، وكان حضورهما واجتماعهما المنفرد ببشار، قبل البدء بإجراءات انتقال السلطة، بمثابة التنصيب الفعلي له كرئيس البلاد الجديد.

 

يتناول كمال ديب في كتابه « تاريخ سوريا المعاصر » تلك الفترة بالقول:

(بشار الأسد رئيساً: نشأ بشار في كنف والده ووسط أعوانه وأولادهم الذين كانوا في مثل سنّه، فأصبحت فترة تجهيزه من 1994 إلى 2000 استمرارية لهذه البيئة، فاعتاد على أساليب الحكم واستلم ملفات مهمة. وبعد عودته من لندن خضع لتدريب وتابع الدراسة العسكرية فتدرج في الرتب العسكرية. وكان حافظ الأسد يقوم بتعديلات هادئة في المراكز الحساسة رغم تدهور صحته. فأضعف نفوذ القيادات التي رافقته خلال عقود من حكم سوريا.

دفع الأسد منافسين محتملين على رئاسة الجمهورية إلى التقاعد وأزاح بعض أعوان قد يتصرفون مع بشار على أنهم أفضل منه… فيما بدأ الشخصية الأبرز في النظام، نائب رئيس الجمهورية، عبد الحليم خدام يخسر نفوذه منذ سلّم الأسد ملف لبنان لبشار عام 1996…

كان حافظ الأسد قد نزع عن رفعت منصب نائب رئيس الجمهورية عام 1998 وكان هذا إيذاناً بانتهاء علاقة طويلة وشائكة بين الشقيقين، وأدى ذلك إلى مغادرة رفعت سوريا مجدداً..ونهائياً.

إضافة إلى اهتمامه بملف لبنان، تسلم بشار مهام خارجية، فزار عواصم عربية وقصد باريس للقاء جاك شيراك، وليتعرف على الزعماء ويبرهن لهم مواهبه القيادية كرئيس مستقبلي لسوريا، وأصبح بشار صديقاً قريباً للأمير عبد الله الثاني ولي عهد الأردن، الذي استلم أيضاً الحكم بعد وفاة الملك حسين.

بعد وفاة الأسد، أصبح نائب الرئيس الأول عبد الحليم خدام رئيساً للجمهورية بالوكالة. وكانت المهمة الأولى، والوحيدة له، الإسراع بعملية انتخاب بشار، وهذا أمر كان ينتظره مؤتمر الحزب العام الذي كان قيد التحضير. فانتُخب بشار أميناً عاماً لحزب البعث بالإجماع في 18 حزيران، ورُشِّح لرئاسة الجمهورية في 20 منه، فوافق مجلس الشعب على الترشيح بعد أسبوع، وجرى انتخاب بشار عبر استفتاء شعبي في 11 تموز..). ([25])    

 

بالرغم من حقيقةِ أن بشار وصل إلى السلطة عن طريق التوريث، الأمر الذي شكل سابقة غير معهودة في النظم الجمهورية، عدا وراثة كيم جونغ إيل لأبيه كيم إيل سونغ في جمهورية كوريا الديموقراطية عام 1994، فقد عقد كثيرٌ من السوريين آمالاً عريضة على الرئيس الجديد، خاصة بعد خطاب القسم الذي ألقاه إثر الاستفتاء الصوري الذي أوصله للحكم والذي دعا فيه لمواجهة المشاكل التي تعاني منها البلاد وتحدث عن الحاجة الماسة للمعارضة البناءة، وركّز على قضايا الحداثة والإصلاح.  لقد بدا في هذا الخطاب شاباً يعي متغيرات العصر، وأنعش الآمال في بدء صفحة جديدة من العلاقة بين النظام والشعب.

وقد أيد خطابه بإغلاق سجن المزة الذي يرمز إلى قسوة النظام وبطشه.

(..تتحدث لجنة حقوق الإنسان عن أن السجون السورية في عام 1993، ضمت ما يقارب من 4000 سجين سياسي، وقد هبط هذا الرقم خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد إلى حوالي 300- 1000 سجين سياسي من بين الأسماء المعروفة أو تلك التي تم الإبلاغ عنها. وبدأت الحياة الفكرية في سوريا تعطي بعض إشارات عودتها إلى الحياة. وبدأت تتشكل في سوريا لجان حقوق الإنسان، ومنتديات النقاش الفكري والسياسي، وأصدر ناشطو « ربيع دمشق » ([26])، إعلاناً وقعه أكثر من ألف ناشط في مجال الحقوق المدنية في شهر كانون الثاني 2001، للمطالبة بإصلاح سياسي شامل، وبعد أسابيع من هذا الإعلان، أعلن الناشط والمعارض السوري رياض سيف ([27])، عن إنشاء حركة السلم الاجتماعي والسياسي، وقد كشفت هذه الحركات والنشاطات أنها أكبر من أن يتحملها النظام السوري. وشعر المتشددون في النظام السوري أن الانتقادات قد تجاوزت الحدود وأصبحت خارج نطاق السيطرة، مما دفعها لشن حملة على القوى المعارضة بما سمي « شتاء دمشق »، مدعية أن هذه الحركات والنشاطات قد تؤدي في نهاية الأمر إلى حرب أهلية. مع نهاية الصيف كان ثمانية من قادة وناشطي الحقوق المدنية في سوريا قد أودعوا السجن، كما أغلقت كافة المنتديات الاجتماعية والسياسية باستثناء منتدىً واحد.

بالرغم من الفترة القصيرة التي عاشتها التجربة التي أطلق عليها اسم ربيع دمشق، إلا أنها قد سمحت ولأول مرة منذ عام 1970، بإطلاق حملة من الانتقادات العلنية في وجه النظام. كما سمحت للقوى المعارضة باكتشاف بعضها البعض والعمل على وضع أرضية مشتركة للتعاون فيما بينها). ([28])

 

مجموعات حقوق الإنسان:

هناك عشر منظمات سورية تعنى بحقوق الإنسان، ومركزين للدراسات يعنيان بقضايا حقوق الإنسان، والعديد من المنظمات والهيئات الصغيرة، كتلك التي تعنى بشؤون السجناء السياسيين، كل هذه الهيئات والمنظمات أصبحت ناشطة في سوريا، وكان عملها الأساسي يقوم على جمع المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وإصدار نشرات تدين هذه الممارسات وتطالب بالإفراج عن المعتقلين. هذه المجموعات هي أهم مجموعات المعارضة السورية تأثيراً. ومع ذلك فقد كان لهذه المجموعات حصتها من المتاعب والمشاكل مع السلطة، إضافة إلى ميزانيات مالية محدودة جداً، لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات في الشهر الواحد. وقد أدت هذه الضغوط المالية إلى إضعاف الأداء الديمقراطي داخل هذه المنظمات. حيث بقي الاعتماد الأساسي على إمكانيات وقدرات الناشطين. ([29])

 

هيئات ومنتديات المجتمع المدني:

بالرغم من مشروع الإصلاح الذي سبق وأعلن عنه بشار الأسد، فقد رفض النظام السوري إعطاء التراخيص للمجموعات المستقلة، مفضلاً أن يتحمل ممارساتهم ويكشف أداءهم إلى حين تسمح الأوضاع السياسية بمعالجة هذا الملف بطريقة مختلفة، والمؤسسات التي تمت إجازتها كانت في معظمها في خدمة توجهات النظام، كالتي أسستها زوجة الرئيس، أو تلك التي يؤسسها أشخاص يدينون بالولاء للحزب الحاكم وقيادة النظام البعثي. والمؤسستان الوحيدتان اللتان نجتا مما سمي (شتاء دمشق) هما لجنة إحياء المجتمع المدني، ومنتدى الحوار الديمقراطي الذي كانت تديره سهير الأتاسي ابنة السياسي المعارض جمال الأتاسي الذي توفي عام 2000.

