حماه… وأيضاً حماه – خولة دنيا

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 août 2011

حماه بحروفها الأربعة متعبة

بحائها التي تصدح من صماصيم القلب وكأنها تنهيدة أبدية

وميمها وألفها الخفيفة وكأنها تنقلك من القلب إلى الخلود

وهائها التي تبقي فمك مفتوحاً بدهشة على مجهول ما قد تجلبه الأيام من جديد

حماه الخفيفة الوطأة في الكلام

الثقيلة الهم في القلب

وجع العقل الأبدي.. بداية الأحزان، ونهاية الآلام

حماه التي تتوسط القلب كما توسطت سوريا

بريفها المتشعب في تاريخ يتلوى بين الجبل والسهل والنهر والصحراء.. تجدها تجمع الخلق وكأنها من صنعته.. وتتوسط العقد وكأنها جوهرته

حماه التي في الذاكرة لها طعم العرقسوس الذي يشربه أبي من يد ويمسك بيدي الطفلة بيده الأخرى وأنا أتلوى من قسوة الطعم الغريب وأتلفت أحاول النظر فيما تركته فوهات البنادق والمدافع على الجدران

حماه التي في الذاكرة ببقايا ابنيتها المهدمة.. بحكايا بناتها المرعبة… وببقايا أحزانها التي صادفتها المرة تلو الأخرى في فروع الأمن العسكري عند مراجعتي لها

هي حماه اليوم

حماه بحي حاضرها وكأنها ترمي الماضي وتبني يومها من جديد… بجوامعها وكنائسها

بحديقتها الجميلة التي بنيت على بقايا المقبرة القديمة التي هدمتها الدبابات فوق رؤوس ابناءها الذين اختبؤوا فيها منذ ثلاثين سنة.. فازهرت بسرعة عجيبة وتطاول الشجر فيها وكأن اجسادهم ابت إلا معانقة السماء

هي حماه

وأيضاً حماه

 بداية هي… ونهاية النهايات

 من قال  أن ثورتنا كانت لتزهر لولا المشهد الرائع الذي سطره ابناءها في ساحة العاصي بمئات الآلاف

ذاك المشهد الذي انعش الروح.. فأحسسنا بفرحة نصر مؤقت…. خلده في الذاكرة بلبلها الصادح وغنائه الرائع  الذي أصبح رمزاً من رموز ثورتنا العاصية هذه

تنتابني حماه كذاكرة قريبة بعيدة

أخجل من نفسي لأني اغضيت الطرف عنها لسنوات طويلة .. استطاع خلالها البرابرة بث الزعر فينا منها

هم البرابرة أولاد البرابرة من قام بالتدمير

في الماضي كان العاصي يعج بالدماء والأجساد، واليوم عاد ليصطبغ بلون الدم من جديد

حماه التي اختاروها هدية رمضان المباركة، فتركوها لليلة الأخيرة من شعبان، ليزفوا ابنائها بالجملة وجبة لإفطار الأسد… ملك الغابة لا يستريح فكيف إن اختار وجبته بعناية فائقة من البلد الأقرب للغابة تلك الغابة التي جففوها وحولوها لمزارع لابناء المدن الشتى التي تتكور في وسط سهول حنطتها … وتتحول إلى أكداس اسمنت ومزارع خصوبة دائمة تنتشر من حماه إلى جسر الشغور وتتوسط الجبل والهضاب وكأن الامتداد الجغرافي لحماه اصبح اليوم امتدادا بؤريا لعشرات القرى المتراكمة على ضفتي العاصي تنهل منه ولا تستريح

هي حماه إذاً من جديد

جوهرة العقد السوري

وجوهرة ثورته المتوهجة بالدم والإصرار والعناد

هي الجوهرة التي أرادوا النيل منها لينفرط العقد، فتركوها لوجبة السحور الأولى هدية

لماذا علينا أن نقدم القرابين تلو القرابين للأب والابن من بعده؟

لماذا علينا تحمل تكرار المشهد كل ثلاثين سنة؟

هل كتب علينا الشقاء لهذه الدرجة؟

فتوقف زمن توليد الديكتاتوريين حتى نبتلى بالأب والعم واليوم بالابن والأخ وأولاد العمومة والأحفاد والسلسلة التي لا تنتهي من توالد الديكتاتوريين الصغار وأحفادهم؟

ولماذا حماه مرة أخرى ايها القتلة المحاصرون بجرائمكم المرة تلو الأخرى

الدخان يعلو أسطح منازلها

يعشس في القلب… ويتوزع دموعاً سوداء على حيطان مساكنها المزروعة بالخوف

كم لهذا القلب أن يتحمل من تنقلات لا نستطيع القيام بها في الحقيقة

فنتوزع على أبواب المدن المحاصرة لنزور دير الزور وجسر الشغور والبوكمال والقامشلي واللاذقية

أصوات المدافع ترافقنا.. واجتياح المدن يحاصرنا من جميع الجهات

نتنقل علنا نوزع مشاعرنا مع جميع الأمهات الثكالى

وأين منا أحزانهم أو حتى فرحة الشعور بالحرية في عيون شبانهم الغاضبين والتواقين لغد بدون أصوات رصاص ومدافع

أين نحن من كل مايجري على بقاع الروح التي اسمها سوريا

نحن المتكورون على أبواب زنازين المدن نناشد الرب يوماً بدون دماء

تحترق الدروب الذاهبة إلى الدمار

فنرافق الدبابات توجساً.. والخوف يحاصر العيون من وجهتها التالية

أين نحن من كل مايجري وجرى

تسكننا المدن والبلدات ونحن نتنقل بينها كحمامات عافت العش واحتارت أين تخبئ صغارها

حماه وجع القلب والروح

أنا البدوية الريفية ابنة حماه

تغزوني الذاكرة كما لم  تفعل كل عواصم الأرض

أحن لأشرب العرقسوس من جديد في ساحة العاصي

وأركب باص الهوب هوب من كراجاتها القديمة

أتوجه إلى حاضرها

علّي أساعد في بناء ما تهدم من مستقبلها

لا نريد حدائق بعد اليوم تبنى فوق المقابر

لابناءنا استطالاتهم وأشجارهم الوارفة

زهورٌ هم في القلب

وسيسطعون وهم يغنون نشيد حريتنا التي يريدون

ونريد

خولة دنيا – 1-8-2011

https://www.facebook.com/notes/khawla-dunia/حماه-وأيضاً-حماه/242415902456018