حقاً…إن الزحام يعيق الحركة ؟! – عريب الرنتاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 juin 2011

كشف الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه – المُنتظر منذ أجلٍ بعيد – عن وجود أزيد من 64 ألف مطلوب فار من وجه العدالة، تصل أحكام بعضهم أو كثير منهم، إلى الأعدام…في بلد لديه 13 جهازاً أمنياً، تستهلك نسبة – لا أحد يعرفها – من أموال خزينة الدولة ودافعي الضرائب…وكنت أظن أن الرئيس بكشفه عن هذه المعلومات، إنما يمهد لقرار حل ودمج وتسريح ومحاسبة العديد من « الأجهزة » و »القادة » و »المسؤولين » الأمنيين، أقله لتقصيرهم في هذا الميدان الجنائي…لكن خاب ظني وطاشت تقديراتي.

وإذا أضفنا إلى هذا الجيش من المطلوبين والمطاردين، جيش آخر يضم المئات – وربما الألوف – من المتطرفين الإسلاميين الذين يقيمون إماراتهم ذات اليمين وذات الشمال، فإن قصة سوريا مع « الأمن » تبدو قصة فشل ذريع، تصلح لأن تدرس في شتى المعاهد والكليات كأسوأ نموذج على « الزحام المعيق للحركة »…فجأة ومن دون سابق إنذار، نُصدم، بل ويُصدم الرئيس شخصياً بوجود كل هذه الجيوش من الخارجين على القانون…فجأة ومن دون مقدمات، نكتشف أن خلايا القاعدة والسلفية الجهادية، تتوفر على أحدث أجهزة الاتصال وسيارات الدفع الرباعي المسلحة بالرشاشات المضادات للحوامات…نكشتف إنهم يفرضون سلطانهم في غيبة سلطة القانون، وان الشعب، وليس أجهزته الأمنية، هو الأفعل في مقاومتهم والتصدي لهم…كل ذلك بوجود 13 جهاز أمني، توظف مئات ألوف الضباط والجنود والمخبرين إلى غير ما هناك من أسماء ومسميات وتستهلك مئات ملايين الدولارات سنوياً.

في ظني أن الخطاب المطوّل للرئيس السوري، فشل في إحداث الصدمة الإيجابية المطلوبة منه….أخفق في الالتقاء مع الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري وتطلعاته…أغرقنا بوابل من التفاصيل والدروس والعظات ذات الطبيعة الأخلاقية والتلقينية…أغرقنا في بحر من « اللجان المختصة » و »الرزنامات الزمنية المتداخلة…أثقلنا بالدروس المستخلصة من اللقاءات مع الوفود الشعبية من مختلف المحافظات والمرجعيات والأعمار، والتي جرت الإشارة إليها ما لا يقل عن عشر مرات في الخطاب ذاته…لكننا في نهاية المطاف، « خرجنا من المولد بقليل من الحمص »…خرجنا بجعبة خاوية من الخطوات العملية والإجراءات الملموسة الكفيلة بإحداث الاستدارة في سياقات الأزمة واتجاه تطورها….خرجنا بلا ضمانات من أي نوع، بأن غداً سيكون يوماً مختلفاً.

كان بمقدور الرئيس أن يعلن إقالة الحكومة وحل مجلس الشعب (على سبيل المثال)…وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تشرف على إجراء انتخابات لجمعية وطنية تأسيسية، تضع دستورا جديدا للبلاد، وتشرف على إجراء حوار وطني شامل حول منظومة قوانين العمل العام، من قانون الانتخابات إلى قانون الأحزاب مرورا بكل رزمة التشريعات ذات الصلة…حكومة تتشكل من شخصيات وطنية مستقلة، غير حزبية، موثوقة من الشعب، ومعروفة بنظافة الكف واللسان والضمير.

كنّا نأمل أن يفضي فشل الأجهزة الأمنية، إلى إطلاق « بيروسترويكا أمنية »، تطيح بثقافة الخوف التي تحدث عنها الرئيس شخصياً، وتعيد الاعتبار للعلاقة بين المواطن والدولة، وتستعيد بعض الثقة في دور السلطة والمؤسسات والأجهزة…كنا ننتظر إحالة بعض الحيتان والرؤوس الكبيرة ممن تسببت في قتل الناس وترويعهم وسرقة لقمة عيشهم خلف القضبان…كنا نأمل أن يتسرب « حوار المشاعر » مع الناس، إلى إجراءات وخطوات يطلقها الرئيس ويقودها، بالاستناد إلى « المكون الأول »: الشعب التوّاق للحرية والكرامة ولقمة العيش والمشاركة ومحاربة الفساد….كنّا نأمل أن يصغي الرئيس لنبض الشارع لا إلى تقارير الحزب والأجهزة والحفنة المقرّبة من المستشارين إياهم.

لن يحدث خطاب الرئيس بشار فرقاً…سوريا قبل الخطاب هي ذاتها بعده…قد يعطي الخطاب فسحة من الوقت لدول لا تريد أن تناصب سوريا العداء، وقد يوفر لها المبررات للصمود على موقفها بضعة أشهر أخرى (روسيا تحديداً)…لا أدري إن كان الخطاب سيرضي تركيا، إن كان يستجيب للحد الأدنى من « نصائحها »…لكنني على ثقة بأن كرة الغضب الدولي ستواصل تدحرجها…وكرة المعارضة السورية ستواصل تراكمها…لا شيء سيتوقف … لا شيء سيتغير.

أفضل تعليق على الخطاب جاء بالإنجليزية (To little … to late – قليل جدا…متأخر جداً)..لو افتتح الرئيس السوري موسم خطابات الأزمة بهذا الخطاب، لكان وفر على سوريا شعباً ونظاماً، الكثير من الجهد والدماء والعناء…اليوم بعد 1300 شهيد وألوف الجرجى وأضعاف هؤلاء من المشردين والمهجرين، لم يعد مقبولا اليوم، ما كان مقبولاً بالأمس…هذا الخطاب، على ما فيه من جديد اللغة والمشاعر وحتى المواقف والإيماءات، لم يوفر الصدمة المطلوبة…وقد انتهت مفاعليه عند الانتهاء من إلقائه….هذا ما أظنه، وليس كل الظن إثم.

Source : Al Quds Center
Date : 21/6/2011
http://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_details=2&id1=4454&local_type=129&hid=1