استقطب منتدى الأتاسي للحوار في لقائه الشهري مئات المشاركين، لكن دون أن تسفر هذه اللقاءات عن تحقيق أية نتائج ملموسة، فقد كان الحوار ينتهي في كل مرة دون التوصل إلى حل للمسائل المطروحة. كما أن حواراً يستمر لمدة ثلاث ساعات أو أكثر مرة واحدة كل شهر لن ينتج عنه بناء معارضة تملك توجهاً موحداً، لكن هذا المنتدى سمح لرموز المعارضة بأن يصبحوا معروفين من قبل المواطنين وإلى التعرف على بعضهم البعض وأن يسمعوا ويستمعوا بشكل علني وأمام جمهور. كما أن هذه اللقاءات أشارت إلى أن اليسار العلماني لا زال موجوداً. كذلك استفاد الرئيس الأسد من هذه اللقاءات أيضاً حين اعتبرها البعض إشارة إلى مساندة الرئيس لحرية التعبير. ([30])

 

الأحزاب السياسية:

الأحزاب السياسية هي الحلقة الأضعف في صفوف المعارضة، باستثناء الأحزاب الكردية التي تنمو على شحن وتعبئة المشاعر القومية للأكراد. أما باقي الأحزاب غير القومية فقد كان عدد أعضائها لا يتجاوز في أحسن الأحوال الألف منتسب. سوريا في الحقيقة لا تعاني نقصاً في عدد الأحزاب السياسية والمعارضة بل على العكس هناك تخمة في عدد هذه الأحزاب، رغم أنها من الناحية التقنية غير قانونية كونها غير مرخص لها بالعمل السياسي. وإن من الأسباب الأساسية التي أدت إلى ضعف هذه الأحزاب الضغط الأمني والملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية التي أدت إلى فقدان الروح الديمقراطية وبالتالي إلى ضعف هذه الأحزاب وتهميش حضورها على الساحة السياسية.

رغم هذا الواقع فقد ظهرت بعض الإشارات الإيجابية التي تدل على نمو النشاطات المعارِضة خاصة بين عامي 2002- 2005، مع قيام بعض التظاهرات والتجمعات الشعبية وظهور بعض قادة المعارضة في وسائل الإعلام، رغم هذا النشاط فقد تقلص عدد أعضاء هذه الأحزاب خلال نفس الفترة الزمنية، وأظهرت هذه الأحزاب غباءً في عدم قدرتها على استيعاب وضم الشباب إلى صفوفها، كونها لم تعمل على تجديد نفسها وتطوير أفكارها، مما دفع بجمهور الشباب بعيداً عنها.

فالأحزاب الناصرية واليسارية والقومية الموجودة حالياً يُنظر إليها في سوريا ومن قبل جمهور الشباب على أنها من آثار الماضي وهي ترتبط بأفكار ومبادئ انتهت وسقطت مع سقوط الاتحاد السوفيتي. ونظراً لتصدع المجتمع السياسي في سوريا نتيجة غياب الديمقراطية على مدى عقود، فالمعارضة السورية التي برزت خلال هذه الفترة كانت عبارة عن مجموعة من نخب المثقفين والمفكرين والناشطين في الحقل الاجتماعي والمدني الذين يلتف حولهم نخب المجتمع والقراء والمثقفين وليس الأتباع وعامة الناس. ([31])

 

وفيما يلي عرض لمختلف الأحزاب والتنظيمات المعارضة التي كانت متواجدة على الساحة السياسية السورية في العقد الأول من القرن الحالي:

1-    حزب البعث الحاكم:

لم تظهر ضمن هذا الحزب، في الفترة بين 2000 و 2011، أية معارضة للنظام القائم، بل أن جهاز الحزب غدا أحد الأجهزة الأمنية الموظفة لحماية النظام والدفاع عنه بحكم أنه بات موئلاً للمرتزقة والنفعيين والمستفيدين من النظام.

الظاهرة الوحيدة التي تستحق التسجيل في هذه الفترة من حياة الحزب هي انشقاق نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام في نهاية العام 2005، لكنها لا تعدو أن تكون ظاهرة فردية ناجمة عن تراجع دور خدام في تركيبة النظام الجديدة ووصوله إلى حد التهميش، كما أن اغتيال رفيق الحريري وما رافقه من اتهامات للنظام السوري بضلوعه في عملية الاغتيال، والصداقة التي كانت تربط خدام بالحريري، كانا من ضمن أسباب انشقاقه.

2-    الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي (الجناح المعارض):

تسلم حسن اسماعيل عبد العظيم الأمانة العامة للتنظيم عام 2000 بعد وفاة أمينه العام السابق الدكتور جمال الأتاسي وتابع التنظيم خطه المعارض للنظام، وقرر الانتقال إلى العلنية. إثر ذلك أجرى أمينه العام الجديد حسن عبد العظيم لقاءات مع نائب الرئيس آنذاك عبد الحليم خدام في محاولة لرسم خارطة جديدة للتعددية السياسية، لكنها فشلت. إلا أن السلطات السورية سمحت للتنظيم بعقد عدد من المؤتمرات العلنية، ثم عادت للتضييق على أعضائه. كان الحزب عضواً رئيسياً في إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي عام 2005، ثم انسحب منه لاحقاً وعلّق عضويته به. ([32])

3-    الحزب السوري القومي الاجتماعي:

3-1- جناح عصام المحايري: بدأ هذا الجناح يتنفس الصعداء في سوريا وسُمح له بالعمل رغم عدم انضمامه للجبهة الوطنية، وسجّل عودته إلى الحياة السياسية بشكل واضح عام 1990 عندما دخل أحد أعضائه مجلس الشعب، ثم أعلن الحزب عن تأسيس أول مكتب سياسي له في سوريا عام 1995 وانضم رسمياً للجبهة عام 2005 وبقي متحالفاً مع حزب البعث، حتى بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور. ([33])

3-2- جناح (الانتفاضة) ويقوده في سوريا علي حيدر، الذي تسلم رئاسة هذا الجناح عام 2007 واتخذ موقفاً وسطياً من النظام، فلم يدخل في الجبهة، ولا هو تحالف مع قوى المعارضة الأخرى. تمثّل موقفه السياسي في رفض إسقاط النظام لكنه طالب بالتعددية السياسية وتداول السلطة، ثم تحالف لاحقاً مع حزب الإرادة الشعبية (قدري جميل) مشكّلين الجبهة الوطنية للتغيير والتحرير، التي شاركت في حكومة رياض حجاب الذي انشق عن النظام، وما زال تحالف حيدر – جميل مستمراً في وزارة وائل الحلقي. ([34])

 

4-    الأحزاب الشيوعية المتحالفة مع السلطة:

لم يجر أي تغيير على خريطة تلك الأحزاب المنضوية تحت لواء الجبهة الوطنية التقدمية خلال الفترة المعنية، سوى انشقاق جماعة قدري جميل (الصهر السابق لخالد بكداش) عن جماعة خالد بكداش، عام 2001، مع قسم من منطقية الحزب في  دمشق، قدّر عددهم بسبعة وعشرين شخصاً. وأصبحت صحيفته المركزية قاسيون (صحيفة اللجنة المنطقية لحزب بكداش سابقاً)، وأخذ يعمل أيضاً كفصيل مستقل, زاعمين معارضتهم للنظام، لكن مواقفهم وطروحاتهم الفعلية لم تخرج عن السقف المحدد من قبل النظام لما اعتبره « معارضة وطنية وبناءة »، وبمعنى آخر: عملت هذه الجماعة كفصيل من فصائل الجبهة، دون أن تنتسب إليها رسمياً. ([35])

5-    فصيل المكتب السياسي:

ويتزعمه رياض الترك الذي حافظ على موقفه من النظام واستمر في معارضته، وتعرض أمينه العام رياض الترك للاعتقال مجدداً لمدة عامين، من 2001 إلى 2003، إثر لقاء له مع قناة الجزيرة الإخبارية ولمشاركته الفاعلة في « ربيع دمشق » وفي هيئات ومنتديات المجتمع المدني التي سبقت الإشارة إليها وكذلك في التوقيع على إعلان الـ 99 وإعلان الـ 1000 وعلى إعلان دمشق –  بيروت الذي أصدره في العام 2005 مجموعة من المثقفين والسياسيين السوريين واللبنانيين، طالبوا فيه بانسحاب القوات السورية من لبنان وبإعادة رسم العلاقة بين البلدين على أساس الندية والاحترام المتبادل وبتبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما وإنهاء العلاقة التي قائمة بينهما خلال فترة حكم الأسد الأب والمبنية على التبعية الكاملة للبنان إلى سوريا.

