خلاصة الرسائل المسربة من صندوق بريد الأسد الصغير: ظاهرة الدكتور جيكل والمستر هايد – آرام الدمشقي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 24 mars 2012

  تندرج رواية « الدكتور جيكل والمستر هايد »، للروائي الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسن التي ألفها في الام 1886، تحت صنف أدب روايات الرعب، وقد اعتمدها لاحقاً مؤسس علم النفس الحديث سيجموند فرويد في تحليله لمرض الفصام العقلي (Schizophrenia).

فالدكتور جيكل هو شخص دمث ورجل طيب وعلى علاقة ممتازة مع محيطه الاجتماعي، لكن تسكن جسده شخصية ثانية مناقضة كلياً له، هي شخصية المستر هايد التي تمثل الشر والإجرام في صورتهما المطلقة.

لم يكن الدكتور جيكل على علم بتلك الشخصية الأخرى التي تسكنه (وتلك هي الصورة النمطية لمرض الفصام العقلي)، لكنه وبعد أن تيقن أنه هو ذاته المستر هايد، لم يجد وسيلة سوى الانتحار كي يخلص نفسه والعالم من شرور وآثام وجرائم الشخصية الأخرى التي تشاركه ذات الجسد. 

ما سربته صحيفة الغارديان البريطانية من صندوق بريد الأسد الصغير، وبمعزل عن كل التفاصيل المخزية التي أزاحت الستار عنها والتي لا تليق بأية شخصية عامة، ناهيكم عن كونها رئيساً للبلاد، فقد أماطت اللثام عن حالة نمطية مشابهه للفصام العقلي الذي يرتدي لبوساً سياسياً، فالدكتور جيكل يرأس ظاهرياً دولة مؤسسات، فلديه مجلس للوزراء ومجلس للشعب وجبهة وطنية تقدمية وقيادة قومية وأخرى قطرية للحزب القائد في الدولة والمجتمع ولديه أيضاً محكمة دستورية عليا ومجالس إدارة محلية وقضاء ….، وكل الهياكل « الكرتونية » التي تشي بأنه يحكم « دولة »، وهو إلى ذلك ماضٍ في طريق « الإصلاح الشامل »، ولهذا الغرض، فإنه يقوم بسن القوانين والمراسيم ويعدّل فيها ويصدر دستوراً جديداً وينظّم الاستفتاءات والانتخابات….، وما إلى ذلك من مظاهر استعراضية، لا هدف لها سوى إعطاء الانطباع أن هناك دولة في سوريا. 

أما المستر هايد، فتراه يسخر من كل ما يقوم به الدكتور جيكل من خطوات « إصلاحية » ويهزأ بها وهو لا يعير انتباهاً ولا اعتباراً لأي من تلك الهياكل الكرتونية التي أنشأها الأخير، ويدير دفة الحكم من خلال مجموعة من « الأشباح » لا أحد يعرف شيئاً عنها، لكنها فعلياً صاحبة القرار، خاصة في التعامل مع أخطر أزمة تواجهها البلاد في تاريخها.

من هم هؤلاء النكرات (لا نقول ذلك في معرض القدح أو الذم لكن لتقرير واقع قائم) تلك التي تتحكم في رقاب السوريين وبمصيرهم وتصوغ كل سياسات البلاد: خالد الأحمد، سوسن الكزبري، هديل علي، لونا الشبل، أبو زياد، سارة الأخرس، بسام…..، شهرزاد الجعفري، حازم…..، حسام…..، فواز الأخرس، حسين….. (رجل الظل الذي يدير عدة قنوات إيرانية ولبنانية ويتولى متابعة الإعلام الإسرائيلي)، وغيرهم من الأسماء التي ورد ذكرها في الرسائل المسربة، وكيف اتفق أنه يأخذ برأي ونصح هؤلاء الأشباح ويعتمدهم كبطانة رئيسية له، بل ويعتمد توصيات مستشار السفارة الإيرانية بدمشق في صياغة الخطب التي يلقيها، بينما لا يكلف نفسه عناء استشارة رئيس مجلس الوزراء ولا رئيس مجلس الشعب ولا أي شخصية أو مؤسسة كرتونية في الدولة الأخرى التي يرئسها الدكتور جيكل؟ 

ما هو المنصب الرسمي للونا الشبل، تلك التي سمحت لنفسها بأن تصف نائب رئيس الجمهورية بـ « المهزوم » في رسالتها الموجهة للأسد الصغير وكأنها تتحدث عن شخصية من دولة أخرى، عدوة، غير تلك التي يرئسها من وجهت له رسالتها؟

لقد بدا من ذلك الوصف بأن العدو الحقيقي « لدولة الظل » ما هو إلا « الدولة الواجهة »! 

