راتب شعبو يكتب*: طرفا الصراع في سوريا .. جبهة واحدة للاستبداد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 octobre 2015

Rateb Chaabo

من يوالي النظام السوري تبدو له لوحة الصراع السوري بسيطة، بالنسبة له تضم اللوحة عنصرين وحسب، النظام وحلفاؤه ضد أعداء النظام بكل تدرجاتهم. الدولة ومؤسساتها مقابل تدمير الدولة، النظام مقابل الفوضى، الوطن مقابل ضياع الوطن

وكذا الحال بالنسبة لمن يريد عن قناعة تطبيق « شرع الله »، هؤلاء يبدو لهم العدو ليس فقط النظام، بل والديموقراطية كفكرة وكل من ناصرها أو قال بها، أي كل من « فضل شرع البشر على شرع الله » حسب تعبير السيد زهير سالم (إخوان مسلمين، سوريا)

ولكن ماذا عمن لا يريد استمرار النظام ولا يريد تطبيق ما يسميه الإسلاميون « شرع الله »؟

ماذا عمن يريد إسقاط طغمة النظام وبناء دولة قانون تعتمد مبدأ المواطنة والديموقراطية؟

ماذا عمن يرى أن الصراع اليوم يدور بين طرفين ضمن جبهة واحدة هي جبهة استبداد واحتقار للإنسان بحريته وكرامته وأمنه ولقمة عيشه، بعد أن تكاتف طرفا الصراع الرئيسان على بعثرة القوة الديموقراطية في الثورة؟

ماذا عمن لا يجد ما يفضل طرف في هذا الصراع عن الطرف الآخر، ولا يجد معادلاً واقعياً لما يمكن اعتباره « أهون الشرين »؟ ألم ينته الصراع السوري اليوم إلى حال لا تعترف بهذا النمط من السوريين، فإما أن تكون مع النظام أو مع صنف من أصناف الجهاديين المتاحين؟

أمام هذا البؤس الحاصل استجاب الديموقراطيون السوريون بطرق متفاوتة، منهم من اختار العمل في الإغاثة تعبيراً عن قناعة ديموقراطية مرفوعة إلى أفق إنساني، أو كتعبيرعن تعاطف مع الشعب المنكوب بعيداً عن كل التمايزات السياسية. ومنهم من اختار الانكفاء كتعبير عن الهزيمة المؤقتة على الأقل. ومنهم من انضوى في تشكيلات سياسية مستجدة بعيدة عن طرفي الصراع ولكنها بعيدة أيضاً عن الفاعلية والتأثير

هناك صنف آخر من السوريين يرون حقاً أن شكل الحكم الديموقراطي المدني هو أفضل الممكنات في شروط الصراع الحالية، غير أن هذا لم يمنعهم من الاصطفاف، بالكلام على الأقل، مع أحد قطبي الصراع. وهؤلاء يخرجون على السوريين بكليشيهات متشابهة في التبسيط والخطابية ومتعاكسة في الإشارة. من مال إلى ضفة النظام يخرج على السوريين بكليشيه خطابية فحواها: « ليس هذا أوان الخلافات ونقد النظام لأن الوطن في خطر، هناك إرادة خارجية خليجية تركية أمريكية تهدف إلى تدمير الدولة السورية، ليس الموضوع موضوع نظام مستبد أو غير مستبد، كل هذا إن هو إلا ذريعة لتدمير سوريا ». يقفز هذا التعميم عن أسئلة حرجة: كيف يقبل شعب بعد كل هذا الموت والدمار أن يُحكم من النظام نفسه الذي أودى بالبلاد إلى هذه الهاوية؟ هل يقبل السوريون مجدداً بنظام مارس أضعاف الاستبداد الذي جعل السوريون يثورون عليه في البداية؟ هل يتوقع أحد أن يقايض السوريون بعد كل هذا حقهم بالعدالة والحرية للحفاظ على ما بقي من سوريا تحت حكم النظام نفسه؟ كيف يقبلون نظاماً خرج على شعبه بالطائرات والأسلحة الثقيلة على مدى أكثر من أربع سنوات؟

ومن الجهة الأخرى تخرج كليشيه أخرى فحواها: « الوقوف مع الثورة هو معيار أي موقف. الصراع هو ببساطة بين الاستبداد وشعب يريد الحرية ». يقفز هذا التعميم عن كل  التعقيد الذي انتهى إليه الحال السوري، ويقفز بدوره عن أسئلة محرجة: أين هي الثورة التي ينبغي الوقوف معها، بماذا تتجسد؟ هل تعبر عنها قوى الجهاد الإسلامية ذات الرايات السود؟ هل يشكل الوقوف مع « جيش الفتح » مثلاً وقوفاً مع الثورة؟ ألا يشبه الحديث عن « الثورة » هنا الحديث عن « الشعب »، مفهوم غير محدد لخدمة خطاب ديماغوجي لا أكثر؟

تشكل هذه الكليشيهات أرضية خطابية يحط عليها ديموقراطيون سوريون سواء منهم من انحاز إلى النظام أو إلى أصناف الجهاديين الإسلاميين. في كل كليشيه تغطية على نقطة الألم، وتجاوز عن موضع التعقيد والخلاف. إنه صراخ أعمى ولا يريد أن يبصر. صراخ من الخلف يغذي الصراع الذي بات عقيماً منذ أن تبعثر الديموقراطيون السوريون وفشلوا في تشكيل قوة ذات وزن على الأرض. وسيبقى عقيماً طالما بقي السوريون محكومين لهذا الاستقطاب العدمي. وإذا لم تشهد سورية نهوض قطب ديموقراطي مدني اليوم فالراجح أنها لن تخرج من دائرة النار في مدى معلوم

* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي « هنا صوتك »

source : https://hunasotak.com/article/18696?utm_source=Facebook&utm_medium=social&utm_campaign=1-1508ece4b8b

date : 21/10/2015