حزب الله وشعار «الأمن الاستباقي» والحكومة – بشير هلال

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 février 2014

لم تتأخر محطة «أو.تي.في» العونية في تعليقها على انفجاريْ بئر حسن عن اعتبار ان كرة مكافحة الإرهاب أصبحت في ملعب «تيار المستقبل» و١٤ آذار، بعد تشكيل الحكومة التي يحتل فيها وزراء «مستقبليون» وزارتي الداخلية والعدل. وهو وجودٌ اعتبرت الكثرة قبوله من «حزب الله» وفريقه نتاجاً لتفاهمات إقليمية دولية تواكب التفاوض على الملفيْن الإيراني والسوري، ولتغيُرٍ جزئي في نسبة القوى سبَّبه الضعف العام غير القابل للتعويض في وزن النظام الأسدي بذاته.
لم يتأخر ممثلو «حزب الله» عن السير بهذه المقاربة التي تجعل «مكافحة الإرهاب» مهمة رئيسة للحكومة الوليدة، ودفعها الى نهايتها المنطقية بعزل الإرهاب عن مسبباته المباشرة وجعله قضية قائمة بذاتها ولذاتها، ميدانها الوحيد بيئة سنّية حاضنة يتوجب «إعادة تأهيل» ممثليها السياسيين وخطابها عبر الأداتين الإعلامية والأمنية، بما يساوي التمهيد لاستتباعها من داخلها، مثلما جرى عملياً مع قسم من الطوائف الأخرى عبر تلبية بعض المصالح الجهازية والذاتية لممثليها وتنظيماتها و/أو عبر التخويف.
وفي تعبيرٍ لافت عن هذا المسار كان رد الفعل الأوَّل للوزير حسين الحاج حسن على التفجيرين: «إن الحكومة معنية بمواجهة الارهاب من خلال الأمن الاستباقي وتجفيف منابعه». بذلك أضاف الحزب «الأمن الاستباقي» كإطار لعمل الحكومة الجديدة يستكمل مفهوم «الحرب الاستباقية» التي برَّر ولا يزال يبرِّر بها مشاركته النظام الأسدي حربه ضد المعارضة وما تمثِّل. وهو التبرير الذي وسَّعه الحزب من الدفاع عن المراقد بداية إلى مواجهة «التكفيريين» في الإقليم تالياً لأنهم «يقولون كذباً إنسحبوا من سورية فلا يعود لنا شغل معكم في لبنان، ولو سيطروا على الحدود لحِّقوا على سيارات مفخخة»، كما قال السيد نصرالله في خطابه الأخير قُبيْل التفجيريْن.
هذه مقاربة توحي بأن من الصعب اعتبار موافقته على التضحية بحكومة تصريف أعمال تشكلت أساساً استناداً إلى تدخله العنفي، وقبوله حكومة خالية من الثلث المُعطِّل وبرئيسٍ 14 آذاري «معتدل»، إقراراً من جانبه بمعادلة جديدة بمقدار ما هو حتى الآن محاولة لضبط حربٍ إرهابية غير متناظرة، جرَّبها فاعلاً ولم يَعْتدْ أن تُخاض ضده وضد رموز النفوذ الإيراني وتطاول ابرياء وآمنين، كما تجمع بين التذرُع بـ»ردع» تورطه السوري وبين الأهداف السياسية الخاصة بالمجموعات الجهادية التي سبق لبعضها ان كانت له علاقات عمل معه ومع النظام الأسدي. وهذا انما يعني انتقالاً بالحرب السياسية الى أشكال جديدة.
ويعكس الاتجاه المُرجَّح لإقرار بيانٍ وزاريٍ مقتضب خالٍ من الإشارة الى صيغة «الجيش والشعب والمقاومة» ومن «اعلان بعبدا» في آن، ثلاث وقائع متفاوتة ومتمايزة المفاعيل:
الأولى، أن «حزب الله» الذي بلورت حربه السورية صورته كحزبٍ مذهبي مؤقلَم خسر أيديولوجياً وسياسياً توصيف «المقاومة» الذي كان ذريعته وسلاحه لاستتباع شرائح شعبية وقوى سياسية غير شيعية… الأمر الذي يجعل الاحتفاظ بالصيغة المذكورة مستحيلاً في حكومةٍ تضم معظم أطياف المشهد السياسي، ويقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» معارضاً ناقداً لأي تساهل من «المستقبل» أو «الكتائب» مع إعادة إقرارها، بما يهدد بتبديد البقية الشكلية الباقية والضئيلة من 14 آذار، في وقتٍ لم يتأكد انفراط عقد 8 آذار، رغم الحديث عن تحالف خماسي (بإضافة التيار العوني) يحل محل التحالف الرباعي المنصرم، ورغم تطبيع العلاقات العونية – الحريرية.
