روسيا وما تبقى من سورية – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 septembre 2013

لم يعد منطقياً أبداً تفسير الدعم الروسي غير المشروط لنظام بشار الأسد؛ عسكرياً، واستخباراتياً، واقتصادياً، وسياسياً، بالحرص على سورية، حتى ولو باعتبارها مجرد القاعدة العسكرية الروسية الأخيرة خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق. بل إن نتائج هذا الدعم غير المسبوق تؤكد العكس تماماً؛ وهو أن روسيا قد تخلت عن سورية منذ أمد بعيد، ولم تعد تبالي بمصيرها أبداً.
فبعد أكثر من من عامين ونصف العام على الحل الأمني المدعوم روسياً في مواجهة الثورة، باتت سورية دولة ممزقة باقتصاد مدمر، وشعب مهجر. وبافتراض استمرار الأسد الذي تدعمه موسكو، فإنه لا يتوقع إلا أن تتعمق هذه المآسي، كونه طبيعياً أن يتوجه النظام « المنتصر » إلى تعزيز الأجهزة الأمنية والجيش، تسليحاً وامتيازات وفساداً، وهو الذي يراهما صمام أمانه الوحيد في مواجهة الشعب الذي ثار ضده.
والواقع أنه من الممكن رصد تخلي روسيا عن سورية منذ البدايات الأولى للثورة السورية، وإن كان قد غطى على ذلك عسكرة هذه الثورة. إذ في مقابل كل الدعم الروسي للنظام، بما في ذلك توفير الحماية له من أي إدانة، وبأي درجة، في الأمم المتحدة، بقيت روسيا تتصرف حتى اللحظة كعاجز وتابع لهذا النظام على صعيد إيجاد مخرج من الأزمة؛ إذ لم تبادر على امتداد عمر ثورة إلى تقديم حل سياسي حقيقي واحد، وأبسط مؤشراته إطلاق سراح المعتقلين، ومنح جوزات سفر للمهجرين. بل إن روسيا ذاتها لا تعارض أبداً ما يُفترض أنه استخفاف بها قبل غيرها، وإساءة لصورتها دون سواها، باعتقال النظام رموز معارضة الداخل التي طالما أعلنت موسكو أنها الشريك المقبول في مفاوضات تسوية الأزمة السورية.
باختصار، تبدو روسيا -ضمن آخرين بالطبع- كمن أراد إيصال الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه الآن من دموية غير مسبوقة، وبكل أنواع الأسلحة المتاحة؛ محرمة كانت أم « مباحة! ».
في تفسير السلوك الروسي، يمكن التفكير في سببين رئيسين. فمن ناحية أولى، ربما تتفق موسكو مع خصمها واشنطن في أن سورية يمكن أن تؤدي دور « مصيدة الذباب » الذي يقاتل فيها النظام السوري وحزب الله ضد الإسلاميين الجهاديين الذين تراهم موسكو بدورها أكبر أعدائها، لاسيما في الجمهوريات القوقازية الإسلامية الساعية إلى الاستقلال.
ومن ناحية أخرى، فقد يكون الدافع الروسي هو استخدام سورية ورقة ابتزاز ليس إلا، لتحقيق مصالح روسية في مناطق أخرى من العالم، لاسيما بعد سقوط كل الذرائع التي طالما استخدمتها موسكو في تبرير استمرار القتل في سورية. فتنظيم القاعدة يزداد قوة وبشكل إقليمي، كما يشهد على ذلك العراق؛ ولبنان عاد ساحة تفجيرات يتولى بعضها على الأقل النظام السوري ووكلاؤه هناك؛ والانقسام الديني والطائفي يتجذر لا في سورية فقط، بل وعلى امتداد العالم العربي.
مع وصول الحرب في سورية إلى حواف الانفجار الإقليمي، يبدو الآن الاختبار الأوضح للدور الروسي. فهل ستبادر موسكو إلى التخلي عن نظام الأسد لأجل تسوية سياسية في سورية، تنقذ ما تبقى منها ومن شعبها، أم ستواصل (روسيا) دعم النظام على حساب المنطقة ككل؟.