وفي العام 2005 أيضاً عقد مؤتمر للحزب تم خلاله تغيير اسمه إلى حزب الشعب الديمقراطي وتنحى الترك عن أمانته العامة لكنه بقي محتفظاً بتأثيره السياسي والمعنوي على قيادة الحزب. ([36])  

6-    حزب العمل الشيوعي:

بعد توقفه في عام 1991، عاد الحزب إلى العمل السياسي عام 2003 إثر الإفراج عن بعض قياداته التي كانت معتقلة، وأصدر نشرة جديدة أسماها « الآن »، وقام بجملة مراجعات تتعلق بنظريته وعمله الوظيفي وقراءة المستجدات الكثيرة التي طرأت على الواقع المحلي والإقليمي والعالمي على ضوء المنهج الديالكتيكي العلمي وانعكاسات كل ذلك على خطه وبرنامجه السياسي والعلاقات التنظيمية. يقود الحزب حالياً فاتح جاموس. ([37])

7-    الإخوان المسلمون:

بعد انتخاب علي صدر الدين البيانوني كمراقب عام للإخوان المسلمين في سورية في العام 1996، بدأت الجماعة مفاوضات سرية مع الحكومة. وعقب تولي بشار الأسد السلطة، أُفرج عن المئات من أعضاء الجماعة من السجن. إلا أن الأسد رفض مطالب البيانوني الأساسية التي تتمحور حول الإفراج عن كل أعضاء الجماعة المسجونين، والسماح بعودة كل المنفيين إلى سورية، ورفع الحظر الذي فرضته الحكومة على الإخوان من دون حصول مصالحة جدية بين السلطة والجماعة.

عام 2001 ظهرت الجماعة بثوب جديد. بدأ ذلك مع إعلان الجماعة للنقاط الأساسية بالمشروع الحضاري الذي طرح فيه الإخوان أنفسهم كمعارضة سلمية ديمقراطية تطرح تحولاً ديمقراطياً ليبرالياً، وأعادت الجماعة تأكيد تحولها عبر الميثاق الوطني في سوريا الذي صدر في 24/8/2002 عن مؤتمر الحوار الوطني في لندن، وفيه حددت الجماعة رؤيتها في بناء الدولة الحديثة التعاقدية المؤسسية، القانونية التداولية التعددية. وفي 2005، أيدت الجماعة إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، ثم ساهمت الجماعة في العام 2006 في تشكيل « جبهة الخلاص الوطني » مع نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، الذي كان قد انشق عن النظام في السنة الفائتة، ولقد أدى التحالف مع خدام إلى التشكيك في مصداقية الأخوان المسلمين في نظر الكثير من السوريين نظرًا إلى الدور البارز الذي سبق أن اضطلع به هذا الأخير في نظام الأسد. وقد انسحبت الجماعة من الجبهة في نيسان 2009 إثر قرارها تعليق نشاطاتها المعادية للنظام، وتحدثت كثير من التحليلات أن هناك وساطة تركية وقطرية للمصالحة بين النظام والجماعة، غير أن النظام السوري رفض رفع الحظر القانوني عن الجماعة، فباءت المحاولة التركية بالفشل. وفي تموز 2010، اجتمع المجلس العام للإخوان المسلمين في اسطنبول، وانتخب محمد رياض الشقفة وقد صرّح بعد شهر من انتخابه أن الإخوان المسلمين مستمرون في تعليق الأنشطة المعارضة للنظام. ([38])

 

8-    الأحزاب الكردية: ([39])

8-1- الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي): جناح الدكتور عبد الحكيم بشار، وهو قريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، وحليفه التقليدي في مختلف المراحل.

8-2- الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي): جناح نصر الدين إبراهيم، الذي يعتبر أكثر اعتدالاً، لكنه يُعتبر بدوره سليل مدرسة اليسار الكردي. برز هذا الفصيل على الساحة حينما انقسم البارتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي إلى فصيلين إثر وفاة سكرتيره العام كمال آغا بحادث سير، ويرتبط البارتي هذا بتحالف مع الحزب اليساري الكردي.

8-3- الحزب اليساري الكردي: يقوده محمد موسى محمد، وهو حزب علماني تأسس في شهر آب 1965، ويعتبر المرحوم أوصمان صبري الذي أسس أول حزب سياسي كردي في سوريا عام 1956 رمزاً لليسار الكردي في سوريا ولعموم المنحدرين من هذه المدرسة.

8-4- حزب اليكيتي: يقوده الآن اسماعيل حمي، ويتميز هذا الحزب بأن الأمين العام أو السكرتير فيه يتبدل بشكل دوري، بحيث يتولى أحد أعضاء المكتب السياسي هذا المنصب لمدة 3 أو 4 سنوات، وينفرد اليكيتي من بين الأحزاب الكردية بهذا التقليد الديموقراطي، وهو حزب يساري التوجه وينحدر من المدرسة اليسارية نفسها.

8-5- حزب آزادي: يقوده خير الدين مراد، المقيم خارج سوريا (في النرويج)، ويعتبر حزباً علمانياً وذا ميول يسارية وينحدر من المدرسة ذاتها التي انحدر منها كل من اليكيتي واليساري الكردي.

8-6- الحزب الديموقراطي الكردي السوري: الذي يقوده جمال شيخ  باقي، ويعتبر من الأحزاب المعتدلة في الحركة الكردية، ويتميز بموضوعية طرحه وأفكاره السياسية وهدوئه وعدم انجراره إلى المعارك الجانبية الكردية-الكردية.

8-7- حزب المساواة الديموقراطي الكردي: يتزعمه عزيز داود، وانفصل هذا الحزب عن الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي منذ تسعينات القرن الماضي، ويتحالف مع البارتي – جناح الدكتور عبد الحكيم بشار.

8-8- الحزب الوطني الديموقراطي الكردي: يتزعمه طاهر صفوك، الذي انفصل عن حزب المساواة الديمقراطي الكردي بعد وقت قصير من انفصاله مع عزيز داود عن حزب عبد الحميد درويش، ويتحالف بدوره مع البارتي – جناح عبد الحكيم بشار.

8-9- حزب الوحدة الديمقراطي: ويتزعمه محيي الدين شيخ آلي، الذي انفصل عن البارتي حينما كان موحداً منذ ثمانينات القرن الماضي.

8-10- الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي: ويقوده عبد الحميد درويش، وتربطه علاقة تحالفية مع حزب الوحدة الديمقراطي إلى جانب عدد من المستقلين.

8-11- حزب الاتحاد الديوقراطي (PYD): وهو قريب من حزب العمال الكردستاني في تركيا PKK (عبد الله أوجلان)، ويقود هذا الحزب حالياً صالح مسلم، ويطالب بالإدارة الذاتية لكرد سوريا، وهو حزب جماهيري كبير قياساً بباقي الأحزاب الكردية في سوريا.

8-12- تيار المستقبل الكردي: أسس مشعل التمو هذا الحزب عام 2005، وبعد اغتياله في تشرين الأول 2011 انتخبت مجموعة من أعضاء تيار المستقبل الكردي جانغدار محمد رئيساً جديدا لمكتب العلاقات العامة، اللجنة القيادية في الحزب. وقد أدى هذا إلى حدوث انقسام، حيث اعتبرت جماعة منافسة تدعم ريزان بحري شيخموس، الرئيس السابق للمكتب، الانتخابات الداخلية غير شرعية.

كما شكلت هذه الأحزاب مجموعة من  التحالفات فيما بينها، كان منها:

1-    المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا: ويتألف من حزبي الوحدة الديموقراطي الكردي (محي الدين شيخ آلي) و الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي (عبد الحميد درويش).

2-    المجلس السياسي الكردي: ويتألف من ثمانية أحزاب وهي: الديومقراطي الكردي، البارتي (عبد الحكيم بشار) و اليساري الكردي (محمد موسى محمد) و اليكيتي (إسماعيل حمي) وآزادي (خير الدين مراد) و الديموقراطي الكردي، البارتي (نصر الدين إبراهيم) و الديموقراطي الكردي السوري (جمال شيخ باقي) والمساواة الديموقراطي (عزيز داود) والوطني الديموقراطي (طاهر صفوك).

وعند الحديث عن حركات المعارضة الكردية، لا يمكن إغفال انتفاضة الكرد عام 2004 التي بدأت بأحداث القامشلي إثر مباراة لكرة القدم وامتدت شرارتها إلى مختلف المناطق التي يتواجد الكرد بها، وصولاً إلى العاصمة دمشق.

هذه الانتفاضة ساهمت في خلق نوع من الشرخ بين الكرد و »أشقائهم » العرب من حيث أن عرب سوريا وقفوا في مجملهم ضدها، أو مارسوا نوعاً من اللامبالاة حيالها، رغم اعتراف الجميع بأحقية الكرد في مطاليبهم. هذا الأمر أدى إلى نوع من « المعاملة بالمثل » من قبل معظم التنظيمات الكردية عندما اندلعت أحداث الثورة السورية لاحقاً في آذار من العام 2011.

