خلاف واشنطن وأنقرة وانسداد السياسة الأوبامية- بشير هلال

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 décembre 2014

ليس عادياً حتى بالنسبة لرئيس تركي كأردوغان، زادت السنون والسلطة ونجاحاته الانتخابية المتتالية علامات نزوعه الأوتوقراطي، أن يصف حليفه الدولي الرئيس بالوقاحة ويرفض «مطالبه اللامتناهية» ويتهمه بلعب دور المشاهد الصامت لطاغية (الأسد) ارتكب جريمة قتل ٣٠٠ ألف مواطن سوري، وأن يتساءل: «لماذا يقطع شخص ما مسافة 12 ألف كيلومتر ليأتي ويبدي اهتمامه بهذه المنطقة؟» في إشارة إلى زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً لإسطنبول. وأضاف أردوغان ذلك إلى تصريح آخر أدلى به بعد يوم من انتهاء الزيارة وتضمن نقداً «يساروياً» تحت عنوان أن النفط «هو الدافع الاستراتيجي الوحيد للأميركيين في المنطقة».
لكن ذلك ليس مفاجئاً تماماً. ففي الزيارة المذكورة حاول بايدن تغيير موقف الحكومة التركية القاضي بالامتناع عن المشاركة في «الحرب على داعش» بقوات برية وبفتح قاعدة إنجرليك لطيران التحالف طالما لم تتحقق شروطها الأربعة (إعلان منطقة حظر جوي وإقامة منطقة آمنة وتدريب وتسليح الجيش الحر وشمول العملية النظامَ السوري أيضاً). وعلى رغم محاولته إشاعة أجواء متفائلة بالتوصل إلى اتفاق فالصيغة التي استعملها لتحديد ماهيته، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع أردوغان، أظهرت مجدداً غموض النظرة الأوبامية إلى الحرب المذكورة وهامشية اهتمامها بتوفير شروط إجبار الأسد على القبول بتسليم السلطة لهيئة حكمٍ انتقالية كاملة الصلاحيات كما ينص جنيف 1. فهو تجنب تماماً الحديث ولو تلميحاً عن تلبية «الشروط التركية» وحصر الاتفاق التركي-الأميركي بـ «دعم المعارضة السورية المعتدلة للسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها تنظيم الدولة الإسلامية وضمان مرحلة انتقالية بعيداً من نظام الأسد».
واضحٌ أن عبارة «مرحلة» لا تعني إطلاقاً هيئة الحكم الانتقالية المذكورة. كما أن حصر مهمة «المعارضة المعتدلة» بالسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها تنظيم داعش يُظهِر أن دعم هذه المعارضة مشروطٌ بحربها ضده وليس ضد نظام الأسد إلا بصورة استطرادية.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الحديث الأميركي عن لا شرعية الأسد ورحيله صارا منذ ثلاث سنوات ونيِّف مجرَّد غطاء إعلاني أجوف، فإن المغزى الحقيقي للصيغة يتمثل بعدم تضمنه أي تغيير حقيقي في الاستراتيجية الأميركية (أو اللاإستراتيجية وفق بعض المحللين) التي تركز على العراق أولاً وتشترط حتى إشعار آخر عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران في وقتٍ يستثير تمديد المحادثات النووية معها المخاوف من أن تربط الأخيرة أي تنازلات تقدمها في الملف النووي بطلب مكاسب جيوبوليتيكية إضافية في المنطقة. وما يعني بكلام آخر أن ضربات التحالف الذي تقوده واشنطن لا تزال تستهدف، كحدٍ أقصى، إسقاط داعش فيما إشراك المعارضة السورية هدفه سوريّاً تأمين العنصر «الأرضي» اللازم لضرب التنظيم الإرهابي بعد إعادة تشكيلها تقنياً وسياسياً بالمعايير والمهارات والمواصفات الأميركية.
