داعش والاستبداد.. والتوحش – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 2 avril 2017

قبل إحكام الطوق عليه بفترة طويلة، بدا واضحاً أن العالم أجمع لا يمكن أن يتعايش مع تنظيم « داعش » أو أن يقبل مجرد وجوده. وهو ما يبقى صحيحاً على الرغم من محاولة البعض تحييده مؤقتاً، على نحو ما فعلت روسيا مثلاً، والتي تدخلت حماية لنظام بشار الأسد، مستهدفة المعارضة السورية وحدها وليس التنظيم الإرهابي أبداً. وقد بقي ذلك قائماً إلى حين بدأ لغز الكر والفر في تدمر وحولها، بين « داعش » ومليشيات إيران والأسد؛ مع استمرار سياسة « تحييد » التنظيم قائمة حتى الآن خارج تدمر، بل وتسارع طائرات الأسد إلى استهداف المعارضة مباشرة في الأماكن التي نجحت في إخراج « داعش » منها.
على الرغم من ذلك، فإن التنظيم الذي أسس لفنائه مبكراً جداً بما ارتكبه من جرائم في المناطق الخاضعة لسيطرته منذ اليوم الأول لهذه السيطرة؛ لم يغير بأي درجة تقريباً وتيرة جرائمه بحق المدنيين رغم اندحاره المتواصل الآن، وذلك بخلاف كل منطق يحتم بالحد الأدنى تقليل الأعداء أو تحييدهم، إن لم يكن كسب المؤيدين والحلفاء.
هذا السر أو اللغز المحير يبدو مطابقاً تماماً لما تفعله أنظمة الاستبداد العربية، على الرغم من « الربيع العربي » الذي أثبت أن الشعوب لم تعد تقبل الصمت الأبدي على إهدار حريتها وكرامتها، بل وفوق ذلك حرمانها لقمة عيشها. إذ بدل أن تبادر هذه الأنظمة إلى أقل الإصلاحات، صارت تتمادى أكثر في اللجوء إلى أساليب القهر والتنكيل ذاتها التي كانت قائمة قبل العام 2011، انطلاقاً من قناعة بأن خروج الناس إلى الشارع ومطالبتهم بالحقوق الإنسانية الأساسية، هما دليل على عدم كفاية جرعات الترهيب السابقة، فلا بد بالتالي من زيادتها. لكن النتيجة المحتمة لذلك هي العودة للانفجار بطريقة أكثر عنفاً وتدميراً للجميع، بما في ذلك الأنظمة. وخير دليل هنا هو الأسد الذي قد يتباهى وشبيحته؛ المحليون والقومجيون العابرون للحدود، باستمراره في المنصب، لكنهم جميعاً يدركون أنه وجود بلا أي تأثير، باستثناء أنه واجهة يبرر بها للغزاة غزوهم لسورية وتقتيل أهلها وتشريدهم.
هذا التلاقي حد التطابق بين الإرهاب والاستبداد على مبدئية التوحش، يمكن تفسيره في علاقة التعايش المؤكدة بين الطرفين؛ بل وحتى وحدة المنشأ في حالة « داعش » خصوصاً؛ فعلى الأغلب أن القادة إما من كبار الجلادين سابقاً في أنظمة مستبدة، أو من ضحايا هذه الأنظمة ذاتها.
ومبدئية التوحش أيضاً هي ما يفسر تناقضاً آخر يجمع الدواعش والمستبدين الفاسدين. فعلى الرغم من ادعائه تمثيل السُنّة والسعي إلى حمايتهم، كانت الغالبية العظمى من ضحايا التنظيم الإرهابي هي سُنّة العراق وسورية. وذلك تماماً كما أن الأنظمة ذاتها التي ادعت التقدمية والسيادة الوطنية في مواجهة الخارج والإمبريالية، صارت تسلم البلاد الآن لكل الغرباء، وهي مستعدة علناً للشراكة مع صهاينة غربيين، فقط لإبقاء « الزعيم الخالد بؤساً »، على حساب الشعب!
في المقابل، فإن الأنظمة التي وُصفت يوماً بالرجعية والخيانة، لكنها أسست شرعيتها على الاستجابة لتطلعات مواطنيها بأي درجة كانت، وليس إرهابهم، تبدو اليوم –كنتيجة طبيعية- الأكثر سيادة واستقلالاً، وهي بالتالي الأكثر استقراراً.