« داعش » التنظيم.. و »داعش » الفكرة – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 septembre 2014

يُفترض أن يبدو غريباً، حد رفض التصديق، أن تحتل فرنسا المرتبة الأولى في نسبة مؤيدي تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش)، بحسب استطلاعين للرأي نشرا الأسبوع الماضي؛ أجري أحدهما في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، فيما أجري الثاني في قطاع غزة. ففيما أيد 13 % من سكان القطاع تنظيم « داعش »، عبر 16 % من الفرنسيين عن وجهة نظر إيجابية تجاه التنظيم، في مقابل نسبة 7 % و2 % ممن يعتقدون بالأمر نفسه في كل من المملكة المتحدة وألمانيا، على التوالي.
وكما يشير موقع « فوكس » (Vox)، فإن حقيقة كون الاستطلاع في البلدان الأوروبية قد تم بتكليف من محطة « روسيا اليوم »، لأغراض غالباً سياسية، لا تمس بالضرورة بصدقية النتائج (فيما أجري الاستطلاع في غزة من قبل « المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي »). كما يمكن هنا إضافة أن ارتفاع نسبة المسلمين في فرنسا (3 %، وصولاً إلى 8 % على أبعد تقدير)، وافتراض أنهم جميعاً يعيشون ظروفاً بائسة، لا يسمح بتفسير « التميز » الفرنسي، بدليل نسبة تأييد « داعش » في قطاع غزة، والذي يشكل المسلمون الغالبية الساحقة من سكانه، حيث يعيشون ظروفاً تعد بالتأكيد بين الأسوأ في العالم.
التفسير الأهم لشعبية « داعش » في فرنسا، يتأتى من شعبية اليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبان (وابنته مارين)، الذي يعد من أشد أعداء الأجانب، وضمنهم المسلمون. وهنا، لا يجب أن يفهم تأييد التطرف « الإسلامي » بأشد صوره الممثلة في « داعش »، باعتباره رد فعل على خطاب جان ماري لوبان، والذي بلغ مثلاً حد التصريح، بلا تردد، في مؤتمر عام عقد قبل أسابيع قليلة، أن « فيروس » إيبولا هو أفضل رد على المهاجرين غير الشرعيين. بل إن تأييد « داعش » في فرنسا أكثر من غيرها هو تجسيد لاستلهام ذات خطاب لوبان، وسير على نهجه. بعبارة أخرى، فإنه بعد تقبل التطرف وخطابه أساساً، لا يعود هناك أي تمييز للغطاء الذي يتخذه، علمانياً كان أم دينياً؛ إسلامياً أم مسيحياً أم يهودياً أم بوذياً؛ فالمتطرفون يؤيدون التطرف عموماً.
هكذا، يكون صحيحاً تماماً أنه طالما كانت الفكرة موجودة وحية في العقول، فإن القضاء على أحد أشكالها أو تنظيماتها لن يكون سوى وقت مستقطع لحين ظهور تجليات التطرف عبر تنظيم آخر، باسم جديد، ولربما بأيديولوجيا نقيضة، لكن دائماً إنما بذات أدوات العنف، وحتى الوحشية واللاإنسانية، أو أشد.
وفق هذه الحقيقة، وهي حقيقة، يكون « داعش » التنظيم « الإسلامي »، ليس إلا أحد تجليات « داعش » الفكرة « العلمانية » على الأغلب، وفق الهوية المزعومة للأنظمة التي حكمت في العراق وسورية خصوصاً؛ والتي قامت، بلا شك، على ذات أدوات « داعش » الإسلامي اليوم؛ بالقتل والذبح والتنكيل والسلب والنهب. وبالنتيجة، فإن الصراع بين التطرف الإسلامي والتطرف العلماني ليس إلا محض صراع على السلطة، وعلى استغلال ذات الضحية الشعب. أما الأهم، فإن هذا الصراع إنما يغذي الطرفين لكن لا إلى حد إفنائهما، بل إلى إفناء الأوطان التي ينهشها المتطرفون؛ كما تشهد على ذلك سورية والعراق؛ حيث الأقوى اليوم فعلاً بلا منازع « داعش » والنظام؛ أي المتطرفون.