 

9-    الأحزاب الآشورية والسريانية:

التجمع الديموقراطي الآشوري السوري، الذي تأسس عام 2007 – الحزب الآشوري الديموقراطي – المنظمة الآثورية الديموقراطية، التي تأسست عام 1957 – حزب الاتحاد السرياني السوري، وتأسس عام 2005. ([40])

 

في ذات الفترة الزمنية الذي نحن بصددها، تجدر الإشارة إلى مجموعة من الأحداث التي جرت وكان لها تأثير كبير في توجهات وسياسات المعارضة السورية بكل أطيافها، وتأرجُحِ مواقفها في معارضتها للنظام، سلباً أم إيجاباً، وفي علاقاتها البينية كذلك، لأن هذه الأحداث خلقت حالة من البلبلة وعدم اليقين لديها نظراً لعدم قدرتها على القيام بتحليلٍ سياسيٍ موضوعي ومعمق لخلفيات تلك الأحداث ومجرياتها وانعكاساتها.

فتفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001، وما لحقها من غزو أميركا لأفغانستان في نفس العام ومن ثم غزوها للعراق عام 2003 وما رافقه من طروحات أميركية حول بناء « شرق أوسط جديد » بكل ما تحمله هذه العبارة من معانٍ واحتمالات غامضة، بل ومتعارضة.

ثم جاء قانون محاسبة سوريا عام 2003 (Syria Accountability Act) ليزيد من حالتي الضياع وعدم اليقين لدى المعارضة السورية، ووجدت بعض فصائلها أن الوقوف مع النظام في وجه الضغوط الأميركية هو موقف وطني ومبدئي، مما يتوجب إزاءها طرح الخلافات الداخلية معه جانباً.

كذلك صدر قرار مجلس الأمن رقم 1559 عام 2004 رداً  على الإصرار السوري بتعديل الدستور اللبناني بهدف تمديد ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود لثلاث سنوات إضافية، ثم جاء اغتيال رفيق الحريري في شهر شباط عام 2005 وما تبعه من « ثورة الأرز » في لبنان التي أدت إلى الخروج العسكري السوري المذل منه في نيسان 2005 وما ترافق معها من اتهامات للنظام السوري بمقتل الحريري وتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالحريري، وانشقاق عبد الحليم خدام في نهاية العام 2005، كواحدة من نتائج تلك العواصف السياسية والعسكرية التي بدأت بأحداث أيلول 2001 ولمّا تهدأ بعد.

تفاقمت الأمور كذلك إبان حرب إسرائيل وحزب الله، المتحالف مع إيران والنظام السوري، عام 2006، ثم حرب إسرائيل على حركة حماس عام 2009، تلك الحركة التي كانت تشكل طرفاً أساسياً في محور المقاومة والممانعة آنذاك.

أما على الصعيد الداخلي، فلم تكن الأمور أقل تأزماً عن مسرح الأحداث الدولية والإقليمية، فقرار النظام في تقديم الإصلاح الاقتصادي على الإصلاح السياسي، وما تبعه من السير فيما سمي بـ « اقتصاد السوق الاجتماعي » كبديل لواجهة النظام التي كانت معتمدة منذ 1963، أي « النظام الاشتراكي »، وما رافق تطبيق هذا النظام الاقتصادي الجديد من انفتاح اقتصادي لم تستفد منه إلا شريحة محدودة مرتبطة بالنظام بحيث أضحت تمتلك ثروات فاحشة. كما نجم عن هذا الانفتاح الاقتصادي غير المبرمج، ازدياد ملحوظ في تنامي ظاهرة تحوّل المجتمع السوري إلى مجتمع استهلاكي باضطراد كبير. أدى كل ذلك إلى تفاقم معدلات البطالة والتضخم وتآكل الطبقة الوسطى. كما نجم عن سياسات الاستملاك الجائرة، وخاصة في الأرياف المحيطة بالمدن الرئيسية، والتي كانت تتم لصالح مشاريع استثمارية تقوم بها شريحة رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، أن هبطت شرائح كبيرة من السوريين إلى ما تحت خط الفقر.

كان من تحصيل الحاصل، وكنتيجة للسياسات الاقتصادية الجديدة أن تمكن القطاع الخاص، غير المنتج والمرتبط بالنظام أساساً، من الاستيلاء على حيز كبير من الاقتصاد السوري. ولتمكين هذا القطاع الصاعد من إدارة أعماله وتحريك استثماراته بكفاءة وحرّية فقد تم السماح للمصارف الخاصة، بعد غياب استمر أكثر من أربعة عقود، بالعمل في سوريا. وكنتيجة منطقية لهذا الإجراء فقد تم السماح بدخول الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الحديثة خدمة لذلك القطاع من الأعمال، وهذا ما أدخل السوريين، وخاصة شباب الطبقة الوسطى، في عالم الانترنت والمعلوماتية، ولاحقاً وسائل الاتصال الاجتماعي (الفيسبوك وتويتر واليوتيوب) بعد أن تم رفع الحجب عنهما في سوريا بتاريخ 8/2/2011.

شكّلت كل هذه العوامل، بطريقة أو بأخرى، مجموعة الإرهاصات التي مهدت لاندلاع الاحتجاجات في شهر آذار 2011، والتي تطورت بسرعة إلى ثورة شعبية، وسط غياب كامل للطبقة السياسية سواء في المعارضة أو في السلطة، حتى أن الرئيس السوري بشار الأسد، وفي لقائه مع مجلة وول ستريت جورنال بتاريخ 31/1/2011، استبعد قيام أي حراك في دولته إسوة بدول الربيع العربي « تونس ومصر ».

 

الثـورة السوريـة (آذار 2011 – …):

 

تباينت الآراء حول تحديد تاريخ بعينه لاندلاع الاحتجاجات في سوريا، لكن الثابت أنها بدأت أولاً في العالم الافتراضي مع بداية العام 2011، وتحديداً يوم 18/1/2011 عندما تم إنشاء صفحة « الثورة السورية » على موقع الفيسبوك من قبل ناشطين سوريين متمرسين بتقانات التواصل الاجتماعي، ومتأثرين ببدء الاحتجاجات في تونس ومصر. بدأت الصفحة تنشر على حائطها عبارات تعبوية تطالب بالخروج في تظاهرات مناهضة للنظام وتعرض مجموعة من الفيديوهات والأخبار من المواقع السورية والعالمية التي تستهدف جمهوراً افتراضياً معارضاً. تبنت هذه الصفحة الدعوات التي أُطلقت من قبل بعض نشطاء الفيسبوك والتويتر إلى « يوم الغضب السوري » بتاريخ 5/2/2011 في محاولة لمحاكاة تجربة مصر في 25/1/2011. فشلت الدعوة ولم يستجب لها أحد من المواطنين، وهذا ما شجع القيادة السورية لرفع الحظر عن وسائل التواصل الاجتماعي في 8/2/2011، لأنها رأت في فشل الدعوة قيمة مضافة لها.

تضاعف عدد المشتركين في هذه الصفحة خلال الفترة ما بين 8 شباط و 15 آذار حتى وصل إلى 52 ألف، وكان معظمهم من المغتربين السوريين وبخاصة شريحة المبعدين سياسياً في أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى « أسماء مستعارة » من الداخل السوري. أدى نجاح الثورة المصرية ونجاح التظاهرة المطلبية في سوق الحريقة بدمشق يوم 17 شباط إلى زيادة كبيرة في أعداد المشتركين بهذه الصفحة.

رغم قيام الصفحة بنشر مقاطع الفيديو لتظاهرة الحريقة والاعتصام أمام القصر العدلي يوم 16 آذار، لكنها لم تكن على اتصال أو تواصل مع النشطاء الذين خرجوا في هذه التظاهرات.

عموماً فقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة أو بأخرى، في إنتاج واقع كسْرِ حاجز التعتيم أو فقدان المعلومة المحتكرة، إذ أضحى من غير الممكن تطويق الحدث بمنع المراسلين أو الصحافيين من تقصي المعلومات في مدينة أو قرية ما. كما ساهمت كذلك في بروز ظاهرة المواطن الناقل للحدث بأدواته البسيطة التي قد تقتصر على هاتف محمول من الجيل الثالث أو الرابع، وإرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي مثّلت مجالاً عاماً قادراً على توصيله إلى وسائل الإعلام التقليدية المتابعة، التي أخذت على عاتقها، إرادياً أو نتيجة افتقاد هامش حركتها في مصدر الحدث، تعميمه ونشره.

