داعش بوصفها وسيلة تأديبية للثورات – عاصم حمشو

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 juin 2016
Assem Hamsho

Assem Hamsho

داعش بوصفها وسيلة تأديبية للثورات

لا تزال الكتلة العراقية تشكل النواة الأساسية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام « داعش »، ذاك أن التنظيم يعود بنسبة التأسيسي إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وزعيمه أبي مصعب الزرقاوي الذي اغتاله الجيش الأميركي بغارة جوية قرب بعقوبة عام 2006، فيما شكلت الأراضي العراقية طوال الفترة السابقة لتمدده اتجاه سوريا مسرح عملياته الأساسية، بينما رفده القرار الأميركي بحل الجيش العراقي بعدد من الخبرات العسكرية والأمنية من ضباط وعناصر كانت تشغل مواقع هامة في عهد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما استطاعت العملية التي نفذها أفراد من التنظيم على كل من سجني أبو غريب والتاجي أن تزيد في عداد مقاتليه، وتوسع من قدراته الأمنية والعسكرية خاصة وأن خبرات جهادية استطاعت الهرب بين الهاربين في تلك العملية والتحقت بالتنظيم فور خروجها، وهو ما أكدته تصريحات المسؤولين العراقيين يومها وما أثبته تبادلهم الاتهامات حول المسؤولية عن العملية أو التواطؤ معها كل حسب اصطفافه السياسي، رغم أن هذا لم يحل تالياً دون وقوع عمليات هروب أخرى صبت جميعها في خانة التحاق عناصر جديدة بالتنظيم بكامل خبراتها الجهادية والقتالية.

وكان نظام بشار الأسد قد سبق نظام المالكي من خلال رفده الحركة الجهادية بدفعات من الموقوفين في سجونه وأفرعه الأمنية، إذ بدأت أول عملية إطلاق سراح لمتهمين بقضايا مرتبطة بالملف الجهادي منذ نيسان/ أبريل 2011، وامتدت في عملية مطولة استدعت نقل عدد من المقاتلين والعناصر الجهادية من سجن صيدنايا إلى سجن عدرا المركزي، مع تخصيص الجناح الثاني من السجن لهم طوال مدة إقامتهم فيه، منعاً لاختلاطهم بباقي السجناء وتمهيداً لإطلاق سراحهم فيما بعد، علماً أنهم خلال هذه الفترة كانوا خارج نطاق صلاحيات إدارة السجن، ويخضعون مباشرة لسلطة المخابرات السورية، ويتواجد بينهم خليط من الجنسيات لمقاتلين كانوا أتوا إلى سوريا إبان الحرب الأمريكية في العراق وساهمت مخابرات النظام السوري بالإشراف على عملية انتقالهم وتدريبهم وإيصالهم إلى الأراضي العراقية، لكنها ما لبثت أن اعتقلتهم حال عودتهم باتجاه سوريا، سواء لابتزاز الولايات المتحدة وباقي أجهزة مخابرات الدول التي قدم منها هؤلاء، أو حتى لغايات أكثر انحطاطاً ومنها ابتزاز عائلات هؤلاء الشبان من الناحية المالية خاصة وأن هناك عائلات دفعت مبالغ طائلة مقابل وعود لم تنفذ بإخلاء سبيل أبنائها.

ضمن هذا الإطار ساهم كل من النظامين العراقي والسوري بتثبيت التنظيم الجهادي ومده بما احتاجه من موارد بشرية أولاً وماليةً ثانياً، خاصة بعد فضائح الانسحابات المتوالية أمامه في مدينة الموصل العراقية وترك عتاد عسكري تقدر قيمته بأكثر من 2 مليار دولار وبنك مركزي فيه ودائع بمليار دولار، هذا ما عدا المعلومات المتعلقة ببيع السيارات والنفط والكهرباء بين كلا النظامين والتنظيم المتطرف، ما يشي بعلاقة عضوية متينة بين الأطراف الثلاثة، يختلط فيها العسكري مع الاقتصادي ويمتد إلى السياسي، وليست بريئة أيضاً من هذه العلاقة أنظمة إقليمية وعالمية، إذ شهدت المرحلة السابقة سلاسة في الحركة والانتقال لأسماء وعناصر جهادية عبر الحدود السورية باتجاه تركيا ودول أوروبا وشمال أفريقيا تورطت لاحقاً باعتداءات وقعت في غير دولة من دول العالم، وكأننا نعيش في عالم لا ينتقل فيه بحرية ودون قيد أو شرط سوى رجال المخابرات وعناصر التنظيمات الجهادية !!

بهذا يبدو أن الشغل الشاغل والهم الأساسي للنظام السوري هو الحفاظ على داعش « قوية »، فالنظام العالمي متمثلاً بدول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والنظام الإقليمي متمثلاً بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية، يضاف إليهم من الطرف الآخر العمليات العسكرية التي بدأتها موسكو في سوريا منذ أيلول سبتمبر 2015 كل هؤلاء يريدون محاربة داعش والقضاء على الإرهاب، وكأنما انتقلت معارك الساحات السياسية جميعاً إلى الملعب السوري، وباتت تصفية الحسابات الدولية والإقليمية تنطلق من هذه البقعة.

وفي مواجهة هذا كله يرفع نظام الأسد لواء محاربة الإرهاب في وجه العالم ودليله القاطع وحجته الدامغة على فاعليته في عمله هذا هو داعش بكل بساطة، التي باتت جواز سفره الضامن لعودته إلى الاندماج ضمن النظام العالمي المشغول في مكافحة الإرهاب اليوم والمتناسي لأكثر من نصف مليون ضحية قتلتها براميل الأسد وصواريخه وميليشياته الطائفية منذ اندلاع الثورة في آذار عام2011.

بهذا تبدو المنفعة السياسية جلية للنظام السوري من الوجود الداعشي، فعدا عن استخدامها في تأديب السوريين المنتفضين على نظامه، ورفعها بوجههم كعصا تأديبية منذ ظهورها هي وأخواتها من تنظيمات جهادية على مسرح العمليات في سوريا، وحرصه الشديد على رعايته وعدم الاصطدام بها طوال الفترة الماضية، ها هو اليوم يلعب ورقة داعش على طاولة المساومات سواء مع دول المنطقة أو مع ممثلي « النظام العالمي » من أمريكيين وأوروبيين، فيما تتكفل عمليات داعش الإرهابية وإصداراتها الهوليودية في توفير الحجة والمبرر له، ليقول للجميع أن لا بديل عنه سوى هؤلاء الذين أجمع العالم كله اليوم على أولوية محاربتهم، متناسياً أن نظام البراميل المتفجرة فضلاً عن كونه سبباً اساسياً في وجودهم من خلال ما مارسه من قتل وتدمير وتشريد ممنهج بحق مجتمع الثائرين عليه ، هو أيضاً سبب أساسي في استمرارهم و »بقائهم وتمددهم » على ما يقول شعارهم الشهير من خلال العلاقة التي نمت بينه وبين التنظيمات المتطرفة، والتي يسبق تاريخها ظهور داعش، ويعود إلى حقبة الحرب الأمريكية في العراق وعمله الفاعل في عمليات تجنيد وإرسال المتطرفين إليه، وهذا ما تدركه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من خلفها أشد الإدراك، إلا أن الحسابات السياسية ومصالحها هذه الأيام تجري رياحها باتجاه محاربة « فزاعة » الإرهاب التي باتت سيفاً مسلطاً وحجة حاضرة لدى مختلف الأنظمة في العالم تستطيع أن تخيف بها الناس عند أي احتجاج أو اضطراب لا ترتضيه السلطات.

عاصم حمشو