وكتأكيدٍ لهذا المنحى يجدر التذكير بالتخفيف التركي من أهمية الخبر الذي سبق الزيارة بأيام وأعلن فيه رامي الدالاتي، عضو المجلس الأعلى للقيادة العسكرية في «الجيش الحر»، أن تركيا ستقوم رسمياً بتدريب 2000 مقاتل من الجيش السوري الحر بدعم وتمويل أميركيين. إذ أوضحت تركيا أن الاتفاق لم يُوقَّع بعد.
لكن الأكثر دلالة قلة العدد المذكور الذي يُفترَض أن يضاف إلى أعدادٍ محدودة أخرى أُعلن عن تدريبها أو اعتزام تدريبها في بلدان أخرى من المنطقة، ما يؤكد على الهامشية العملانية المفترضة لقوة ولدور «الجيش الحر» من جهة، وعلى طول المهلة الزمنية للتسوية والحل في المنظور الأوبامي من جهة أخرى. كما أن المجازر التي يوالي طيران النظام وبراميله ارتكابها في بعض مناطق عمل قوات التحالف وفي شبه تناوبٍ معها، وآخرها في الرقة، تشير إلى أن واشنطن لا تزال تستبعد أي ربط بين الحرب على داعش وتخفيض مستوى هجومية وعنف النظام.
أما تلويح وزير الخارجية الروسي مؤخراً بأن «واشنطن تسعى بعيداً عن الأضواء إلى إطاحة الرئيس السوري»، فليس الأول، وهو يقع في سياقٍ آخر هو توسع نطاق احتكاكات روسيا وأميركا حول العديد من القضايا وأهمها دور الأولى في العالم ومعادلات النظام الدولي «الجديد» الذي تريد فرضه وتتخذ من الملف السوري ودعم بربرية النظام الأسدي أداة ومثالاً لبلوغه. وهذا ما عبَّر عنه الوزير نفسه بعد الإخراج المُمَسرح لزيارة وفد النظام إلى روسيا ومقابلته الرئيس بوتين في سوتشي، عندما رفض فكرة تنظيم مؤتمر دولي على نمط مؤتمرات جنيف، كما تراجع حتى عن «الحوار» الذي بدا أنه يريد تنظيمه تحت عنوان موسكو-1 بين النظام و»المعارضة» الرسمية وبعض شخصيات المعارضة الأقل جذرية التي زار ممثلوها موسكو مؤخراً، بالقول إن مثل هذا الحوار «ليس بسيطاً ويستغرق وقتاً بسبب نقاط الخلاف التي تراكمت منذ سنوات والمحاولات المستمرة للتدخل الأجنبي في النزاع السوري». وإذ أبدى تأييده لمهمة المبعوث الدولي فإنما على قاعدة فهمه مبادرة الأخير حول تجميد النزاع في مدينة حلب بوصفها تنسج على مثال «المصالحات المحلية» التي يحققها النظام في بعض المناطق، استناداً إلى فائض وحشيته في حصارها وتجويعها وتدميرها، وباعتبار هذه المصالحات «مساراً» سيسمح للآلاف بالعودة إلى «حياة طبيعية».
في المحصلة فإن اشتعال الخلاف الأميركي التركي وتراجع موسكو حتى عن مشروع موسكو-1 يشيران إلى أن دروب تسوية «القضية السورية» بمفهوم القرارات الأممية لا تزال مقفلة، وأن الجهود التي تبذلها بعض دول الخليج وفرنسا مثلاً لتطوير مهمة دي ميستورا باتجاه استثمار مفهوم «تجميد النزاع» انطلاقاً من حلب للتدرج في إنشاء مناطق آمنة، تبقى رهينة تغيير في الموقف الأميركي. وهذا ما أشار إليه لوران فابيوس بقوله: «إننا بصدد العمل على ذلك. ينبغي إقناع العديدين، الأميركيين بالطبع وغيرهم».
وبانتظار انفكاك الانسداد الأوبامي تتحول الحرب ضد الإرهاب سورياً إلى ميزة للنظام الأسدي لتعظيم بربريته وآثارها الفادحة وتحويل المصالحات المحلية القسرية إلى سياق يحاول إزالة الطابع الوطني العمومي للثورة وزيادة تشتتها الفصائلي والمحلي والجهوي، وتالياً استتباعها.