من الملاحظ أيضاً أن الشباب المتأثرين بالعولمة هم من صنعوا الخطاب السياسي للحراك الثوري، لكن من دون أن يكون الرافعة الأساسية لهذا الحراك. ([41])

مع تكرس الانتفاضة في الوعي الجمعي الشعبي الذي ترافق مع اتساع الرقعة المجالية للحركات الاحتجاجية وارتفاع وتيرة زخمها، كما وازدياد حجم المنخرطين بها، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، واندلاع التظاهرات الألفية في المدن المتوسطة مثل دير الزور وحماه، والكبيرة مثل حمص؛ بدأ الحراك الاحتجاجي الشعبي، الذي غلبت عليه العفوية واللامركزية في الحركة، يطور آلياته من خلال بروز ظاهرة التنسيقيات التي شهدت في هذه الفترة انتشاراً مفرطاً وانتشرت صفحاتها بدرجة كبيرة بين مثقفي البلدات والقرى ومتعلميها وخريجيها، بحيث غدت لكل مدينة أو قرية أو حي في سوريا تنسيقيته الخاصة التي تقوم بنقل الأخبار ومقاطع التظاهرات. ([42])

       

التنسيقيات:

كما سبق القول، فقد حكمت العفوية الحراك الشعبي، لكن مع استمراره وتطوره ظهرت الحاجة إلى نوع من التنظيم يحدد مواعيد انطلاق المظاهرات وأماكنها، وبما أن الفئات الوسطى وبعض المُنَظمين حزبياً كان لهم الدور الرئيسي في إنتاج أغلبية التجمعات الاحتجاجية عبر المجموعات المتنقلة، فقد أنتج هذا الحراك نوعاً من القيادات المحلية التي بدأت تتجمع على نمط مجموعات مقسمة في كل حي ومنطقة وبلدة، وبدأت تفكر في وضع آلية منظمة في عملها وتقسيم المهمات على أفرادها وفق إطار إعلاني شعاراتي تجلى في طباعة اللافتات وتجهيزها.  إضافة إلى إطار ميداني لقسم من الشباب ذوي الكاريزما القادرة على قيادة التظاهرات على الأرض، فضلاً عن مجموعات أخرى أخذت على عاتقها مهمة تصوير التظاهرات وتأريخها وإرسالها إلى القنوات الإعلامية والصفحات الناشرة. وضمن هذا التنسيق الوظيفي للشباب المحتج قامت هذه المجموعات بإنشاء صفحات لها على موقع الفيسبوك لضخ المعلومة القادمة من قلب الحدث وبصورة مباشرة.

كانت هذه الصفحات بمثابة الجناح الإعلامي لهذه المجموعات التي سمت نفسها « تنسيقيات » وقرنت كل تنسيقية اسمها باسم الحي أو البلدة أو المحافظة. ومع تزايد المخاطر الناجمة عن العنف القمعي لهذه التظاهرات، برزت الحاجة إلى عمل إسعافي طبي للمتظاهرين. وقد استطاعت هذه المجموعات إنتاج ما سمي « المستشفيات الميدانية » من خلال اختيار أحد الأماكن، إما خارج الإطار التنظيمي للحي أو المدينة أو داخل الوسط الشعبي الكثيف الذي يصعب إيجاده. واستطاعت هذه المجموعات جمع التبرعات لتهيئة المستلزمات اللازمة لعمل الفريق الطبي « المتطوع ». وقد أدى هذا الجانب الدور الأكبر في سد الثغرة الناجمة عن إمكان ملاحقة المصابين والجرحى واستجوابهم من قبل قوات الأمن على غرار ما حصل في مدينة درعا بداية الأحداث، وتجدر الإشارة إلى أن عمل هذه المستشفيات لا يقتصر على الأطباء المرخص لهم مزاولة المهنة فحسب، إنما ارتكز أساساً على طلبة كليات الطب والصيدلة والمعاهد الصحية والطبية المنخرطين في الثورة.

عرّفت التنسيقيات نفسها بوصفها (منظمات غير حكومية NGOs)، تعنى بالمجتمع المدني في سوريا، وتشير بوضوح، من خلال اسمها، إلى الرغبة والتعطش لدى شبان التنظيم السلمي في تحشيد الطاقات والإمكانيات لدى المجتمع في أعمال متناسقة متكاملة، لكنها ليست هرمية كما هي حال المعارضات التقليدية، وإنما تسعى لإنجاز أعمال جماعية تتسم بالتآلف والانسجام لتحقيق هدف أساسي صريح، وهو تفكيك النظام الأمني وإسقاط النظام.

عمّت فكرة التنسيقيات مختلف المحافظات والمناطق وتكاثرت عددياً بصورة مفرطة، وغدت إحدى أدبيات الحراك، ومثّلت أرشيفه الدائم بحسب توزعها الجغرافي، كما تجذّرت الفكرة كأحد أساليب التنظيم للحراك من قبل الشباب المحتج، واضطلعت بالوظيفتين التعبيرية والتكوينية؛ وعكست هذه التنسيقيات أحد أوجه انخراط الفئات الوسطى في المستوى التفاعلي الافتراضي للحركات الاحتجاجية، وبخاصة أن مجموعة من التنظيمات الافتراضية كانت قد أنشئت قبيل اعتماد مسمى التنسيقية وألّفت نويّات شبه منظمة لإدارة هذا الحراك مثل « حركة 17 نيسان للتغيير الديمقراطي » و « ائتلاف 15 آذار لدعم الثورة السورية » وغيرهما.

 

تنسيقية المحافظة:

أدرك شبان الحراك استحالة سقوط النظام في فترة قصيرة، على غرار ما جرى في تونس ومصر، فعملوا على تأطير حراكهم في هيئات جامعة تمثّل نواة تنظيمات حزبية سياسية يكون لها دور في رسم معالم المرحلة السياسية الراهنة والمستقبلية. كما اضطرهم الأسلوب الأمني الذي اتبعه النظام في معالجة الاحتجاجات كاقتحام المدن والعمليات العسكرية، إلى محاولة إنتاج تواصل بين تنسيقيات المناطق التي تخضع لتلك العمليات والاقتحامات بهدف خلق ضغط شعبي خارج هذه المناطق لتخفيف الضغط الأمني عليها. وقد تنبهوا أيضاً للمخاوف من احتمالات وأد الحراك في مناطق معينة وتداعياته على الزخم الشعبي في باقي المناطق.. كل ذلك أدى إلى إنتاج تنسيقيات موحدة في إطار التقسيم الإداري في سوريا على مستوى المحافظات وسميت « التنسيقيات الأساسية » لتمييزها عن تنسيقيات الأحياء والقرى والمدن الصغيرة والمتوسطة. وقد حمل برنامج هذه التنسيقيات نفس المهمات التي كانت منوطة بالتنسيقيات الصغيرة، إضافة إلى مهمة حقوقية حددها بتوثيق أسماء الشهداء والجرحى والمعتقلين، والتواصل الدائم مع مؤسسات وهيئات حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات. كما أنتج معطى جديداً تجلى بمهمة الدعم المادي واللوجستي القائم على جمع التبرعات في الإطار المناطقي لدعم عوائل الشهداء والمطلوبين أمنياً، إضافة إلى النازحين من مناطق التوتر الساخنة. ([43])   

 

اتحاد تنسيقيات الثورة السورية:

كانت فكرة الاتحاد تنطوي على اجتماع التنسيقيات في كيان واحد يتم من خلاله التنسيق بوجه عام في مختلف الأمور، سواء الميدانية أو السياسية، وتكوين شخصية اعتبارية تضم التنسيقيات المنضوية تحته، وتكون مهمته تمثيل الحراك المدني على الأرض سياسياً وإعلامياً، وتنظيم وتوحيد العمل ميدانياً، إضافة إلى تأسيس قاعدة مجلس ثوري يضم شبان وناشطي الثورة لحماية أهدافها وضمان تحقيقها كلياً.

تأسس الاتحاد في شهر أيار 2011، لكن بيانه التأسيسي صدر في 1/6/2011، وقد تمثّل الاتحاد، حسب ما ورد في بيانه التأسيسي، باجتماع ممثلي عدد من التنسيقيات المحلية للثورة السورية في مدينة دمشق وريفها ودرعا ودير الزور وحمص، على أن يضم مستقبلاً تنسيقيات الثورة الإعلامية والميدانية كافة.

أسهمت فكرة الاتحاد وما تمخض عنها، من ترشيح التنسيقيات لممثلين لها في الداخل وفي إدماج الشبان في العمل السياسي بمرتكزاته ومضامينه كافة.. إلى تطوير آليات لفرز الأشخاص الفاعلين داخل التنسيقيات وترشيحهم بحسب كفاءتهم وقدرتهم على التعاطي مع أدبيات المرحلة السياسية للعمل داخل الاتحاد، وقد مثّل ذلك نقلة نوعية في وضع هؤلاء على محك الاختبار الإجرائي للممارسة السياسية، وبالتالي لقدرتهم على صياغة رؤية سياسية تمثل خطوطاً عامة وملامح أساسية لحراكهم. وهو ما جعل الحراك الثوري ينتقل من المرحلة العفوية إلى مرحلة أكثر تنظيماً.