الثانية، ان «حزب الله» بادعائه الانتصاري كخلفية دائمة لخطابه المؤلَّه لا يستطيع ألاَّ يَعِد جمهوره بالنصر في سورية، وهذا ما فعله أمينه العام في الخطاب ذاته بقوله: «اننا بهذه المعركة سننتصر والمسألة مسألة وقت وما تحتاجه المعركة من عقول وإمكانات واستعداد على المستوى الرسمي والمقاومة والشعبي، موجود»… بالتالي فقبول الحزب إعلان بعبدا الذي أنكره في اليوم التالي لموافقته عليه في 12 حزيران (يونيو) 2012 سيُعتبَر مع التنازلات في الحكومة هزيمة له. وهذا ما يُفسِّر، إضافة إلى التوجيه الإيراني، تكثيف مشاركته في معركة القلمون لتحقيق انتصارٍ في منطقة ليست مهمة للنظام فحسب، بل للحزب أيضاً في الجغرافيا السياسية لانتشاره ولسلاحه.
الثالثة، أن وجود «حزب الله» في وزارة واحدة مع «المستقبل» بعد خصومته العدوانية له بما كانت تشكله من قاعدة لاستقطاب حاد متماهٍ مع الصراع السنّي- الشيعي المؤقلم، ينقله افتراضياً إلى وضعٍ جديد. لكن الإشكال أنه يستمر في طلب الأهداف القديمة ذاتها تحت عنوان «محاربة الارهاب التكفيري واستئصال هذه الظاهرة المجنونة المدمرة واعتماد خطة وطنية شاملة تباشر الحكومة تنفيذها على مختلف الصعد والمستويات لانجاز هذا الهدف الوطني المطلوب»، كما جاء في بيان كتلته النيابية الأخير.
قصارى القول إن «حزب الله» إذ يحاول أن يحمي نفسه من تداعيات خسائره في حربه السورية، ومن إرهاب القوى السلفية والجهادية التي استقطبتها أو أطلقتها في لبنان وعلى حدوده، في صيغة الجمع بين مواصلة الحرب على أمل الانتصار وبين إرغام القوى السياسية المشاركة في الحكومة القصيرة العمر (99 يوماً إذا أُجريت الانتخابات الرئاسية في موعدها) والمؤسسات وأدواتها على الانخراط في سياسة «الأمن الاستباقي»، وهذا إنما يؤسس لتوسيع الأخطار لا لحصرها.
فتيار «المستقبل» كخصمٍ- شريكٍ أساسي له مصلحة في خوض معركة ضد قوى الجهادية السلفية التي وسَّعت نفوذها المديني وأخطارها على حسابه في معرض «دعمها» للمعارضة السورية. لكن نجاحها الأكبر تمثل في توظيف النقمة السنّية على دور «حزب الله» وخطابه المذهبي الإخضاعي، ونسبة القوى التي تجعل منه أهم السلطات في دولةٍ لا تستخدم و/أو لا تستطيع استخدام سلطاتها الدستورية. وليس النجاح في إعفاء «حزب الله» من تنفيذ القوانين المتصلة بالسلاح وبتأليف الجماعات المسلحة وبإعلان حروب عابرة للحدود، وعدم تسليم متهمين باغتيالات هلك فيها أبرياء، في حين يُلاحَق قائمون بأفعالٍ مماثلة. فهذا لا يُسهِّل عمل «المستقبل» ولا قوى الاعتدال في سائر الطوائف، كما يجعل أية سياسة أمنية «استباقية» لا تتزامن مع انسحاب الحزب من سورية وإغلاق المعابر العسكرية معها وإزالة التمييز اللادستوري، محرقة لمن يتبناها.