وما هو المنصب الرسمي الذي يتبوأه فواز الأخرس كي يقدم التوصيات في شتى المجالات (كالتحكم بسعر صرف الليرة السورية وما يتوجب على الرئيس عمله بشأن الحملات الإعلامية التي يتعرض لها…) وأين هو حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير الإعلام في دولة الدكتور جيكل من كل ذلك؟

ومن هو خالد الأحمد حتى يكون له القول الفصل في استراتيجيات وتكتيكات المواجهة العسكرية والأمنية المتبعة في قمع الحراك الشعبي، وأين هو دور وزير دفاع الدكتور جيكل ورئاسة أركانه؟

ومن هي هديل العلي كي تتولى تنسيق تحركات حزب البعث وتقترح تبديل قياداته المختلفة، وما هو إذن دور قيادات الحزب وكوادره التي تتبع الدكتور جيكل؟

وثالثة الأثافي هي شهرزاد الجعفري التي تتولى مهمة تنسيق عمل البعثة السورية لدى الأمم المتحدة مباشرة مع المستر هايد دون العودة إلى وزير خارجية الدكتور جيكل أو حتى مجرد إعلامه بما يتم الاتفاق عليه، وما هو منصبها الرسمي سوى أنها كريمة رئيس الوفد السوري لدى الأمم المتحدة؟

ما هي المؤهلات السياسية والدبلوماسية والعلمية والمهنية لهؤلاء النكرات التي تمكنهم من إدارة دفة الحكم، خاصة في مرحلة مصيرية كتلك التي تمر بها سوريا؟ 

ما أوردناه، وهو غيض من فيض الرسائل المسربة، كافٍ كي يدرك أي عاقل بأن هناك دولتان في سوريا: دولة ظاهرة للعيان « الدولة الواجهة » لا تملك من أمرها شيئاً ولا تتحكم في أي مفصل من مفاصل الحياة والحكم في البلاد، ودولة ثانية خفية لا تظهر شخوصها للعلن ولا نعرف عنها ولا عن مواقعها الحقيقية شيئاً، هي التي تحكم سوريا فعلياً على كل الأصعدة: من السياسة إلى الأمن إلى الاقتصاد والإعلام والدبلوماسية وما إلى ذلك من مفاصل الحكم.

إنها دولة الظل التي لا تُرى ولا تُسمع ولا تُلمس، بينما الدولة الثانية، دولة الدكتور جيكل، ليست أكثر من واجهة ممسوخة ومخزية لدولة الظل الحاكمة! 

إسقاطاً على ما سبق، يمكن الاستنتاج، وبكثير من الثقة، أن نهج المقاومة والممانعة لا يعدو كونه أحد التجليات « المسرحية » للدولة الواجهة ورئيسها الدكتور جيكل ، لكن من المؤكد أن المستر هايد يتعامل مع هذا النهج بنفس القدر من السخرية والاستخفاف الذي يتعامل به مع إصلاحات الدكتور جيكل، لأنه لا يرى في هذا النهج أكثر من « رتوش وأصباغ » للدولة الواجهة، بينما ينعدم وجود « مهزلة » كتلك في دولة الظل التي يسيّرها. 

في مطلق الأحوال، لم يكن التطابق تاماً بين رواية ستيفنسن والكابوس السوري، إذ يتبدى لنا وجود فارق تراجيدي بين الحالتين، هو الأكثر إثارةً للرعب، ففي حين كان المستر هايد يحتل جسد الدكتور جيكل دون علمه، نرى المستر هايد في رواية الرعب السورية يختار، وبوعي تام، تقمص شخصية الدكتور جيكل كلما رأى ذلك ضرورياً، أي أن الشخصية الأساس في الرواية السورية، على عكس رواية ستيفنسن، هو المستر هايد، وما شخصية الدكتور جيكل إلا إحدى التجليات « الإعلامية والدعائية » لها، لكن بمعرفة وقرار كاملين من الشخصية الأساس. 

بعبارة أخرى، إن كانت رواية ستيفنسن تجسد الصراع الكامن داخل النفس البشرية بين إرادتي الخير والشر، فإن نسخة الرعب السورية تخلو من تجسيد هذا الصراع، إذ أن التجلي الوحيد للخير فيها هو القناع المسرحي (الدكتور جيكل) الذي تضعه النسخة السورية للمستر هايد على وجهها كلما تطلب الأمر ضرورة التغطية على جرائمها ونذالاتها، وهذا يتم بوعيها وإدراكها التامين. 

من هذا المنطلق، فالحل الذي ختم ستيفنسن به روايته لا يجدي نفعاً في رواية الرعب السورية، إذ لا وجود فعلي فيها للدكتور جيكل كي نأمل بأن يقوم بتخليصنا من جرائم وشرور وآثام المستر هايد. 

ويبقى السؤال المحوري قائماً: إذا كانت الشخوص والمؤسسات المسرحية التي تتكون منها « الدولة الواجهة » لا تمارس أي دور سوى ما يرسمه لها المستر هايد، مثلها مثل شخوص خيال الظل، وهذا ما تم فضحه عبر الرسائل المسربة، فمن يحكم سوريا؟

آرام الدمشقي: كاتب سوري

وهل يفترض بنا تصديق أن تلك النكرات التي وردت أسماؤها في ذات الرسائل هي حقيقةً من يحكم بلادنا؟