واجه الاتحاد بعد إعلان بيانه التأسيسي مجموعة من العقبات أبرزها افتقار الشباب إلى الخبرة السياسية، وافتقادهم القدرة على ضبط الحوار الذي كان ينشأ داخل الاتحاد حول عدد من القضايا المستجدة، إضافة إلى مشاكل ذات إطار شخصي كرغبة كل قائد مجموعة على مستوى التنسيقية في أن يكون الممثل في محافظته أو منطقته من دون اللجوء إلى الأدوات الانتخابية، لكن الاتحاد استطاع تجاوز بعض هذه العقبات مع زيادة الخبرة الميدانية والإعلامية لممثلي التنسيقيات في الاتحاد. ([44])

 

الهيئة العامة للثورة السورية:

 

بتاريخ 18 آب 2011 أعلنت التشكيلات الافتراضية والافتراضية/الميدانية عن توحدها تحت اسم الهيئة العامة للثورة السورية، وقد أقرت هيكلها التنظيمي وفق ما يلي:

1-    التنسيقيات: التي تمثل المستوى الأول، وهي التنسيقيات الميدانية، وتكون مهمتها متابعة الحراك وتنظيمه.

2-    ممثلو التنسيقيات: وهم يمثلون الطبقة الثانية من الهيكلية وينسقون العمل الثوري في المناطق التي يمثلونها ويقومون بانتخاب ممثل لهم في مجالس المناطق.

3-    مجالس المناطق: وهي تمثل المستوى الثالث، ويتم انتخاب أعضائها من التنسيقيات ليؤلفوا مجالس قيادة المناطق بإشراف لجنة العضوية والانضمام، وعددهم غير محدد ويتبع لظروف كل محافظة.

4-    المجلس الثوري: وهو يتألف من 37 عضواً عن جميع المحافظات، ويتم انتخابهم من خلال قيام ممثلي التنسيقيات باختيار أشخاص يمثلونهم على مستوى المحافظات.

استطاعت الهيئة العامة أن تفرض حضورها في المجال العام الافتراضي والميداني في سوريا، وغدت تشكيلتها أنضجَ تشكيلةٍ للحراك الثوري لجهةِ مصدر المعلومات من ناحية، والمهمة التوثيقية الحقوقية لأسماء الجرحى والمعتقلين والشهداء من ناحية ثانية. هذا إلى جانب لجان التنسيق المحلية التي تتألف من حقوقيين وناشطين بمهمات توثيقية حقوقية أيضاً، كما ألفت الهيئة أول مؤسسة تعمل وفق شكل عمودي مثّلها المكتب السياسي الذي يتولى إصدار البيانات ورؤية الهيئة لمسار الثورة في سوريا.

وقد مثّلت هذه الهيئات الافتراضية/الميدانية أبرز ما أفرزه الحراك الثوري الجديد في سوريا من خلال انخراط فئات سياسية شبابية كانت مُغيّبة عن العمل السياسي، وميزت نفسها من المعارضة التقليدية واستطاعت على الرغم من قلة خبرتها السياسية، أن تجد ما يؤطر الحراك ويقوده ويكوّن واجهة سياسية على الصعيد الميداني. بيد أنها لم تنجح في تأسيس كيان ميداني متماسك يستطيع أن يفرض معالم المرحلة السياسية في الثورة الحالية أو المقبلة؛ وقد عانت أيضاً الاختلافات الأيديولوجية بين أعضائها، وتأثرهم بقوى المعارضة التقليدية التي نقلت مشاكلها إلى جسم الهيئة العامة، وبخاصة في ما يتعلق بقضايا إشكالية مثل الجيش الحر والتدخل الخارجي. كما أنها لم تستطع مواجهة الصفحات الناشرة التعبيرية على الرغم من انضوائها تحت مظلتها لتفرض عليها أدبيات سياسية من الداخل السوري، بل رضخت إرادياً أو بصورة غير مقصودة لتوجهاتها في رسم معالم الشعارات السياسية في الثورة، ولا سيما صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد. ([45])

 

واقع المعارضة السياسية التقليدية السورية بعد قيام الثورة:

بينما كان شبان الحراك الثوري يطوّرون ثورتهم ويوسّعون رقعتها ويجذّرونها، ويبتكرون الأطر الميدانية والتنظيمية من واقع تجربتهم المحدودة، وفي نفس الوقت يجابهون قمع النظام وتنكيله بهم وملاحقته لهم دون هوادة؛ كانت مختلف أطياف المعارضة السياسية التقليدية، كل منها بشكل منفصل عن الآخر، تجهد في استيعاب ما يجري على الأرض وتحاول تلمّس طريقها إلى التواصل مع شبان الحراك ورموزه أملاً في إيجاد دور لها فيه والظهور بمظهر العرّاب لهذا الحراك.

لم يكن لهذه المعارضة أي دور في اندلاع الثورة ولا في مسار تطورها، بل على العكس من ذلك، إذ عندما تمكنت من التواصل مع بعض رموز الحراك في الهيئة العامة للثورة، فقد انعكس ذلك سلباً على أداء الثوار من حيث أنهم تأثروا، كما أسلفنا، بأمراض وتناقضات وخلافات المعارضة التقليدية وتعارض توجهاتها.

لكن نقص الخبرة السياسية لدى الثوار وحاجتهم الماسة إلى الواجهة السياسية التي لم يتمكنوا، بحكم نقص خبرتهم من تشكيلها، وكذلك بسبب افتقادهم لحرية الحركة ولانعدام فرص اجتماعهم في مكان واحد لأسباب أمنية نتيجة حصار أمن النظام لهم (كانت اجتماعاتهم افتراضية وتتم عن طريق برنامج السكايب) فقد سلّموا بحاجتهم إلى واجهة سياسية تمتلك خبرة في العمل السياسي وتتمتع بهامش من الحركة غير متاح لهم، خاصة ذلك الجزء المتواجد في الخارج، كما أنهم كانوا بحاجة إلى طرف يستطيع مخاطبة العالم الخارجي بلغته السياسية التي لا يجيدونها هم.

في هذه الأثناء، بدأت المعارضة التقليدية محاولاتها لتشكيل هياكل سياسية موسعة تضم أكبر عدد ممكن من التنظيمات والأحزاب المعارضة لتقدّم نفسها للداخل والخارج معاً كأوسع كيان تمثيلي للشعب السوري وللثورة والحراك، وقد تمخضت تلك المحاولات في نهاية الأمر عن عدة هياكل، وهي:

1-    هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي: ([46])،وهي ما تم التعارف عليه بمعارضة الداخل، وقد تأسست بتاريخ 5/10/2011، وتشكلت من الأحزاب والتنظيمات السياسية التالية:

– حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي.

– حزب الاتحاد السرياني السوري (وقد انسحب في وقت لاحق).

– حزب العمل الشيوعي السوري.

– حزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي.

– تجمع اليسار الماركسي (تيم).

– حركة معاً من أجل سوريا حرة ديمقراطية.

– الحزب اليساري الكردي في سوريا.

– الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.

– حزب الاتحاد الديمقراطي.

– الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي).

 

2-    المجلس الوطني الكردي: وتشكل في 26/11/2011 بمشاركة أحد عشر حزباً كردياً وبعض التنسيقيات الشبابية والفعاليات الثقافية والاجتماعية، وقد اعتمد في وثيقته الختامية تصوره لحل المسألة الكردية في سوريا على أساس حق تقرير المصير ضمن إطار وحدة البلاد واعتماد اللامركزية السياسية في إداراتها. بينما ظل حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم (PYD) خارج المجلس. ([47])

 

3-    المجلس الوطني السوري: وهو ما اصطلح على تسميته بمعارضة الخارج، وقد ضم مجموعة من أطياف المعارضة وشكّل الإخوان المسلمون جناحه الأكثر تأثيراً ضمنه وذلك باستحواذهم على ربع عدد أعضائه البالغ 310، كما ويحسب ربع آخر عليهم بشكل غير مباشر. كما ضم المجلس مجموعة إعلان دمشق. أعلن عن تشكيله في اسطنبول بتاريخ 2/10/2011.

