دستور « لافروف » بعد « بريمر » – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 mai 2016

manar-rashwaniقياساً إلى كل تاريخه، لا تبدو مجازر حلب الأخيرة استثناء، بأي درجة كانت، على طريقة تعامل نظام الأسد، ابناً وأباً، مع الشعب السوري. فاستهداف المدنيين والتنكيل بهم بكل وسيلة يمتلكها هذا النظام لإخضاع الشعب، هي ما أفضى إلى الثورة بداية، ثم عسكرتها في مرحلة لاحقة.
لكن ما يُلفت النظر بشأن هذه المجازر، هو تأييد الإدارة الأميركية العلني لها، عبر توزيع « الانتقاد » -ليس إلا- على النظام والمعارضة، رغم تركز القصف بشكل شبه كامل على المدنيين ومستشفياتهم ومخازن أدويتهم ومحطات تنقية مياههم، وليس على المقاتلين الذين يمكن ادعاء أنهم من « جبهة النصرة » ذات الحضور القوي في حلب، والمصنفة أميركياً ودولياً باعتبارها تنظيماً إرهابياً.
قد يكون ممكناً تبرير الموقف الأميركي -الجديد في ألفاظه الصريحة، وليس في جوهره- بأن اعترافاً بحجم المجازر التي يرتكبها الأسد في حلب خصوصاً، في خضم الحديث عن جدية في السعي إلى التوصل لتسوية سياسية، كان سيعني توقع اتخاذ إجراء ما على الأرض، لاسيما مع عودة الحديث، حتى أوروبياً من خلال ألمانيا، عن إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية. وهو ما سيهدّم كل ما بناه الرئيس باراك أوباما من نأي بالنفس عن سورية منذ العام 2011. لكن ما يُضعف هذا الافتراض هو حقيقة أن الصمت، لفترة طويلة نسبياً، على المجازر الأحدث، وبما يرتقي بالتالي إلى مستوى التأييد، إنما شمل أيضاً كثيراً من « أصدقاء الشعب السوري » الفاعلين دولياً وإقليمياً.
هكذا، يكون التبرير أو التفسير الآخر المحتمل، هو أن الالتقاء على المجازر، تأييداً أو تفهماً أو غض نظر، هو التقاء أميركي-روسي في الحقيقة على « تسوية » سياسية للصراع في سورية، والعمل على فرضها بالحديد والنار إن لزم.
فعقب اتفاق وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، في آذار (مارس) الماضي، على وضع دستور سوري جديد بحلول آب (أغسطس) المقبل، شاع حديث إعلامي عن وضع روسيا فعلاً لهذا الدستور، وتقديمه للأميركيين لإبداء ملاحظاتهم عليه (ولعله هو ما يسمى « دستور حميميم »، نسبة إلى أحدث جماعات المعارضة التي أنشئت في القاعدة العسكرية الروسية في منطقة حميميم السورية). لكن الأهم هنا، أنه بشكل متزامن مع مجازر حلب، كانت مجموعة من الشخصيات السورية تجتمع، بشكل أريد له أن يكون سرياً في البداية، في العاصمة النمساوية فيينا، نهاية الشهر الماضي، ضمن مؤتمر حمل اسم « من أجل محددات لدستور سورية المستقبلي ».
وبحسب ما نقل أحد المواقع الإعلامية المحسوبة على المعارضة، فقد تولى مسؤولون روس وأميركيون « الإدارة الكاملة » لاجتماعات المؤتمر. ولعله ذو دلالة أيضاً، أن يكون اسم المؤتمر « محددات »، طالما أن الدستور موضوع، ولا يحتاج إلا لإعطائه صفة « الوطنية » السورية؛ فمثل هذه المحددات كما ظهر في البيان الختامي للمؤتمر، لا يمكن أن تكون موضع خلاف، بل ولعلها موجودة هي ذاتها حتى في دستور كوريا الشمالية، بافتراض أن لها دستوراً.
لكن لا يبدو أن جميع الحلفاء على قلب رجل واحد؛ إذ سارع بشار الأسد إلى إعلان أنه سيقاتل حتى آخر عضو مليشيا توفره إيران، من لبنان والعراق وأفغانستان، للسيطرة على حلب، ليعقب ذلك تجدد المعارك بشكل كامل في ريف المحافظة الجنوبي. فيما يظل الأهم أن رفع الكلفة الإنسانية باستهداف المدنيين للرضوخ لدستور لافروف الروسي، ليس يجلب سلاماً أبداً، وخير دليل دستور بريمر الأميركي عقب احتلال بغداد، والذي انتقل من تبرير المجازر بين الطوائف العراقية في مرحلة سابقة، إلى التهيئة لها داخل الطائفة ذاتها حالياً.