« داعش » ليس خارج السياق – موفق ملكاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 2 novembre 2014

داعش ليس خارج السياق – موفق ملكاوي

لماذا يجد تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش) كل هذا التأييد في العالمين؛ العربي والإسلامي؟
من المحيّر أن نجد تنظيما ينتهج كل هذا العنف ويعيث خرابا في أكثر من ساحة، ثمّ يلاقي كل هذا الدعم والتعاطف والتأييد، حتى عند بعض من لا يؤمنون بالعنف!
قد ترتبط الإجابة عن السؤال السابق، وبشكل مباشر، مع السياق الثقافي للمنطقة العربية ككل، والتي أنتجت خطاب كراهية رعته على مدى عقود طويلة؛ دانت فيه الآخر، مهما كان ذلك الآخر.
منذ مطلع القرن العشرين، وعى العالم العربي على نفسه وهو يرزح تحت استعمار تركي، أطلق عليه قسرا اسم خلافة إسلامية؛ تبعه استعمار أوروبي طويل الأمد لجميع الدول العربية التي كانت وقتها في طور التشكّل، وصولا إلى زرع السرطان الصهيوني في قلب العالم العربي.
على مدى أكثر من قرن كامل، لم يستطع العقل العربي أن ينتج عقلا ناقدا يعترف بالخلل في بنيته، بل وجّه نقده إلى الخارج، مستعينا بجميع نظريات المؤامرة المتوفّرة. لذلك، تعزّز خطاب الكراهية الذي أنتجته ليس فقط نخب سياسية ودينية، بل أيضا مجاميع شعبية تأثرت بكل ما يحيط بها من تكلّس فكري.
في سياق التكلّس الفكري هذا، من السهل علينا كثيرا أن نطلق الاتهام على الآخر بوصفه سببا مباشرا للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية، من دون أن نقترح حلولا عملية يمكن أن تسهم في حل مشكلاتنا.
في العالم العربي، ما نزال نتحدث عن الاستعمار الغربي، وعن الغرب ومؤامراته المفترضة، أكثر بكثير عن نقد الواقع المخزي الذي وصل إليه العرب اليوم. حتى عندما نتحدث عن مشاكل التخلف والأمية والتبعية والفقر والدكتاتورية وعدم تداول السلطة وفشل برامج التنمية، نربط ذلك بالغرب ومؤامرته الكبرى علينا.
كل ذلك أدى إلى مزيد من العزلة الإنسانية على العقل العربي، غير المتكوّن في الحقيقة. وبات ينظر إلى نفسه مقابلا لكل من سواه، في تفرّد أشبه بالعقدة « الهتلرية »، ولكنها نقيض على أرض الواقع.
في المجتمعات المتخلفة التي لا تريد أن تقدم نقدا حقيقيا لسياقاتها المختلفة، من السهل جدا أن يكون العنف بديلا عن الحوار، والإقصاء واقعا بدلا عن الاحتواء؛ ومن السهل كذلك أن نجد شخصا أو جماعة تدّعي احتكار الحقيقة، وتستطيع المضي في ادعاءاتها لتؤكد أن الله اختارها لتنفيذ مشيئته على الأرض؛ كما من السهل جدا أن نجد حاضنات اجتماعية لهذا النوع من الدجل.
ظاهرة تنامي « داعش » والتعاطف المتزايد معه، ربما نستطيع قراءتها من زاوية التخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية اليوم، خصوصا أن التنظيم دغدغ مشاعر التخلف لدى العوام، بإطلاقه خطاب الكراهية الأحب لديهم حتى أقصى مدى.
في رأيي، فإن الحرب على « داعش » لا تكون في العراق وسورية فقط، فهذه حرب سهلة تستطيع الأسلحة أن تحسمها، ولكن الحرب الحقيقية ينبغي أن يتم توجيهها نحو البيئات التي تنتج مثل هذا الفكر، وهي حرب ستكون طويلة جدا.