وهنا يجدر بالذكر أن حركة الإخوان المسلمين تأخرت في إظهار موقفها من الثورة ولم تصدر بيانها الرسمي الأول بدعم الثورة إلا في أواخر نيسان 2011، قبل أن تسارع لتتبوأ الصفوف الأولى للمعارضة الخارجية. ([48])

 

4-    المنبر الديمقراطي السوري: أصدر بيانه التأسيسي في القاهرة بتاريخ 18/2/2012، وضم مجموعة من الشخصيات المعارضة التي قَدِم معظمها من هيئة التنسيق ومن مستقلين، ومنهم: ميشيل كيلو – عارف دليلة – فايز سارة – حازم نهار – خلف علي الخلف – ناصر الغزالي – سمير عيطة – أحمد المحاميد – أحمد المصري – رشا القس يوسف – ميسا صالح – معتصم السيوفي – محمود الكن. ([49])

5-    الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية: تم تشكيل هذا الائتلاف بعد تعرض المعارضة السورية لضغوط كبيرة كي تتوحد في كيان واحد، وقد تلقت وعوداً كثيرة من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية بالدعم السياسي والمالي والعسكري وبالاعتراف بالكيان الجديد ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري.

بناء على ذلك اجتمع ممثلو المجلس الوطني السورين، الذي كان يُعد الكيان المعارض السوري الرئيسي في الخارج، مع عدد من معارضي الداخل والشخصيات المستقلة والمجالس المحلية والعسكرية في العاصمة القطرية « الدوحة » ووقعوا اتفاق تأسيس الائتلاف يوم 12/11/2012، وقد تم انتخاب احمد معاذ الخطيب رئيساً وكل من رياض سيف وسهير الأتاسي نائبين للرئيس ومصطفى الصباغ أميناً عاماً وتم ترك منصب النائب الثالث للأكراد ليتم الاتفاق على الشخص الذي سيشغله لاحقاً. ([50])

 

تمحور الخلاف بين شقي المعارضة السياسية الرئيسيين، أي معارضة الداخل ومعارضة الخارج، حول نقطتين رئيسيتين:

–       استدعاء التدخل الخارجي وطلب إنشاء مناطق عازلة وممرات أمنة ومناطق حظر للطيران، وقد اندفع المجلس الوطني في هذا الاتجاه، بينما رفضته هيئة التنسيق وأصرت على رفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي (رغم أنها لم تقم أبداً بإدانة التدخل الروسي والإيراني وحزب الله اللبناني).

–       إصرار معارضة الخارج على إسقاط النظام بكل رموزه ورفض أي حوار معه، بينما تبنت معارضة الداخل، ربما لظروفها الأمنية وتواجدها في الداخل، مبدأ الحوار مع النظام وصولاً إلى تنحي الأسد وتفكيك النظام الأمني.

لكن، وبسبب تطور الأمور، خاصة المواقف الدولية المترددة في دعم الثورة ومطاليبها، حتى بعد تشكيل الائتلاف الوطني، وبعد أن أوغل النظام في حله الأمني والعسكري وأبدى تعنتاً وإصراراً على رفض الحوار، فقد تقاربت مواقف الطرفين إلى درجة كبيرة، فلم تعد المعارضة الخارجية تطالب بالتدخل الدولي ولا بالمناطق الآمنة أو حظر الطيران بعد أن يئست من الاستجابة الدولية لمطالبها هذه. وبعد أن تبين لكل الأطراف أن النظام ليس في وارد التحاور مع أي طرف داخلي ولا خارجي، سوى أطراف المعارضة التي شكلها بنفسه والتي أدخلها في آخر وزارة قام بتشكيلها، فقد تراجعت هيئة التنسيق أيضاً عن مطلب الحوار مع النظام بالشكل الذي كانت تطرحه. رغم هذا فليس من المفهوم عدم توحد المعارضتين طالما أصبحت طروحاتهما شبه متوافقة، إلا أللهم ما هو ناجم عن العلاقات الشخصية بين مختلف الأطراف ورغبة كل طرف في الحصول على القسم الأكبر من « كعكة » المعارضة، ولاحقاً من حصة الحكم فيما لو قدر لها استلام السلطة بعد سقوط النظام.  

 

عسكرة الثورة وبروز ظاهرة الجيش الحر والمعارضة المسلحة:

 

انطلقت الحركة الاحتجاجية في سوريا ضمن الوسط الشعبي الريفي، لكنها امتدت إلى المدن الكبيرة مثل حمص وحماه ودرعا ودير الزور وإدلب واللاذقية. وكان من أهم سماتها السلمية والعفوية واللامركزية. وخلال الأشهر الستة أشهر الأولى من عمر الثورة، كانت فئة الشبان من الطبقة الوسطى هي التي تتقدمها وتقودها وتفرض عليها توجهاتها، من خلال فضاء التفاعل الميداني، بشعارات وطنية جامعة.

لكن العمليات العسكرية وحملة الاعتقالات الواسعة التي قامت بها السلطات، والتي استهدفت هذه الفئة بصورة رئيسية، غيّبت حضورها عن التظاهرات، ومن ثم كان لهذا التغييب أثر كبير في انفلات الإيقاع الذي كانت تفرضه وتضبط من خلاله أي انحرافات ممكنة.

وتعتبر ظاهرتي غياث مطر في داريا وإبراهيم القاشوش في حماه أوضح مثالين على التوجه السلمي للحراك والقدرة على ضبط إيقاعه وعلى أسلوب السلطات في التعامل مع هذه الفئة تحديداً.

وقد أكد الحقيقة السلمية للحراك خلال تلك الفترة، وإن بأسلوب غير مباشر، الرئيس بشار الأسد نفسه في خطابه أمام مجلس الشعب بتاريخ 3/6/2012، عندما أكد بأن المقاومة المسلحة لم تبدأ إلا في نهاية شهر آب 2011، بعد أن تيقنت « الجهات المتآمرة » من استحالة إسقاط النظام سلمياً.

وبعد المناخ التشاؤمي الذي كرسه خطاب الرئيس بشار الأسد أمام جامعة دمشق بتاريخ 20/6/2011، وافتقاده إلى أية معالجات من شأنها تغيير سلوك نظامه الأمني؛ وبعد العمليات العسكرية الواسعة التي قام بها الجيش السوري في حماه ودير الزور وقرى إدلب منذ مطلع شهر آب حتى منتصف أيلول 2011؛ وبعد  بروز ظاهرة الجثث الملقاة والممثل فيها تشويهاً بأدوات حادة، أو حرقاً..

فقد جرى تبدل ملحوظ لدى الرأي العام وشبان الحراك في النظرة إلى المؤسسات ككل، وإلى المؤسسة العسكرية بالتحديد، تلك المؤسسة التي كانت إحدى أيام جمع الحراك السلمي قد سُميت باسمها، أي « جمعة حماة الديار ».

لم يشمل هذا التبدل جمهور الحراك المدني فقط، لكنه طال أعداداً من الجنود ضمن المؤسسة العسكرية ذاتها، إذ رفض كثيرون منهم تنفيذ الأوامر التي كانت تصدر إليهم بإطلاق النار على المتظاهرين العزّل، مما كان يؤدي إلى إعدامهم ميدانياً من قبل أجهزة أمن النظام التي كانت تتمترس في الصفوف الخلفية، وهذا ما ساهم في  بروز ظاهرة « الانشقاق » التي اتخذت طابعاً فردياً في بداية الأمر، ثم تطورت لاحقاً لتأخذ طابعاً جماعياً،  حيث أمكن ذلك.

خلال هذه الأحداث ظهر المقدم « حسين الهرموش »، كأرفع رتبة انشقت عن الجيش، وأعلن عن تأليف « لواء الضباط الأحرار » الذي غدا آنذاك واجهة عسكرية للعناصر المنشقة عن الجيش، وواجهة إعلامية للمواجهة معه.

تزايد معدّل الانشقاقات الفردية والجماعية عن الجيش النظامي بازدياد وتيرة القمع وتغوّل النظام باستخدام القوات المسلحة في قمع التظاهرات، وبدأت تظهر في الفضاء الافتراضي والوسائل الإعلامية تشكيلات لكتائب مسلحة ادعت أنها جزء من لواء الضباط الأحرار بقيادة المقدم حسين هرموش، الذي اتخذ من مخيمات اللاجئين على الحدود السورية – التركية مركزاً له.

وبتاريخ 29/7/2011، أعلن العقيد المنشق رياض الأسعد عن تأسيس ما اصطلح على تسميته « الجيش السوري الحر »، وأناط بكتائبه مسؤولية حماية التظاهرات السلمية، ثم ما لبثت أن أخذت طابعاً تنظيمياً في مناطق الاحتجاجات، وأطلقت على نفسها تسميات بحسب توزعها الجغرافي وادعت ارتباطها بقيادة مركزية يرئسها العقيد الأسعد.

لا يقتصر تكوين الجيش السوري الحر على المنشقين العسكريين عن الجيش النظامي فحسب، الذين تتراوح نسبتهم بين 20 و 30 بالمائة من تعداده، وإنما تضم الكتائب التابعة له مجندين سابقين في الجيش أتموا الخدمة العسكرية الإلزامية، ومسلحين مناطقيين اصطلح على تسميتهم ميدانياً « الثوار » تمييزاً لهم من المتظاهرين السلميين، وبالتالي مثّل الجيش الحر الخلط السياسي بين التسلح الفردي والجماعي، والمنشقين العسكريين الذين يجدون احتضاناً وحماية ضمن الوسط الشعبي المحتج.

لا يخضع نشاط الكتائب المسلحة بالضرورة للتحكم مركزياً من قبل قياداتها، أو للتنسيق في عملها بل يأخذ أداؤها أوجهاً متعددة تعكس نمط تموضعها، فمنها، مثلاً، من يتولى مواجهة الاقتحامات العسكرية وفق نمط حرب العصابات التي تحتضنها بيئة اجتماعية وطائفية موحدة، على غرار ريف حماه وإدلب وريف دمشق ودير الزور، وتتبع هذه الكتائب نمط تسلح خفيف يعتمد موارد محدودة ومصادر تمويل ذاتية.

لذلك يمكن القول، استناداً إلى المعطيات السابقة، أن الظاهرة المسلحة في سوريا هي « ظاهرة شعبية » لا تقتصر على المنشقين العسكريين فحسب. ([51])

 

عموماً يمكن الجزم بأن الثورة السورية، مع بداية العام 2012، دخلت مرحلة جديدة اتسمت ببروز الظاهرة المسلحة « الجيش الحر ». أما ظاهرة التسلح نفسها فقد مرت بعدة مراحل يمكن اختصارها بما يلي:

1-    الضرورة إلى حماية المتظاهرين السلميين، فبعد الخسائر البشرية الكبيرة في صفوفهم نتيجة اعتماد قوات النظام الحل الأمني والعسكري في مواجهة التظاهرات السلمية، بدأت مجموعات من الأهالي التي تمتلك أسلحة فردية، بحكم أن امتلاك السلاح الفردي ظاهرة منتشرة في سوريا خاصة في الأرياف، بدأت بتشكيل أطواق حماية للمتظاهرين مهمتها مواجهة قوات النظام عندما تبدأ بإطلاق النار عليهم لمحاولة منعها من تحقيق إصابات مباشرة بين صفوفهم وكذلك لإقناع أفراد قوات النظام بأن قتلهم للمتظاهرين لن يكون مجانياً، فقد يتعرضون هم أنفسهم للإصابة من جراء ذلك.

2-    غالباً ما كان الجنود المنشقون عن الجيش يفرّون من مواقعهم حاملين أسلحتهم الفردية، وهذا ما شكّل المصدر الثاني لأسلحة الثوار.

3-    تكرار قيام مجموعات من الكتائب المسلحة بالإغارة على مواقع عسكرية منعزلة وفيها عدد محدود من العناصر بغرض الاستيلاء على مخازن السلاح الموجودة في تلك المواقع.

4-    بعد تنامي ظاهرة العسكرة والتسلح لدى المعارضة، بدأت بعض الأطراف الإقليمية، ولأهدافها السياسية الخاصة، بمد فصائل معينة بذاتها بالسلاح، لكن وفق أجندة محددة وبشكل لا يؤدي إلى حدوث خلل في موازين القوى بين النظام والمعارضة، انتظاراً لبلورة حل دولي للأزمة السورية.

 

خاتمــة:

مع تطور الصراع في سوريا وتشعبه، ودخول أطراف إقليمية ودولية على خطه، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، تحولت الأزمة السورية من صراع داخلي بين نظام قمعي ديكتاتوري وبين شعب خرج مطالباً بأبسط حقوقه الإنسانية والوطنية، إلى صراع مصالح واستراتيجيات دولية وإقليمية ومحاولات لإعادة رسم خريطة المنطقة جيوسياسياً وجيوستراتيجياً ابتداء من سوريا، بحيث لم تعد كل الأطراف السورية، سواء المعارضة السياسية، التقليدية منها أو التي نشأت على هامش الحراك الشعبي، أو العسكرية، ولا ذلك الطرف الذي يتربع على قمة السلطة السياسية منذ خمسة عقود؛ لم تعد كل تلك الأطراف قادرة على التأثير بمجريات الأحداث ولا بمآلاتها بعد أن أصبحت رهينة لتوجهات ومصالح القوى الكبرى التي تدير « لعبة الأمم ».



[1]    كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

   [2] http://fanack.com/ar/countries/syria/history/hafiz-al-assad-1970-2000/

[3]    كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[4]    محمد حيدر – البعث والبينونة الكبرى

[5]    محاضر جلسات مباحثات الوحدة – الدار القومية للطباعة والنشر – نيسان/ابريل 1963

[6]    محمد حيدر – البعث والبينونة الكبرى

[7]    محمد حيدر – البعث والبينونة الكبرى

[9]    سهير سلطي التل – حركة القوميين العرب وانعطافاتها الفكرية – مركز دراسات الوحدة العربية – 1996

[10]    كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[11]    كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[12]   كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[13]   كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[14]   محمد حيدر – البعث والبينونة الكبرى

[15]   محمد حيدر – البعث والبينونة الكبرى

[16]   كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[17]  http://fanack.com/ar/countries/syria/history/hafiz-al-assad-1970-2000/

 [18] http://www.odabasham.net/show.php?sid=12340

 

 [20] http://www.syrianparties.info/?page_id=57

  [21] http://www.syrianparties.info/?page_id=62

[22] http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%AF%D9%86%D8%A7%D9%86_%D8%B3%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86#.D9.84.D9.84.D9.85.D8.B2.D9.8A.D8.AF_.D8.B9.D9.86_.D8.A7.D9.84.D8.A5.D8.AE.D9.88.D8.A7.D9.86_.D9.81.D9.8A_.D8.B3.D9.88.D8.B1.D9.8A.D8.A7

[23]  http://www.syrianparties.info/?page_id=99

[24]   أنظر: مقال سابق للكاتب في نفس الموقع (أحداث حماه 1982، بأجزائه الثلاثة)

[25]   كمال ديب – تاريخ سوريا المعاصر

[26]    تميز ربيع دمشق بإنشاء منتديات سياسية غير رسمية لتشجيع النقاش المفتوح حول القضايا السياسية وقضايا المجتمع المدني والإصلاحات، وطالب بيان الـ 99 ومن ثم بيان الـ1000 بإطلاق التعددية السياسية والفكرية والحزبية في ظل سيادة القانون ورفع حالة الطوارئ، ولم تدعُ أبداً إلى تغيير النظام ولم تطعن في شرعية خلافة بشار الأسد للرئاسة

[27]   صناعي دمشقي، دخل معترك العمل السياسي لأول مرة عبر دخوله مجلس الشعب عام 1994 وتكرر انتخابه عام 1998، وفي العام 2001 فَتَحَ ملف الهاتف الخليوي في مجلس الشعب، الذي تعود ملكية شركته إلى رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، فرفعت عنه الحصانة النيابية واعتقل وحوكم بتهمة « نقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة » وحكم عليه بالسجن خمسة سنوات، وأفرج عنه عام 2006

[28]  http://www.odabasham.net/show.php?sid=12340

[29]  http://www.odabasham.net/show.php?sid=12340

 [30] http://www.odabasham.net/show.php?sid=12340

 [31] http://www.odabasham.net/show.php?sid=12340

 [32] http://www.syrianparties.info/?page_id=75

 [33] http://www.syrianparties.info/?page_id=131

[34]  http://www.syrianparties.info/?page_id=133

 [35] http://www.syrianparties.info/?page_id=59

 [36] http://en.wikipedia.org/wiki/Riad_al-Turk

[37]  http://www.syrianparties.info/?page_id=62

[38]  http://www.syrianparties.info/?page_id=99

 [39] http://www.syrianparties.info و http://carnegie-mec.org

[41]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية

[42]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية

[43]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية

[44]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية

[45]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية

 [47] http://www.syrianparties.info/?page_id=2994

[48]  http://www.syrianparties.info/?page_id=99

 [49] http://www.kassioun.org/index.php?mode=article&id=19121

 [50] http://www.aljazeera.net/news/pages/c333e3ce-da50-4bd3-abc3-7ff3b42cd4c7

[51]  حمزة مصطفى المصطفى – المجال العام الافتراضي في الثورة السورية